<أفتقد قريتي وعائلتي , بل أفتقد حياتي > كلمات إختلطت بالحزن والأسى بدأت بها المطربة المالية الصحراوية فاطمة حديثها أثناء إنعقاد فعاليات مهرجان تاراكالت المغربي الرابع للموسيقى والذى رفع شعار المرأة الصحراوية لتجد فرقة< ترتيت > المؤلفة من عشر نساء طوارقيات تقودهن الفنانة فاطمة إطارا مناسبا لتقديم إبداعاتهن وفنهن الصحراوي الفريد .

تأسست فرقة <ترتيت > عام 1995 فى مدينة تمبكتو العاصمة التراثية والثقافية لجمهورية مالي وملتقى الحضارات والثقافات منذ مئات السنين وهى تعد بالفعل جوهرة الصحراء الكبرى  ولكن وبعد سيطرة  جماعة أنصار الدين  السلفية الجهادية المتشددة على شمال مالى تبدل الوضع وأستخالت الحياة إلى كابوس لا ينتهى من التخلف والرجعية تمثل تأثير هذه الجماعة فى شتى مناحى الحياة فى مناطق نفوذهم ومن ضمن أفكارهم السلفية البائدة هى أن الفن والغناء والموسيقى حرام بل كفر وفسوق !!!

منطفة محاميد الغزلان أقصى جنوب شرق المغرب والتى تقام فيها فعاليات مهرجان تاراكالت المغربي الرابع للموسيقى  كانت فى الماضي تحمل نفس الإسم إذ كان إسمها فى الماضي تاراكالت قبل أن يتحول إلى محاميد الغزلان .

وفى أثناء مراسم إفتتاح المهرجان أكد  حليم السباعي رئيس جمعية الزايلة المنظمة لمهرجان تاراكالت : إن تراكالت دعوة للوحدة في زمن الإنشقاق ومساحة للإخاء فى زمن التوترات , كما ذكر بتاريخ محاميد الغزلان التى كانت نقطة لإلتقاء بين شعوب من لغات وأعراق وأديان مختلفة وقال إن رابع دورات تراكالت كما سابقاتها ولاحقاتها تهدف الى إعادة  الإعتبار لهذا التاريخ الذى كان مبنيا على التعايش.

لا أدري لماذا شعرت بغصة شديدة عندما شاهدت المطربة فاطيما وهى تشدو بصوتها العذب وتعزف معها فرقتها الموسيقية الموسيقى الصحراوية العذبة لأننى تذكرت كلماتها التى كانت تفيض بالأسى وإحساسها انها لن تستطيع ان تعود لوطنها ولا أن تشارك أهلها أفراحهم وأعراسهم وحفلاتهم لأن ما تعلمته وعلمته عشرات السنين أصبح فجأة حراما وكفرا وعارا فى وطنها فى تمبكتو !!!!

تمبكتو المدينة التاريخية العريقة توالى على حكمها عدة إمبراطوريات منها إمبراطوريات السودان السونجاي , إمبراطورية الفلاني ,ثم الإمبراطورية المغربية الإسلامية المغربية التى يحظى ملوكها السعديون بالإنتماء للسادة الأشراف من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدعى لهم في المنابر فى خطبة الجمعة حتى وقت قريب.

كانت جماعة أنصار الدين السلفية قد فرضت سيطرتها على شمال مالي فى مطلع إبريل 2012 ومنذ ذلك الحين ومناطق نفوذهم تتعرض لشتى انواع الهدم والتشويه بدعوى إعادة المسلمين الى الشريعة الصحيحة ومن ثم قاموا بهدم عدد يصعب إحصاؤه من الأضرحة لاسيما فى إقليم أزواد حيث قاموا بهدم مقبرة سيدي يحيى التي تقع فى المنطقة الشمالية من المدينة بحي أبراز الشعبي أحد أكبر الأحياء في المدينة ويقول أبو البراء أحد رجال أنصار الدين : إنه من المعلوم أن الشريعة السمحاء أمرت بتسوية القبور الزائد حجمها عن القدر الشرعي وهو شبر خشية إتخاذها أصناما تعبد من دون الله !!!!!

لم تقف أفكار هذه الجماعة المتطرفة عند هذا الحد بل إمتدت إلى كل نواحي التقدم والنهضة فى البلاد من فنون وفكر وثقافة بدعوى أن هذا كله حرام وشرك كبير.

كانت الجماعة السلفية في مصر وجناحها السياسي حزب النور قد قامت ببعض التحركات المشابهة فى مصر المحروسة غداة تولي الإسلاميين الحكم فى البلاد بعد فوز مرشح حزب العدالة والحرية  الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي بمقعد الرئاسة  بعد ثورة يناير2011 وقاموا بعدة محاولات لهدم الأضرحة بنفس الحجة الواهية فى القليوبية وفى شمال سيناء، وبدأوا في إصدار الفتاوى بحرمانية زيارة أضرحة الأولياء وحتى آل البيت منهم كضريح سيدنا الإمام الحسين بن علي رضى الله عنه ومقام السيدة زينب عقيلة بني هاشم , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قاموا  برفع قضايا تكفير على نجوم فى عالم السينما العربية مثل الفنان عادل إمام وبالفعل حكم عليه بالسجن لمدة 3 اشهر بتهمة إزدراءه للدين الإسلامى فى أعماله السينمائية … والتشهير بفنانة سينمائية كبيرة لمجرد معارضتها لحكم الإخوان المسلمين لمصر ومنع حفلات جامعية فى صعيد مصر بحجة أن الغناء حرام !!

إنه سيناريو متشابه لدرجة مرعبة مع ما حدث ويحدث فى مدينة تمبكتو بمالي بعد سيطرة السلفيين عليها ..

فهل يمكن أن تسوء الأوضاع فى مصر المحروسة فنجد المبدعين والمفكرين والفناننين وأصحاب الرأي فى المنفى ؟؟ هل يمكن أن يغادروا أراضيهم وأوطانهم وديارهم خوفا من بطش المتطرفين وحرصا منهم على أن يصل صوتهم ولو من بعيد مثل فرقة ترتيت المالية ؟؟

إنه السيناريو الأصعب تقبلا والأقسى تحملا ولكن من يدرى ؟؟؟

مازالت الأسئلة دون إجابات ولو إلى حين .

Tweet