باسم يوسف: الزعيم الذي أسقط الرئيس

09:04 مساءً الأربعاء 27 مارس 2013
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

نظرة تحدٍّ، أم سخرية: حين تعلو العين على الحاجب

باسم يوسف.

اسم أصبح يمثل عقدة اليوم لدى من يرتكبون الأخطاء، لأن هناك عينا ترصدهم، ولسانا لا يرحمهم، وشاشة تبرز سوءاتهم الأخلاقية وعوراتهم السياسية، وجمهورًا عاشقا لتلك اللعبة، التي أصبح كل مشاهد يتقلد فيها دور باسم يوسف ويقلده حين يهاجم (الرئيس)!

في مختلف أنحاء العالم، هنالك العديد من البرامج الساخرة، سواء أكانت السياسية أو غيرها، بأحداث حقيقية أو مُختلقة. ولكن في العالم العربي، يختلف هذا الأمر، فالبرامج السياسية الساخرة قليلة بل وتكاد تكون منعدمة في عالمنا العربي.

في تونس على سبيل المثال، كان هنالك برنامج قصير تظهر فيه دمى على شكل بعض السياسيين حيث يسخرون من إنجازاتهم السياسية بطريقة مضحكة، وبرنامج أخر يدعى “اللوجيك” يتناول السخرية السياسية ولكن تم إيقافهما.

الستيوارتان .. المصري والأجنبي

أما في مصر، البرامج الساخرة متحفظة نوعا ما، إن كان “عزب شو” لمقدمه محمود عزب أو “بني أدم شو” للممثل أحمد آدم. معظم موضوعاتهما تختص بالإنتقاد والسخرية من الفنانين، وحتى إنتقاداتهم السياسية رغم جودتها في أحيان كثيرة إلا انها كانت تعاني من الرقابة وبالتالي لم تكن تخرج بالشكل المطلوب.

في دول أخرى مثل أستراليا، كندا، البلجيك، فرنسا، ألمانيا، الفلبين، البرتغال، روسيا، سنغافورة، أسبانيا، السويد، جنوب أفريقيا، المملكة المتحدة، تركيا، و غيرها تنتشر ظاهرة البرامج الساخرة.

في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، الحرية فيها متاحة بشكل أكبر، يستطيع مقدم برنامج ساخر أن يستضيف رئيس بلاده ليسخر منه وينتقده وجهاً لوجه، كما فعل جون ستيوارت في برنامجه “العرض اليومي” عندما إستضاف الرئيس باراك أوباما لينتقده في وجود جمهور حي. هذا بالطبع مستحيل حدوثه في أي من برامجنا.

على الرغم من أن باسم يوسف مقدم برنامج “البرنامج”، يتخذ من جون ستيوارت مثلاً له، إلا أنه يدرك أنه مازال مبكراً على مثل هذه خطوة في ظل عدم تقبل المجتمع والإعلام لفكرة البرامج الساخرة. و على الرغم من أن برنامج “البرنامج” ليس التجربة المصرية الأولى في مجال البرامج الساخرة، إلا انه أشهرها و أنجحها.

لنلق نظرة على تاريخ بدء هذا البرنامج. باسم يوسف، قبل برنامجه “B+  باسم يوسف شو”، كان مجرد طبيب جراح مصري، عمل وقضى فترة طويلة من عمره في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، حتى قامت الثورة المصرية في 25 يناير 2011، حينها تغير واقع هذا الطبيب.

البرنامج، ربما نقول إنه العرض التلفزيوني الذي أسقط هيبة الرئيس الديكتاتوري (البرنامج) يصور مساء الأربعاء حيا، ويعرض مسجلا العاشرة مساء الجمعة بتوقيت القاهرة

الطبيب البالغ من العمر 39 سنة، بدأ بعرض وجهة نظره و كشف تناقض إعلاميي و فناني مصر خلال الثورة من غرفة بمنزله، حيث لم يكن يملك من أدوات الإعداد سوى مكتب، وكاميرا، ولوحة جدارية كبيرة عليها بعض الصور الملتقطة لمشاهد الثورة، وقاعدة بيانات من اليوتيوب. كذلك كانت خبرته الإعلامية لا تتعدى متابعته للبرامج المختلفة سواء المصرية أو الأجنبية، ولكن برنامجه الذي كان يبثه عبر اليوتيوب جمع ملايين المشاهدين وكان بمثابة البوابة للعديد من البرامج المماثلة، التي بدأت تأخذ نهجه.

مطلوب من جماعة الإخوان المسلمين

بجانب جمهوره من المشاهدين، التقطته قناة أون تي في الإخبارية، وعرضت عليه تحويل برنامجه من الإنترنت إلى شاشة التلفزيون ليصبح أول شخص في العالم العربي يحقق هذا الإنجاز. وبذلك اتسعت رقعة مشاهديه ليصبح برنامجه “البرنامج” من أكثر البرامج تحقيقاً لنسب مشاهدة عالية حتى الأن، ويثبت باسم يوسف اسمه في عالم تقديم البرامج الساخرة ويطلق عليه لقب “جون ستيوارت المصري” من قبل أن يُقر حتى بأنه مثله الأعلى وأن برنامجه وأسلوبه في التقديم مستوحى من مشاهدته له.

ينتقل بعدها باسم يوسف من الإستديو الصغير المخصص له بقناة أون تي في، ثم يقدم الموسم الثاني من برنامجه “البرنامج”في قناة سي بي سي بسينما راديو، التي أعيد تصميمها لتماثل راديو سيتي بمدينة نيويورك.

يختلف الموسم الثاني عن الموسم الأول الذي كان يعرض ثلاث مرات أسبوعياً و حلقاته أقصر ولا يحضره أي جمهور، فالموسم الجديد يعرض مرة أسبوعياً ويحتوي على فقرات أكثر و فترته أطول كما أنه أول برنامج ساخر يحضره جمهور حي بصفة مستديمة.

كذلك يُلاحظ إختلاف المحتوى، فإلى جانب إستضافته لفنانين أكثر في الموسم الثاني و تأديتهم لعروض مختلفة تتنوع بين الجاز والكورال والستاند أب كوميدي، يتم ملاحظة زيادة مستوى الجرأة في حلقات باسم يوسف. وقد أصبح محتوى الموسم الثاني موجهاً للكبار فقط، لما قد تحتويه الحلقات من ألفاظ لا تلائم كل الفئات العمرية.

تختلف كذلك طريقة تقديم باسم لبرنامجه، فيظهر في الجزء الثاني المزيد من المشاهد الخارجية والتمثيلية، الأزياء المختلفة، فضلا عن عروض يقدمها باسم وطاقم عمله، ليظهر مدى الإختلاف بين الموسمين.

ومثله مثل أي برنامج أخر تعرض لردود فعل إيجابية وسلبية عديدة. خلال الموسم الأول، أجمع تقريباً كل من كان يشاهده على إعجابهم به، حيث أنه كان يقدمه في فترة حكم المجلس العسكري في مصر، فكان معظم من يهاجمهم هم الفلول ورموز النظام السابق والمجلس العسكري. ولكن في موسمه الثاني، و بعد تولي جماعة الإخوان المسلمين حكم البلاد، أصبح يهاجمها بصفة مستمرة بإعتبارها الجهة الحاكمة، وهذا أفقده جمهور الإخوان و مواليهم الذين كانوا متابعين له في الموسم الأول.

ورغم أنه يستخدم العديد من الأدلة المقنعة و يعرض فيديوهات لرموزهم و هم يناقضون أنفسهم، إلا أنه لم يفلت من هجومهم السلبي. ولكن رغم ذلك لاقى برنامج “البرنامج” نجاحاً عالمياً حيث تحدثت عنه قنوات مثل سي إن إن و بي بي سي و الجزيرة وجرائد مثل الجارديان ومجلات مثل نيوزويك غيرها من وسائل الإعلام المختلفة المحلية والعالمية.

وبخلاف ردود الفعل المعارضة، إلا أن هناك ردود فعل أقسى، والتي بدأت بإتهام باسم يوسف بـ “المثلية” و “الكفر” إنتهاءاً بتقديم عشرات الشكاوي بتهم مثل إهانة الرئيس.

ويتعرض باسم في الأسبوع تقريباً عدد من الشكاوى الممثالة المُقدم إلى النائب العام. بجانب رد بعض معارضيه و مؤيدي الرئيس مرسي على قنواتهم الخاصة بإتهامه بالكفر وتشبيهه بالنساء وغيرها من ردود الفعل.

رغم كل هذا يظل برنامج “البرنامج” من أنجح البرامج السياسية في مصر و العالم العربي و مقدمة لبداية موجة البرامج الساخرة وتقديمها لمجتمعنا الذي ظل فترة طويلة جداً غير معتاد أو متقبل لفكرة إنتقاد الرئيس أو أي جهة حاكمة.

تتعدد نشاطات باسم يوسف الأخرى فبجانب حلقات “البرنامج” وعمله كطبيب، فهو يكتب بعض المقالات في جريدة الشروق المصرية. ومن أهم ما أنجزه على مدار العامين الفائتين كذلك زيارته لتونس و تغطية فترة ما بعد الثورة هناك و قد عرض حلقات خاصة بذلك.

كذلك لقاءه بجون ستيوارات في برنامجه بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث إستضافه جون ستيوارت ببرنامجه بعد النجاح الذي لاقاه باسم يوسف، ليقول له باسم “أنه (جون ستيوارت) مثله الأعلى”. وقد مدح ستيوارت باسم و برنامجه و المجهود الذي يقدمه.

وخلال فترة زيارته للولايات المتحدة الأمريكية قام بتصوير برنامج يعرض حالياً كذلك و هو برنامج “أمريكا بالعربي” يتعامل مع العرب المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية و تأقلمهم مع ظروف المعيشة هناك.

مما لا شك فيه أن باسم يوسف أصبح أيقونة بحد ذاته، وسواء اختلفت معه أو اتفقت، لن تستطيع إنكار انه يستطيع بسهولة الوصول إلى قلوب الناس. بفضله كذلك أصبح من الأسهل تقديم فن السياسة الساخرة إلى مجتمعنا. فلو اطلعت على اليوتيوب الأن، ستجد عشرات البرامج المماثلة لبرنامجه “البرنامج”، فقد فتح باسم أبواب فرصة التعبير عن النفس بالسخرية و الضحك في وسط أحلك الظروف و المواقف.

أعتقد انه في المستقبل ستكون هنالك المزيد من مساحة الحرية للتعبير و ستكون هنالك العشرات من البرامج الساخرة، التي ستنتقد كل من المعارضة و الحاكم، كما يفعل باسم يوسف. وقد يتقبل الشعب العربي عامة، والمصري خاصة، إنتقاد الرئيس، حتى و إن كان من مؤيديه.

تبدأ النار من مستصغر الشرر، فهل ينهي برنامج الزعيم ديكتاتورية الرئيس؟

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات