الزّواج عند الشراكسة

01:25 مساءً الأربعاء 26 يونيو 2013
د. إيمان بقاعي

د. إيمان بقاعي

روائية وكاتبة وأكاديمية، لبنان

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يعني الزّواج عند الشّراكسة: “تكوين العائلات وحفظها”[1]؛ لذا يختار الشّراكسة أزواجهم بعيدًا عن ذوي قرباهم وحتى جيرانهم. ويحظر زواج الأنسباء وزواج أصحاب الموانع العضوية مِن فقدان القدرة الجنسية والأمراض التَّناسلية وفقدان العقل والعيوب أو التَّشوهات الولادية، ولا يتساهل في تقييم الصّفات العضوية لأي مرشح أو مرشحة للزَّواج، وعلى الزَّوجين أن يتكافآ مِن جهة النَّسب[2].

 

زواج الخطف

إنها طريقة فروسية للزَّواج جذورها قديمة قدَمَ أبطال النارْتْ الّذين كانوا يبحثون عن فتيات يتزوجوهن في أراض واسعة فوقعت عدة حوادث أدت إلى خطف الفتيات على الخيل بسبب رفض أهلهن تزويج فتياتهم مِن شاب قادم من مكان بعيد.

وما لبث أن وُضع لهذا الزّواج أنظمة وقوانين تحدده قواعد الأدب والشّرف والدّين والأخلاق[3]، فصار زواج الخطف الزّواج الفروسي التَّقليدي الّذي يعتز به الشّراكسة.

ويمكن أن تطلق عليه عبارة (زواج الدّخيلة أو زواج الاستجارة)؛ لأن الفتاة توضع أمانة لدى أحد الوجهاء الّذي يقوم بحمايتها والتوسط حتى يتم عقد القران الشّرعي بموافقة ورضوخ الأهل وهو شرط لازم لإتمام الزّواج.

وكلمة “كواسا” الشّركسية ترجمت خطأ إلى كلمة خطف بالعربية، أما معناها الصَّحيح فهو: التَّسلل بقبول. والقبول مِن الفتاة هو شرط أساس في هذا الزّواج وكذلك في الشّرع الإسلامي[4] فلا زواج بلا قبول العروس وعقد القران حسب الشَّريعة الإسلامية.

إن زواج الخطف الفروسي زواج يفخر به، بينما يبدو الزّواج العادي الّذي لم يبذل فيه العريس عناء وجهدًا زواجًا لا يستحق الذّكر. وما زال زواج الخطف ساريًاًحتى اليوم سواء في الوطن الأم أو حيث حل الشّراكسة ضيوفًا.

برزت عادات وتقاليد الزّواج الشّركسي واضحة وبالتفصيل في الأدب العربي الشركسي، فقد وصف راسم رشدي حفلاً للزواج يقام ليلاً بإضاءة المشاعل وبوجود الفتيات اللواتي يدرن على الحاضرين بأكواب (الباخسمة). كان الكل يشرب ويتضاحك بينما يتغنى الشّعراء ببعض القصائد الحماسية والغرامية وبعضها نظم خصيصًا للمناسبة السعيدة.

و”انتظمت جموع الراقصين والراقصات على أنغام الأكورديون Pshine والكمان ذي الوترين، ومن حولهم الحاضرون يصفقون بأكفهم تصفيقًا توقيعيًّا ويشجعون الراقصين والراقصات بهتافات مختلفة تزيدهم حماسة وإتقانًا إلى أن يستبد بهم التعب فيستأنفه غيرهم وهكذا”[5].

ويقام حفل الزّواج عادة عند أحد أصدقاء العريس. فقد جرت عادة الشّراكسة قديمًا أن تلبس العروس أفخر ثيابها وتضع على رأسها برقعًا من الحرير الأبيض الموشى بالقطع الذَّهبية والفضية، ثم يحضر أحد أصدقاء العريس فيأخذها على حصانه إلى حيث يقام الحفل”[6]. وعند منتصف الليل، وبعد أن تناول الكل عشاء فاخرًا وانتظموا حول المائدة “حسب رتبهم الاجتماعية”، حضر العريس على ظهر جواده ومعه أحد أصدقائه فترجل والتف حوله أصدقاؤه يهنئونه ويداعبونه تارة باليد وأخرى باللسان[7]. ويدعى الزّواج التقليدي عند الشّراكسة بزواج (الخطيفة) الّتي تتم باتفاق وترتيب بين الشاب والفتاة وبمعرفة الأهل لاختصار الإجراءات والتكاليف، أو باتفاق الفتاة والشاب المتحابين اللذين يلقى أحدهما أو كلاهما معارضة من أهله، فتتم الخطيفة باتفاق الفتاة والشاب وحدهما وبقرارهما[8]. وهذا ما كانت الفتاة البطلة في رواية (الخروج من سوسروقة) تعد له مع الشاب الّذي تحب، فزواج الخطيفة أسهل وأسرع كما يقول الشاب العريس شارحَا:

“سوف آتي ذات ليلة نتفق عليها وتكون معي فاطمات ابنة عمي ونعمات وأخوها وزوجة أخي وبعض الأقارب من الشّباب، وسوف تأتين وأنت تحملين معك صرة حوائجك الضرورية، فأردفك خلفي على الحصان وأذهب بك إلى بيت المختار[9] حيث تبقين هناك في حرز أمين إلى أن يتم عقد القران”. وأردف قائلاً: “سوف أرسل بعض الرّجال ليتفقوا مع (الأب) على كل الأمور”. ومن أجل خطيفة مضمونة النتائج، يقول: “لا يوجد في البيت أم ولا أهل على ما يبدو، وهكذا سيكون الأمر أريح لي ولك أليس كذلك؟[10].

وهذه تكون طقوس الخطيفة التقليدية الّتي ينفذها الشّراكسة بفخر واعتزاز. لكن الروائية تورد نوعًا آخر قسريًّا من هذا الزّواج تخضع له بطلة الرواية الّتي يَفشل تخطيط خطيفتها، إذ يقتل العربان خطيبها المنتظر فتخضع لخطيفة قسرية يقوم بها شاب تكرهه وقد قامت مشادة بينهما سابقة قرر على أثرها أن يقوم باختطافها ردًّا على الإهانة الّتي أهانته بها. “وفي هذه الحالة يخوض شباب عائلة الفتاة معارك مع جماعة المختطِف لاستعادة الفتاة”[11]. لكن الفتاة، وبعد أن بقيت مدة شهر في ضيافة المختار في عمان رافضة الموافقة على عقد قرانها، وافق والدها الّذي لم يكن لديه شباب يقاتلون الخاطف، وكان يعرف أن المعركة ستكون غير متكافئة وسوف يخسرها؛ لذا فقد خطفت “كشاة مسكينة”[12] راضية بالمصير الّذي آل إليه الكل وأعطى للحياة نكهة غير ذات جدوى، فكل شيء أصبح سيان: لا ثوابت ولا أمان، فما الفرق بين رجل وآخر؟[13].


[1] _ التدوقا، ع.س، ص7.

[2] _ مت جوناتوقة يوسف عزت، ع.س. ص205. كذلك سولا بينيت، ع.س، ص102.

[3] _ دوغوط، ع.س، و: التدوقا، ع.س، ص7 _ 13، و: ماستروق، ع.س، ص13 _ 39.

[4] _ حغندوقه، ع.س، ص77.

[5] جان، ص12.

[6] جان، ص11.

[7] جان، ص13.

[8] زهرة عمر، ص238.

[9] نفسه، ص239.

[10] نفسه، ص283.

[11] نفسه، ص283.

[12] نفسه، ص284.

[13]نفسه، ص283..

زواج (الخطيفة) الشركسي: [من كتاب: الوطن في أدب الشراكسة العربي والمعرب: د. إيمان بقاعي]

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات