لغة الأشياء / ذاكرة ياسين الحاج صالح

09:05 صباحًا الإثنين 8 أبريل 2013
باسمة العنزي

باسمة العنزي

روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

«أعرف أن السجن هناك، قريني المقيم في عمق ذاتي، حياتي الأخرى.ليس ذكرى أو مرحلة من العمر منقضية، بل طبقة صلبة من كياني. وبهذه الصفة هو حاضر معي في كل حين، ولا سبيل إلى نسيانه. السجن مني و أنا منه».*
*
بعض الكتب تأسرك قبل أن تقرأها، تبحث عنها على رفوف المكتبات فلا تجدها، تسأل عنها بحماس، تترقب من لديه خبر عنها،بداخلك يقين أنها تحمل ما هو أكثر من المعرفة و أبعد من التجربة الذاتية و أعمق من المتداول، كتاب (بالخلاص يا شباب) عن تجربة 16 عاما في السجون السورية، لياسين الحاج صالح أحدها وبجدارة!
كقارئة كنت أقرأ كل صفحة و غمامة حزن تظللني، بعض المقاطع أبكتني، السطور تحمل إليك حقائق ليست بغريبة على نظام الأسد الدموي، عن معاناة وشجاعة و بطولة وانكسار وإحباط و خوف وكرامة وثقافة ووقائع حياة الكاتب الذي أمضى شبابه في المعتقل.
كتاب يجب أن يقرأه كل عربي ليدرك كم هو بشع طغيان البعث وعصابة الأسد الوضيعة! كتاب لا بد أن تمسكه يد كل شخص يعيش حرا كريما في وطنه كي يدرك قيمة نعمة الحرية التي يرفل بها، التفاصيل الصغيرة والمشاعر المنسابة والبوح بتلقائية ومحاولة فهم الزمن لم تكن عناصر القوة الوحيدة في هذا الكتاب المشع بطاقة السرد المثلى. العنصر الأقوى كان إخلاص الكاتب لمبادئه وشجاعته في نشر مقاطع من كتابه كمقالات قبل الثورة السورية، في الزمن الذي لم يجرؤ فيه أحد على وضع رقبته تحت سيف الجلاد البعثي القبيح.
«إن رواية حكاية السجن في سورية، مهما أمكنها أن تكون مؤلمة، اقل إيلاما من بقائها حبيسة الصدور، تسمم قلوب أصحابها بالحقد والضغينة، وقد تنفجر بصورة بركانية مدمرة».*
كل جملة كانت في محلها، كل فكرة كانت موحية وخلاقة، كل حكاية كانت نابضة بالحقيقة القاسية، كل معلومة تاريخية كانت ثمينة، كل مقارنة كانت في سياقها، كل ما أراد له الكاتب أن يصل عن عوالم المعتقلين السياسيين في سورية وصل للقارئ رغم مشاعر الغضب و الحزن والتعاطف و الأسى.
«ليس هناك قطع غيار لهذا العمر. الواحد منا لا يكون شابا مرتين، لا يمر بسن الحادية والعشرين والخامسة والعشرين و الثلاثين… وما فيها من صبوات وشعور بالذات وجاعة و حماقة… إلا مرة واحدة. وهذه المرة سرقها السجن من مئات وألوف. ومني».*
ربما كانت ضريبة السجن لياسين و غيره من الشجعان مكونا أساسيا لثورة مستحقة، جاءت كصرخة طويلة من زوايا سجون معتمة دفنت أسرار مساجينها السياسيين مع أعمارهم التي بعثرها النظام القمعي، ربما تقاربت أجزاء الصورة التي حاول الطاغية ووالده تمزيقها لتؤسس لسورية جديدة تحرسها الديموقراطية ويظللها السلام، ربما كانت الحكايات المؤلمة وقود الحراك باتجاه شمس الحرية، تجربة ياسين الحاج صالح التي وثقها هي جزء من بورتريه كبير داكن لزمن مرير قضم أعمار شعب بكامله، قطعة مربعة في سجادة نسجتها الأقدار بأناة و صبر.
كقارئة انحني احتراما لكاتب ذي مبادئ دفع ثمنها باهظا صانعا بطولته الخالدة، حرر ذاكرته وروض وحش السجن وهو يقول: «سجوننا تشبه أوطاننا. تشبهنا نحن أنفسنا»*.

* المقاطع من كتاب (بالخلاص يا شباب) ياسين الحاج صالح، دار الساقي، الطبعة الأولى. حصل الكاتب على جائزة الأمير كلاوس الهولندية عام 2012.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات