زيليا ڤاليڤا: الثقافة جسر تتارستان مع العرب

12:22 مساءً الجمعة 24 مايو 2013
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في زيارتي السابقة إلى تتارستان استقبلتني السيدة  زيليا ڤاليڤا في مكتبها المطل على نهر الفولجا

السيدة زيليا ڤاليڤا هي من الشخصيات الفريدة التي التقيتها في حياتي العملية، هي اليوم نائبة رئيس وزراء جمهورية تتارستان، بروسيا الإتحادية، كما شغلت منصب وزيرة الثقافة سنوات قدمت فيها تتارستان للعالم العربي، مثلما صنعت جسرًا مماثلا للثقافة العربية إلى مدينة قازان، العاصمة، وفعالياتها الثقافية الدولية، التي أصبح على رأسها مهرجان المنبر الذهبي، الذي أصبح يحمل اسم مهرجان قازان الدولي لسينما العالم الإسلامي. أكثر من لقاء، مع السيدة زيليا ڤاليڤا ، وحوار، بين قازان وفي الكويت:

أشرف أبو اليزيد:

نشعر اليوم بحضور تتارستان في الإعلام العربي أكثر من أي وقت مضى، مثلما نشعر بالتقارب العربي وحضوره في قازان، كيف تجدين المشهد؟

 السيدة زيليا ڤاليڤا :

 قبل كل شيء أود أن أشير إلى أنه في السنوات الأخيرة كان لدينا فريق للرؤية الاستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي، وقد أثمر عمله بشكل كبير جدا.

 كان حضور جمهورية تتارستان في هذا العمل نشطا بفضل مشاركة منتيمير شيمييف رئيس الحهورية السابق للفريق، وفي هذا الصدد قام منتيمير شيمييف بزيارة دولة الكويت أكثر من مرة. كما تطورت العلاقات التجارية والاقتصادية تطورا ناجحا. وكذلك قام رستم ميننيخانوف رئيس وزرائنا السابق ورئيسنا الحالي بزيارة دولة الكويت.

 علاوة عن ذلك تقدمت في السنوات الأخيرة علاقات التعاون الثقافي، والتعاون على مستوى المجتمع المدني، حيث زارنا منذ وقت غير بعيد الوفد النسائي الكويتي، والفنانون التشكيليون الكويتيون، وأقمنا معرضا ناجحا لخطاطي الكويت، وزار فنانو تتارستان الكويت أيضا. هذه الزيارة تشهد مشاركة تقدم عروض الفرقة الحكومية الفنية، وإنني أرى أن النشاط في مجال التبادل الثقافي يمكنه أن يكون دافعا جديدا في جميع المجالات الأخرى.

القسم التاريخي من مدينة قازان

أشرف أبو اليزيد:

تأسست مدينة قازان قبل أكثر من ألف عام. بعد إعتناق بُلغَار نهر الفولجا الدين الإسلامي في عام 922 ميلادية، بدأت “قازان” تتشكل على هيئة بيوت بدائية من الخشب، حتى أعلن مولدها في سنة 1005 ميلادية، وليظهر اسمها للمرة الأولى في الأدبيات المكتوبة سنة 1177 ميلادية. ستنعم المدينة بإسلامها وسلامها أربعة قرون، إلى أن تدك بواباتها جحافل جيوش إيفان الرهيب في الثاني من أكتوبر عام 1552 ميلادية. واجه التتار المسلمون ببسالة الجيش الفتاك لإيفان الرهيب لخمس سنوات من الحرب الإستنزافية لاستعادة “قازان”. وهي المدة التي تحولت فيها لأول مرة في المدينة أساليب بناء البيت من الخشب إلى الحجر، كما شهدت أيضا بناء جدران حماية جديدة. ثم جاء المعماري إيفان شريعي إلى “قازان” مع 200 من مساعديه لتعمير “قازان” بالبيوت الحجرية في 1555 ميلادية. منذ إسلامها ظلت تتارستان تكتب لغتها بالحروف العربية، قبل أن يجبر القيصر بيتر الأول أبناء التتار وسواهم على استخدام الأبجدية الروسية في القراءة والكتابة، سنة 1707 ميلادية. كلُّ شارع في قازان له قصة، وكل بيت في شوارعها له رواية، وكل مسجد في أطرافها تقف منارته شاهدة على تاريخ عريق، وعجيب أيضا. واليوم نجد في المدينة الكثير من هذه الأماكن التاريخية التي تم ترميمها بالفعل، وبعضها تحول إلى مزار سياحي. ومن بين البيوت التي رممت وتتحول إلى مزار تراثي بيت “المرجاني” وهو عالم دين له مسجد باسمه، زرناه، ووجدنا أن المصلين به يبلغون خمسمائة في صلوات الجمعة وخصوصا خلال شهر رمضان المبارك. لكن اليوم في قازان نهضة معمارية أخشى منها على تراثها، فما هي خطتكم لترميم الآثار

زيليا ڤاليڤا :

الواقع أننا نولي اهتماما كبيرا للغاية بترميم المعالم الثقافية حيث بدأ في روسيا سريان قانون جديد يسمح بتسليم المباني ذات الطابع الثقافي إلى الملكية الخاصة وأشكال أخرى من الملكية ذات الصبغة القانونية التي تسمح بالحفاظ على هذه العمارة النادرة.

 لهذا السبب تزداد  حاليا فرص كثير من المعالم للترميم وهي تنقل إلى الملكية الخاصة أو أصحاب آخرين من الدولة وهذا هو ما يتم في جمهوريتنا.

 في حقيقة الأمر، حين كنا نستعد للاحتفال بمرور ألف سنة على إنشاء مدينة قازان تم ترميم أغلبية المعالم بفضل الشركات مثل شركة “تتنفط”، “أورغسينتيز”، وشركات متقدمة عديدة أخرى، منها “تاتترانسغاز”، كان جميعها يشارك في ترميم المعالم مشاركة نشيطة.

 في الوقت الراهن يتم تحقيق مشروع متكامل آخر تدعمه الحكومة الفيدرالية ودميتري ميدفيديف رئيس روسيا الاتحادية. ويرأس صندوق هذا المشروع رئيسنا السابق مينتيمير شيمييف، وقد سمي هذا المشروع المتكامل “بلغار العظيمة وجزيرة ـ مدينة سفيياجسك”.

 على ضفاف نهر فولجا يتم ترميم معلمين، يمكنني القول بأنهما من أكبر المتاحف العالمية المفتوحة، هما بلغار التي تمثل معلما للثقافة الإسلامية. أما جزيرة سفيياجسك فهي معلم للثقافة المسيحية، ونتمنى أن يجذب هذان المعلمان اهتماما خاصا وأن يكونا نقطة خاصة في الطرق السياحية تغني بها الجمهورية.

زيليا فاليفا تلقي كلمة في الإحتفال بمرور 125 سنة على ميلاد الشاعر عبد الله طوقاي

أشرف أبو اليزيد:

كلما قادتني الخطى في “قازان” أو خارجها تذكرت شاعرها التتري الكبير عبدالله طوقاي. كلماته تتنفس هواء الأمكنة والأزمنة. حتى القرية التي تحدث عنها “قرلاي” كانت تشبه القرى التي زرتها في ملامح عديدة.  يقول طوقاي: لم أولد فيها، لكنني احتفظت بحبها. مرج عشبي أخضر كغطاء من المخمل. إنها ليست مشهورة، بل مجرد قرية صغيرة، ولكن غديرها منبع جمالها وهو فخر أهلها. لا نحس فيها بلسعة البرد، أو لفحة الحر، وتهب الرياح في مواسمها”.

في “قازان” تعيش كلمات عبد الله طوقاي: “هاهنا الموسيقى والرقص والفنون ولاعبو السيرك، وها هنا الشوارع والمسارح والمحاربون وعازفو الكمان”.  وهناك حديقة باسمه، وله ركن في المتحف وبأحد الجاليريات رأينا صورته على الحائط في لوحة زيتية ضخمة، مثلما دققنا في العملات التذكارية التي أصدرتها تتارستان بمناسبة مرور ألف عام على إنشاء “قازان” ووضعت صورة طوقاي على وجه عملات ذهبية وفضية وبرونزية ونحاسية ضمن أعلام البلاد. وفي إحدى الغابات التي زرناها، استدعيت كلمات طوقاي: “غابة عامرة بالعطور، أكبر من البحر، وأعلى من السحاب، تذكرني أشجارها جيش جنكيزخان القوي العرمرم”.  ولعل ذلك ما دفعني لتقديم ترجمة لأهم أعماله (شورالي) إلى أطفالنا العرب. وهي قصة الحطاب التي يلتقي شريرة الغاب التي تقضي على كل من يزور الغابة، ولكن الحطاب الشجاع يهزمها بذكائه. وقد تحولت (شورالي) إلى عشرات من الأعمال الفنية التشكيلية والموسيقية والسينمائية.

زيليا ڤاليڤا :

لدينا مشروع خاص بالشاعر عبد الله طوقاي. فهناك ترجمات دولية لأشعاره. ومنها ما يتم داخل بلدان رابطة الدول المستقلة عن الإتحاد السوفييتي السابق. كما أن تركيا تترجم مجلدا واحدا من أعمال طوقاي إلى لغات الشعوب التركية. هذا المشروع اليوم على وشك الاكتمال، وقد استلمتُ مجلدا واحدا لطوقاي باللغة الأذربيجانية، كما أن الترجمات في تركيا تكاد تكون جاهزة.

نحن نحاول في أيامنا هذه تعريف العالم كله بطوقاي لأنه بواسطة الكتاب والمواقع على الإنترنت التي تعرض مؤلفات طوقاي عرضا واسعا تتاح فرصة لكل من يولع بالشعر فرصة التعرف على عبد الله طوقاي.

من الأزياء التقليدية للشعب التتري

علاوة عن ذلك نحن نعقد حاليا معرضا ممتعا، فللمرة الأولى أتينا بممتلكات عبد الله طوقاي الأصلية إلى خارج تتارستان، أقيم المعرض الأول في مدينة سانت بطرسبورغ، وقمنا بافتتاحه في ديسمبر العام الماضي، كما افتتح المعرض في موسكو، وأتمنى أن نستطيع تقديم هذا المعرض بواسطة الإنترنت للعالم كله.

لقد سعدت أثناء زيارتنا هذه عندما تقابلنا مع الشاعر عبد العزيز سعود البابطين، وعندما أشرنا إلى ضرورة ترجمة أعمال طوقاي لتكون متاحة للقارئ الكويتي وقراء العالم العربي وافق بكل سرور على هذا الاقتراح، وبعثنا هذا المجلد على بريده الإلكتروني، ونتمنى تحقيق هذا المشروع المشترك ليصبح طوقاي قريبا منكم أيضا.

مع زيليا فاليفا خلال الإحتفال بشاعر تتارستان القومي

أشرف أبو اليزيد:

أيضا احتفلت مصر بالشاعر عبد الله طوقاي في ندوة خصصت له بالجناح الروسي في معرض القاهرة للكتاب

زيليا ڤاليڤا :

كما ذكرت سابقا، عبر شتى المطبوعات لشتى البلدان إننا ننشر مؤلفات الشاعر عبد الله طوقاي في العالم فلهذا السبب إذا تم إصدار هذه الكتب والترجمات إلى عدة لغات التي يتم نشرها على الإنترنت يكون ذلك أسلوبا أمينا لتقريب طوقاي من قراء جميع بلدان العالم.

وإننا نتقدم إليك بجزيل الشكر والتقدير لترجمة حكاية “شورالي”، ونحن قد أتينا بها إلى الكويت وأهديناها البابطين، وهكذا بفضل جهودك المبذولة في هذا العمل القيم أصبحت الحكاية سهلة المنال للقارئ العربي.

أشرف أبو اليزيد:

وأنا سعدت بترجمة عبد الله طوقاي، وأتمنى أن أعرف أكثر عن مشروعات الترجمة المرتبطة باللغة العربية

زيليا ڤاليڤا :

لدينا في الوقت الحاضر إمكانيات لتنفيذ ذلك لأن اللغة العربية تدرس في الجمهورية، يدرسها الطلاب ويتعلمها الكبار، حين يتعلمون تلاوة القرآن الكريم أو ينخرطون في المدارس الدينية، ولذلك تزداد الإمكانيات وعدد الناس القادرين على توفير هذه الترجمات.

وفي الواقع أنني سمعت هذا السؤال هنا أكثر من مرة لأن الاهتمام المتبادل قد وصل إلى المرحلة التي يولع فيها الناس بآداب الغير. فإن هذه المسألة ذات أهمية بالغة، وهي لم تكن موجودة قبل عدة سنوات، وإذا ظهرت الآن فذلك يدل على نضج الضرورة، ولذلك الخطوة الأولى التي يمكننا اتخاذها هي تبادل الترجمات، أشهر كتاب في الكويت وأشهر كتاب في تتارستان يمكننا تبادلهما وترجمتهما استنادا إلى التزامات متبادلة، أعتقد أن قراء كلا البلدين يقبلون هذه الفكرة مسرورين.

صفحتان من تقرير كتبته عن مهرجان قازان الذي يتبنى شعارًا دعت إليه فاليفا: ثقافة الحوار عبر حوار الثقافات

أشرف أبو اليزيد:

وأعتقد أنه حان الوقت لأسألك مهرجان المنبر الذهبي

زيليا ڤاليڤا

أرى أن مشروع مهرجان قازان الدولي للسينما الإسلامية لم يحتل المنزلة الخاصة به فحسب بل أثبت أنه مطلوب، ويحتاج إليه المشاهدون والسينمائيون، ويزداد الاهتمام به سنويا، ويشارك في هذا المهرجان نحو ثلاثين بلدا –  أكثر حينا أو أقل حينا آخر– سنويا بشكل ثابت.

يرتفع مستوى جودة الأفلام المعروضة، وأنا أعتز اعتزازا خاصا بأنه ظهر في تتارستان خلال هذه السنوات مشاهد يولع بسينما المهرجان، سواء أكان العرض عرضا لأفلام تتعلق تدور حول موضوع واحد، أو عرضا لأفلام تشارك في المسابقة، فلا توجد أثناء المهرجان أماكن خالية في القاعات.

قبل العرض نفسه يجعل الناس يبحثون عن أفلام يرغبون في مشاهدتها، ينظرون في البرنامج، ويظهر أصدقاء المهرجان المهتمون به، ومن المهم أنه هنا في الكويت يوجد أصدقاء المهرجان أيضا نشكرهم جزيل الشكر لدعمهم، ومنهم الشيخ عادل الفلاح، الذي يهتم اهتماما كبيرا بما يحدث في المهرجان، وكيفية الطلب المتجه إليه، وما يعرض فيه.

أرى أن مهرجان المنبر الذهبي من أشكال التعاون مع العالم العربي، وآلية لنشر التقاليد الإسلامية، وفرصة طيبة للتبادل الثقافي، وفي وجهة نظري أن ذلك المهرجان السينمائي له شعار معاصر ومطلوب للغاية “عبر حوار الثقافات إلى ثقافة الحوار”، لما تتعامل الثقافات بعضها ببعض يمكننا القول إن هذه هي الخطوات المتينة يتخذها البعض تجاه الآخر، ومفتاح التفاهم.

فن الشمائل في كل بيت تتري، لوحات للخط العربي

أشرف أبو اليزيد:

أسألك عن الحروف العربية وخاصة فنون الشمائل، ومستقبل تعلمها

زيليا ڤاليڤا :

هناك شباب يتعلمون اللغة العربية في الكلية الشرقية. يمكنني القول إننا في السنوات الأخيرة نشعر بالعودة إلى الدين، أرى حتي بين معارفي أناسا جادين في دراسة القرآن الكريم دراسة عميقة، حتى يتعلموا بالمدارس الدينية ليحصلوا على هذه المعرفة، ويدرسوا اللغة، وهذا فضلا عن كبار السن المتقاعدين الذين يغتنمون سانحة ظهور وقت فراغ لدراسة اللغة، ليجيدوا تلاوة القرآن الكريم.

أما أنا فقد بدأت دراستي كطالبة بعد أن تم تحويل كتابة اللغة التتارية إلى التدوين بالحروف السيريلية ولكن جدتي كانت توقع جميع الوثائق بالعربية دائما. ولذك أعتقد أنه ليس المتخصصين والطلاب فحسب بل كل من يهتم اهتماما عميقا بالأدب الكلاسيكي يحاول أن يتقن الكتابة بالحروف العربية، لكني لا أستطيع القول إن هذه الظاهرة تشمل الجميع، غير أن الاهتمام باللغة ملحوظ في السنوات الأخيرة، فإنه يبدو أحيانا في بعض الفعاليات مثل معرض الخط الذي عقدناه، وكان الأطفال يحضرون الورش بكل سرور، عبر فن الخط كانوا يتخذون خطواتهم الأولى تجاه التعرف على اللغة العربية، وفي رأي سوف يتقدم هذا الاهتمام في المستقبل. وفي فن الشمايل على الأقل يمكن ظهور أسماء جديدة، وهو ما يحدث فعلا، لأنه يتم في الوقت الراهن إحياء هذا الفن وأنت قمت أنت بزيارة معارضنا وتعلم أنه مع الخطاطين من بلادكم يشارك فيها فنانو تتارستان، وفضلا عن ذلك لا يوجد بينهم من يدين بالإسلام فحسب بل من يدين بأديان أخرى يعتبرونه نوعا من أنواع الفن ويشاركون في ذلك بسرور، وهناك اهتمام كبير بخط الفنان بوبوف الذي عرضت أعماله في اليابان وفي كثير من بلدان أخرى.

أشرف أبو اليزيد:

السابانتوي، عيد شعبي تتري. سابان كلمة تركية تعني المحراث. وكأن العيد (توي) حَرْثٌ لما زرعه الجميع طوال موسم كامل. لذلك يعني السابانتوي حصاد كل شيء مبهج: فإذا أردتَ لم الشمل، ورؤية الأهل، والإستمتاع بالوصل؛ فليس لك سوى السابانتوي، وإن رغبت في الغناء، وسماع الموسيقى التقليدية والرقص ببهجة وانتشاء، فما من مناسبة مثل السابانتوي. أما لو أحببت تذوق الأطباق الشعبية واحتساء المشروبات التقليدية وتناول الثمار المحلية، فعش مع السابانتوي!

 من أجواء عيد السابانتوي (فيديو)

أيام المهرجان يستقبلها شهر يونيو، من كل عام. إنه إحتفال صيفي، لكن صيف تتارستان بارد. ألعابٌ شعبية كثيرة، لعل أشهرها المصارعة بالسواعد، وتبدأ بأصغر المشاركين سنا من الأطفال، ويتصاعد العمر ومعه الحماس وقوة المصارعة وضوضاء التشجيع. كما أن هناك مسابقات تشبه التحطيب، وأخرى للعدو، وثالثة لسباقات الخيل، ورابعة لحمل الدّلاء بالماء والعدو بها دون أن ينسكب ماؤها، وخامسة لتسلق الشجر العملاق بسيقانه الزلجة، وسادسة لصعود الأعمدة، وسابعة لتحطيم الفخار والعيون معصوبة، وغيرها من ألعاب كأنها من حكايات شعبية خرافية!

كان العيد في أوله طقسا للحصاد، ثم تدرج ليكون ملتقى للإجتماع، ترى فيه الفتيات أزواج المستقبل، ولكنه صار اليوم على نحو أكبر مكانا للصلح مع الذات والغير معًا. وهكذا تتم فيه حل النزاعات، والخلافات، ودعوة القوميات الأخرى للمشاهدة والمشاركة.

كانت جوائز المسابقات حتى سنوات خلت ـ وربما لا تزال كذلك في أرياف تترية نائية ـ خروفا! لكن الجوائز اليوم أصبحت أكثر عولمة، حتى إن بعض الجوائز يمكن أن تكون سيارة موديل جديد!! كل ذلك وسط ميادين خضراء تصطف على جنباتها جماهير تجعل من كل ساحة مكانا للمباريات المختلفة. ترفرف في الهواء رايات السابانتوي الملونة، وترقص على الأرض ثياب الفتيات المزركشة، وتتمايل طربا القبعات التقليدية مع أنغام الأكورديون والآلات الموسيقية التقليدية الأخرى، وتصافح السماء رايات السابانتوي الملونة التي ترمز للأمنيات.

زيليا ڤاليڤا

إن السابانتوي هو عيدنا الشعبي القديم، يستحيل اختصار الحديث عنه، أعتقد أن السابانتوي رغم قدمه عيد شاب جدا في الوقت نفسه.

إن السابانتوي عيد يُنتظر من عام لآخر. منذ قديم الزمن كان عيد الحرث، إذ بعد الانتهاء من كافة أعمال الزرع كانت هناك فترة راحة قصيرة في القرية، وكان الناس ينظمون لأنفسهم راحة، وكانوا يجتمعون مع الأسر، وكانوا يجتمعون مع الأصدقاء، وكان الأقارب يزورون بعضهم البعض.

كانت تجرى في مثل هذه الاجتماعات مسابقات شعبية شاملة، أنواع عديدة، منها المصارعة، وسباق الخيل.

في الوقت نفسه أي إنسان، أيا كان عمره، من الطفل الصغير وحتى كبار السن يمكنهم المشاركة في السابانتوي واختيار المسابقة التي تناسبهم من حيث العمر والقدرات.

المهم بالنسبة لي أن السابانتوي عيد تفاعلي، لا يوجد فيه مشاهدون والكل يشارك في العيد، والكل أشخاص فاعلون، بالطبع من الأفضل مشاهدة فيلم ما عن السابانتوي ولكني أتذكر عندما كان لدينا ضيوف وبينهم ضيوف من الكويت أحبوا هذا الاحتفال كثيرا و اليوم لما كنا نتحدث عن الوقت المناسب للقيام بالزيارة قالوا جميعا إن أفضل الوقت هو وقت الاحتفال بعيد السابانتوي.

أتذكر مرة اجتمع الضيوف وهم يسألونني ما هو السابانتوي. كنت أرى عجوزا تجري حاملة فنجانين في يديها وعيناها ملؤهما السعادة وابتسامتها عريضة، فازت بجائزتها في السابانتوي في مسابقة ما وتمشي مسرورة للغاية، بالنسبة لي هذه أهم صورة لعيد السابانتوي لأن السابانتوي لا بد أن يكون كل واحد فيه فرحا ومسرورا، وإن هذا الاحتفال الشعبي في يومنا هذا هو من أهم علامات ثقافة تتارستان.

حوار إسلامي مسيحي، عربي وأوربي، شرقي وغربي، تسامح تتري نموذجي

أشرف أبو اليزيد:

ماذا تقول السيدة زيليا ڤاليڤا  إلى العرب؟

 السيدة زيليا ڤاليڤا :

نحن نرى أن لدينا كافة الأصول للتعاون المثمر وتقارب بعضنا من بعض رغم المسافات لأن لدينا أسس الثقافة الإسلامية المشتركة التي تربط بيننا، وتقاليد متشابهة، ولهذه الأسباب أعتقد أن العثور على لغة مشتركة ليس من الصعب.

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات