هل تستطيع حكومة الهند مساعدة مواطنيها؟

09:12 صباحًا الإثنين 29 أبريل 2013
برامود ماتور

برامود ماتور

كاتب ومخرج سينما وثائقية، الهند

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قرويتان في رحلة دينية لأداء الطقوس الخاصة في إحدى قرى الهيمالايا

الغابات التجارية: إرث الحكم البريطاني

صارع سياسيو الهند والبيروقراطيون بها على مدى 65 عاماً من أجل إسقاط إرث الحكم البريطاني وآلياته والعمل على تمكين الشعب ولكنهم فشلوا … لماذا؟

كما هو معروف في أنحاء العالم، فإن نظام الدول حديثة الإستقلال، بعد تحررها من الحكم البريطاني في أواخر الأربعينيات، لم يغير الكثير من أسلوب الحكم البريطاني. على الرغم من الإدعاء بأنهم دول ديمقراطية، إلا انهم احتفظوا بالشرطة، وهياكل العمل القضائية والبيروقراطية التي وضعتها بريطانيا.

الخطاب شديد اللهجة عن “تمكين الشعب” في الهند مازال مستمراً حتى يومنا هذا. وهنالك المئات من مجالات الإدارة لم يتم التعامل معها على مدار 65 عاماً. إدارة الغابات وأحقية السكان المحليون بإنتاج الغابات هو واحد من هذه المجالات.

تحت الحكم البريطاني، إستعمار الغابات كان له عواقب سيئة، كما كان لها تأثير ضار على البيئة المحلية للغابات كذلك. فقد سببوا أضرارًا بيئية لا يمكن إصلاحها. وقد تأثر سكان هذه المناطق وعانوا خلال الحكم البريطاني حتى يومنا هذا.

خلال الفترة البريطانية، الحركات البيئية التي قام بها محليون في قطاع الهيمالايا كانت كرد فعل لسياسات الغابات التي نتج عنها تشديد سيطرة الدولة، بتقييد الصيد واستخدام الأخشاب والرعي.

بحيرة Naukuchiatal وغطاء الغابات حولها

في الهند المستقلة، أصبحت السياسات نفسها مثالا تحتذي به هيئة إدارة الغابات مما أدى إلى إستمراريتها الخبيثة. حتى اليوم، فإن الأنواع التي يتم إختيارها للزراعة يكون الهدف منها حصادها من اجل إستخدامها في الحصول على أخشاب تعود عليهم بعائدات تجارية، دون أي إهتمام بإحتياجات سكان قطاع الهيمالايا من أخشاب، وعلف، ومصادر مياه.

هنالك وثيقة مفصلة، قام بتوقيعها سكرتير وزارة البيئة والغابات آنذاك عام 1988، وكانت تدعى “السياسة الوطنية للغابات”. ورغم أنه كان عقلانياً ودارساً جيداً، إلا أنه يقوم بتكرار كلمة “ينبغي”. فيبدو كما لو أنه مقال جيد كتبه طالب جامعي في اختبار ما.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الوثيقة تقر “الإعتراف بالعلاقة الوثيقة بين سكان القبائل والغابات، هي مهمة أساسية لكل القائمين على العناية بالغابات، بما فيها شركات تطوير الغابات. ينبغي عليهم كذلك الحرض على مشاركة هؤلاء القبليون في حماية وتطوير الغابات إلى جانب توفير عمالة و وظائف لهولاء الساكنين بجوار الغابات. وينبغي على برامج الغابات أثناء حمايتها لمصالح وإهتمامات هؤلاء الأشخاص، أن تولي إهتماماً خاصاً للتالي ..”

لقد تغير الكثير على مدار الستين عاماً الفائتة، في ظل غياب أي شكل من أشكال المساءلة والتأنيب، أصبح البيروقراطيون معتادين على الإكراميات والمناصب الكبرى التي حصلوا عليها، ببذلهم أقل مجهود ممكن من التفكير. يستمرون كذلك في طريقتهم للنظر إلى الناس بصفتهم “لا يعرفون شيئاً” و”يحتاجون من يخبرهم بما هو أفضل لهم” دون أن يلحظوا أن المعرفة التقليدية عن كيفية إستثمار المصادر الطبيعية في المجتمعات قد لا تنتقل للأجيال التالية، إذا لم تحترمها الحكومة أولاً.

النساء في قرى الهيمالايا تحيا حياة صعبة ما بين تجميع الوقود والخشب، وجلب العلف والمياه من أماكن بعيدة. في السبعينيات كانوا يمشون قرابة الساعة يومياً إلى الغابات من أجل جمع أخشاب لإشعال النار، وكذلك جمع العلف من أجل قطعان الماشية، وبالطبع ينابيع المياه كانت تتدفق طوال السنة.

وخلال إستمرار هيئة الغابات في زراعة فصائل تقوم بإنتاج أخشاب من أجل الإستخدام التجاري وإنتاج عائدات أكبر، تصبح حياة هؤلاء السيدات أصعب وأصعب. اليوم، يجب على المرأة في قرية بالهيمالايا أن تمشي ما يقرب لأربع أو ست ساعات من أجل جمع الأخشاب، والعلف، والمياه، مما يترك لها وقتاً قليلاً للزراعة.

غطاء الغابات المناسب كان له تأثير واسع على نظام الزراعة بالغابات من حيث توفير الطعام والتغذية المائية الفقيرة. وقادت قلة الطعام إلى عمليات هجرة واسعة من قبل الشباب المتعلمين، من أجل تحسين مستوى العائلة، مما زاد الضغط في المجتمع القبلي وأصبحت المهام الصعبة ملقاة على عاتق السيدات و كبار السن بمفردهم.

الهجرة لها تأثير سئ على صحة المجتمعات النفسية والإجتماعية. المواطنين كبار السن يواجهون عوائق صعبة، بدون تلقي أي مساعدة حتى في أوقات مرضهم، مما يقود إلى حالات إحباط وإكتئاب عديدة.

تغير المناخ العالمي كان له تأثير على حياتهم وجعلها أصعب خلال العشرين سنة الماضية. تغير المناخ أدى إلى إستنزاف موارد مائية عديدة، تجدد النباتات والأعشاب أصبح أبطأ، بشكل عام، أصبحت القرى في الهيمالايا أمام مفترق طريق.

قطاع الغابات يدرك بأن الحل الوحيد هو إقامة غابات مختلفة المنتجات الزراعية في أراضي القرى القريبة منهم. بالطبع هذا سيتطلب “مشاركة حكومية”، كما أنهم بحاجة إلى إقامة حملة لرفع الوعي بخصوص تغير المناخ، وفوق كل ذلك هم بحاجة إلى تمكين النساء، فهم أكثر من عانى ومن المرجح أن تستمر معاناتهم في العقود القادمة.

لن يتغير شئ على أرض الواقع إن لم تكن هنالك إرداة سياسية وشعور إيجابي بالإستعجال من جانب البيروقراطيين.

عائلة قروية تعاني شظف العيش

فقد عاش هؤلاء الناس في قرى الهيمالايا حتى قبل مجيء الإنجلير، حتى قبل أن نصبح أحرارًا وحتى قبل أن يسيطر صخب السلطة على الهند الحديثة. وقد قاموا بنقل حكمة أجدادهم من جيل إلى الأخر. لم يكونوا بحاجة إلى شراء أي حبوب زراعية، إعتمدوا كذلك على نفسهم في مجال الأعشاب الطبية، وحافظوا على مصادر المياه التقليدية.

في السنوات الأخيرة، أصبحت مشاكل الحكم في الهند أكثر تعقيداً، وغدت الحكومة أكثر قلقاً فيما يتعلق بمشاكل مثل إنتشار الفساد، والأزمة الإقتصادية وإنحفاض الإنتاج الصناعي. بهذا السيناريو، فإن مشاكل البيئة وتأثيرات تغير المناخ العالمي تم دفعها إلى الظل.

في هذا الوقت، لا تحتاج الهند إلى نظرة ثاقبة على المستقبل فحسب، هي بحاجة كذلك إلى تمكين المواطنين وجعلهم يشاركون في بناء الدولة. الهند بحاجة إلى مشاركة مواطنيها في الحكم.

السؤال هو، هل الحكومة على إستعداد أن تشارك قوتها مع شعبها عن طريق تمكينهم في ظل البيئة السياسية غير المستقرة؟

لمزيد من الإضاءة التاريخية يرجى مشاهدة الرابط التالي

On the Fence

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات