هجوم على الحديقة اليابانية: بوذا أول ضحايا السلفيين في مصر

08:07 مساءً الخميس 15 نوفمبر 2012
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بوذا ضحية العبث باسم الدين

في سابقة خطيرة وفي غياب شبه متعمد للأمن وقوى الداخلية هاجم شخص ينتمي للدعوة السلفية احد تماثيل بوذا الرائعة المهيبة التى تزين ضفاف  الحديقة اليابانية المقدسة وقام بهدم احد التماثيل الأربعين وأزال رأسه !!!!

خبر مدهش إذ أنك لو قمت بهذا الفعل في أى بلد متقدم او حتى متأخر في العالم لقامت الدنيا ولم تقعد ولكن هذا ما حدث اليوم على مسمع ومرأى الشهود وفي يوم يحتفل به كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ببداية السنه الهجرية حيث بدأ اليوم العام 1433من الهجرة النبوية المشرفة … فهل هذا العمل مقصود بالتزامن مع هذا التاريخ؟

يتصور افراد الدعوة السلفية وجماعتهم والتى يمثلها حزب النور السلفي في مصر ان هذه  التماثيل العظيمة وتلك الآثار العريقة الضاربة بقدمها وشموخها في أعماق التاريخ انها أوثان وأصنام! يالها من صفاقة وياله من جهل .

ونجد وزير الآثار يعلن علينا اليوم أن آثارنا ليست أوثانا! حقيقة كنا في حاجة الى تصريح مثل هذا لندرك أن تاريخنا الفرعونى واليونانى والقبطى والإسلامى والحديث لا يتعارض في آثاره ومقتنياته الفريدة مع الدين!!!!

وخرجت تصريحات رسمية ساذجة تؤكد ان التمثال لم تسقط رأسه وأن المعتدي سينال عقابه ولكن المؤامرة خطيرة وممتدة ومعد لها مسبقا وفق اجندات سلفية تدار من تنظيمات متطرفة تحيك مؤامرتها في  الدول الإسلامية خصوصا ودول العالم بشكل عام؛ زاعمين أنهم يعودون بنا الى شرع الله وعقيدته!! وهم في زعمهم هذا يحرمون على المسلمين المعتدلين الذين يشكل المصريون بتعدادهم البالغ حوالى 85 مليون نسمة تقريبا يحرمون عليهم زيارة الأضرحة في المساجد على اعتبار أن هذا شرك بالله

ما حدث اليوم في الحديقة اليابانية  مقدمة وبالون اختبار لرد الفعل الرسمى والشعبى وقد قوبل هذا التصرف الأخرق بهجوم شديد على المستوى الشعبى ولكن رد الفعل الحكومى لم يكن على المستوى المطلوب مما أصاب الجماهير بالدهشة.

 

حتى الآن لم يشرح لنا مسئول بالداخلية ولا الآثار ولا المحافظة كيف تمكن هذا الفرد الملتحي السلفي من القيام بمثل هذا العمل الذى يستغرق ساعات طويلة دون ان يلقى القبض عليه مثلا ؟؟ او أن يتخذ إجراء أعنف لإجباره على التوقف ؟؟ لماذا لم تتحرك الشرطة سريعا للقبض على هذا الشخص؟ لا توجد إجابات كالمعتاد .

منذ 1917 احتضنت مصر هذا المعلم الفريد

الحديقة اليابانية متنزه مصرى عريق بالغ الجمال ويرجع تاريخ الحديقة اليابانية الى عام 1917 حيث بدأ العمل على إنشائها وافتتحت عام 1922 وكانت في الماضى تسمى كشك الحياة الآسيوى إذ تشتمل الحديقة على مجموعة رائعة من تماثيل بوذا  تصل الى اربعين تمثالا من الحجم العادى ويتوسطهم تمثال  ضخم لبوذا وتصطف التماثيل المهيبة حول البحيرة المقدسة والحديقة مجهزة بالمقاعد والمظلات من جذوع الأشجار على الطريقة اليابانية

كانت يد الإهمال قد امتدت للحديقة اليابانية في فترة الثمانينيات  من القرن الماضى مما دعا الحكومة اليابانية الى ان تقدم عرضا لمحافظة القاهرة لإعادة ترميم وإصلاح هذه التحفة النادرة وهو ما تم فعلا في بداية تسعينيات القرن الماضى وكانت من قبل يدخلها الزوار دون رسوم ولكن بعد التجديدات تم تخصيص رسوم للدخول تنفق على صيانتها والعناية بها.

لما كان عدد تماثيل بوذا في الحديقة اليابانية بحلوان هو اربعون تمثالا فهناك اسطورة أو حكاية شعبية قديمة اطلقها المصريون وأصبحت من التراث الشعبى المرتبط بالحديقة اليابانية : إذ اطلق الأطفال على تماثيل بوذا الأربعين حرامى ظنا منهم ان عصابة شهيرة كانت تنوى سرقة مستشفي حلوان وأثناء اختبائهم في الحديقة وهم يستعدون ليلا للانقضاض على المستشفي مسخهم الله في صورة تماثيل ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه ان يسرق اموال الفقراء وأرزاقهم.

 

تلك هى حكاية شعبية طريفة للتندر والتسلية ولكن هذه الحديقة تشكل للمصريين جزءا مهما من آثارهم الحديثة المبهرة التى تتميز بها مصر.

 

وتذكرنا هذه الواقعة الشاذة بما حدث لتماثيل بوذا في باميان بأفغانستان في شهر مارس آذار عام 2001 عندما قامت حركة طالبان بتدمير تمثالين اثريين يقعان على منحدرات وادى باميان باستخدام الديناميت ويعود تاريخ بناء هذين التمثالين الذين تم تحطيمها الى القرن السادس قبل الميلاد عندما كانت منطقة باميان مركزا للتجارة وتعتبر هذه المنطقة جزء مما يعرف بطريق الحرير التاريخي.

 

وأخيرا وليس آخرا أعلن القيادى السلفي بالدعوة الجهادية السلفية مرجان سالم الجوهرى على قناة دريم الفضائية مؤخرا في برنامج  العاشرة مساء أنهم ـ أي الدعوة السلفية ـ مكلفون بتطبيق تعاليم الشرع ومنها إزالة تلك الأصنام كما فعلوا في أفغانستان وحطموا تماثيل بوذا في باميان.

انتهى حديث السلفي الجهادى ولكن تبعه تحرك يشكل محاولة لتنفيذ أجندتهم التى تضع ابا الهول والأهرامات على صدر مخططاتهم التى ترمى التى تحويل مصر الى  بلد متخلفة خارج سياق التاريخ تماما كما فعلوا في بلد كأفغانستان باسم الدين وهو بعيد كل البعد عن ديننا الإسلامى الذى شجع ودعا اتباعه الى العلم والمعرفة والذى شهدت فترات من حكمه كالدولة الأموية والعباسية وحكم المسلمين  في بلاد الأندلس شهدت هذه الفترات نهضة وشكلت رصيدا كبيرا في تاريخ المسلمين ويقينا لن تفلح هذه المؤامرات ولكنها مرحلة مخاض عسيرة لدولة ناهضة عظيمة اسمها مصر.

Top of Form

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات