إبراهيم المصري مُهرِّبُ الأحلام يكتب عن القاتل والكاذب في مصر

09:30 صباحًا الأحد 18 نوفمبر 2012
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

إبراهيم المصري: مهربو الأحلام

على حسابه اليوم في (فيسبوك) ذكَّر الكاتب والشاعر والصحفي إبراهيم المصري، قراءه بسطور من كتابه (مهرب الأحلام)،

كان خالد سعيد يفكر في اقتراح صديقه التونسي محمد البوعزيزي، بإنشاء “ائتلاف شهداء الثورة المصرية” وعرض فكرته على قصيدة “مصر تتحدث عن نفسها” وعلى آخرين من أصدقائه، لم يرفض أحد اقتراحه، ولم يؤيده بقوة أيضاً. أمضى خالد أياماً يضع قاعدة بيانات مبدئية للشهداء، وإلى حد كبير كان شهداء ثورة يناير وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والقصر العيني معروفين، لكن ثمة مجهولون كانت أسرهم تدفنهم بسرعة خوفاً من المشاكل أو مجهولون لا يعرفهم أحد مثل الشهيد المبتسم، الذي ظل راقداً في المشرحة شهوراً طويلة ولم يظهر له أهل، حتى تبرعت السيدة دينا عبد الحميد كشك بدفنه في مقابر أسرتها بالقاهرة. ولم تكن مشكلة المجهولين هي الوحيدة في قاعدة البيانات، إذ كلما انتهى خالد سعيد من قائمة مبدئية، شعر بأنها ليست كاملة، فيضيف إليها من قُتِلُوا ضرباً أو تعذيباً على أيدي أجهزة الأمن مثل سيد بلال، ثم يضيف من انتحروا وكان هؤلاء قائمة مفتوحة، لتوالي الأخبار عن انتحار شباب حتى بعد الثورة، وكان لا بد أن يضيف إلى قائمته شهداء عبارة السلام الغرقى، وشهداء قطار الصعيد المحروقين، والشهداء اليومين لحوادث الطرق، وشهداء المستشفيات الحكومية، الذين يموتون بسبب نقص العلاج والدواء أو بسبب الإهمال، وشهداء المبيدات المسرطنة الذين تنتهي حياتهم سريعاً من الأغذية المسممة، وشهداء الشرطة والجيش في المواجهات مع الخارجين على القانون ومهربي المخدرات والمسجلين خطر، وشهداء صخرة الدويقة، وشهداء المباني التي تنهار على رؤوس أصحابها. وفي لحظة ما أحس أن عمله في إنشاء قاعدة بيانات لشهداء مصر، قد لا ينتهي أبداً، فالمصريون لا يتوقفون يوماً عن الشهادة، والقصاص لهم قد يستغرق ما تبقى من الحياة الدنيا والآخرة كلها. وفي لحظة يأس أرسل رسالةً نصيِّة لقصيدة “مصر تتحدث عن نفسها” طالباً منها حلاً ناجزاً، ردت عليه في رسالة بهذا البيت “نظر اللهُ لي فأرشد أبنائي.. فشدِّوا إلى العلا أيَ شَدِّ” ثم اتصلت به هاتفياً:
دع الأمر لي، فأنا سألتقي قريباً بجدتك ماعت، وسأضع معها حلاً لهذه المشكلة كلها. لم يفهم بالضبط ماذا تقصد، وظنها تمزح، وفكَّر من تكون جدته ماعت هذه؟ وعلى أية حال فقد كان مطمئناً إلى رد قصيدة “مصر تتحدث عن نفسها” كونها كما قال لنفسه، لا تكذب أبداً.
كان ثمة شخص آخر يضع قائمة مختلفة:
ـ إن.. كانت قصيدة “مصر تتحدث عن نفسها” لا تكذب.
ـ وحسني مبارك وأعوانه لا يكذبون في نفي المسؤولية عن قتل الشهداء وإطفاء عيون المصابين وتخريب البلد.
ـ والمجلس العسكري لا يكذب في حماية الثورة وتحقيق أهدافها وحقوق الشهداء.
ـ وحكومة الدكتور كمال الجنزوري لا تكذب في وعودها للناس.
ـ وجماعة الإخوان لا تكذب في تشديدها على عدم الانفراد بكتابة الدستور.
ـ والإعلام المصري لا يكذب بعد الثورة، كما كان قبلها.
ـ والشعب المصري لا يكذب في كونه خالياً من العيوب التي دسها في جسده نظام مبارك كالتحايل على القانون والرشوة والإهمال في العمل.
ـ والولايات المتحدة لا تكذب في عدم التدخل بالشأن المصري.
ـ ووزارة الداخلية لا تكذب في تشديدها على الالتزام بالقانون وحقوق الإنسان في ممارسة عملها.
ـ وجماعة آسفين يا ريس لا تكذب في كونها تحب مبارك حباً جما.
ـ والمصدر المسؤول لا يكذب في أن هناك مؤامرة تستهدف مصر بالهدم.
ـ والسلطة ممثلة بالأجهزة التي تمسك بها حالياً لا تكذب في أن هناك طرفاً ثالثاً يقتل الناس بدون أن تقول لنا ما هو هذا الطرف الثالث.
ـ والمتحولون لا يكذبون في أنهم قد استداروا بصدق عن نظام مبارك الذي لم يكن أكثر من عصابة أصابت الجميع بالعدوى، وتناسلت عصاباتٍ في الجميع.
ـ والثوريون لا يكذبون في أنهم على قلبٍ واحد، بالرغم من رؤيتنا لهم على قلوب ألف ائتلافٍ وائتلاف.
ـ إن.. كان أحد في مصر لا يكذب، ولا مصر نفسها تكذب في أنها وطن للجميع، ولا يراه الكثيرون وطناً للجميع.
فمن يكذب إذن؟
وضع عبد الحميد علي شتا القلم من يده على القائمة التي كان يعدها، ثم اتصل بخالد سعيد، سأله أولاً:
هل يختلف القاتل عن الكاذب؟
لا أفهمك، رد خالد سعيد
أخبرتني من قبل أنك تبحث عن القاتل
هذا صحيح يا عبد الحميد وما زلت أبحث عنه، حتى أقتص منه وأحقق العدالة
طيب، ما رأيك أن نتعاون معاً؟
هذا يسعدني بالطبع
لكنني أبحث عن شخص مختلف
وهل هناك شخص يجب أن نبحث عنه في مصر الآن غير القاتل؟
نعم يا خالد هناك شخص كاذب في مصر ومهمتنا المشتركة هي البحث عن القاتل والكاذب، لعلنا نستطيع إنقاذ مصر من كليهما.
إيدي على كتفك.. رد خالد سعيد
ممتاز، متى نلتقي لوضع خطة للعمل؟
بعد أن أعود من الإسكندرية سوف أتصل بك
ومتى تعود؟
والله حتى الآن لا أعرف، ربما قبل أيام من جلسة النطق بالحكم في محاكمة مبارك، لماذا لا تأتي أنت إلى الإسكندرية.
يسعدني طبعاً، لكن أنا مشغول هذه الأيام في القاهرة
ضحك خالد وقال: لم نبدأ حتى اختلفنا يا صديقي
على ماذا يا خالد؟
على مجرد الاتفاق على مكان للقاء
هذه حال المصريين جميعاً لا يتفقون على شيء
لكننا شهداء يا عبد الحميد، ونحن قدوة للجميع كما يقولون
طيب يا صديقي، معك حق، نلتقي إن شاء الله تحت سدرة المنتهى.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات