رهان خاسر لجماعة غبية

12:31 صباحًا الثلاثاء 2 يوليو 2013
أمير الغندور

أمير الغندور

كاتب من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الإخوان يراهنون على زيادة الحشد المؤيد لهم .. وعلى إن المهلة ٤٨ ساعة حتعدي من غير ما يخسروا حاجة ..
لكن تجمعهم في رابعة العدوية .. هو في حد ذاته غباء .. لأن الجيش ممكن يلمهم في نص ساعة ويرميهم في السجون تاني .. لو فكروا يعملوا حاجة يراها الجيش مش مناسبة .

.

كمان الجيش ممكن بسهولة برضه يستخدم الايديولوجية الدينية في التنكيل بالإخوان لو رفضوا فكرة “الاحتكام” اللي الجيش بيحاول ينفذها دلوقتي .. على طريقة عمرو بن العاص .. أيام الصراع بين علي ومعاوية ..
فالجيش دلوقتي عنده مسوغ “شرعي” برضه .. بيقوم على توظيف الآية القرأنية: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله … ) .. طبعا دون الإشارة لبقية الآية ..
الجميل هنا .. إن انفتاح القرآن والإسلام على تعدد التأويلات وممكنات التوظيف المختلفة غير القابلة للتفسير الأحادي .. هو في حد ذاته خاصية وسمة داخلية .. ممكن تحد وتمنع وتعطل محاولة الفرق والتيارات والأحزاب الدينية إنها “تحتكر” التفسير “الأوحد” للأيات القرأنية .. والذي حاولت كل الفرق الإسلامية – دون استثناء – فرضه، حينما اتيح لها الصعود للسلطة ..
فالعجيب هنا هو إن هذه السمة القرأنية وهذه الخاصية الإسلامية (تعددية التفسيرات وتعددية المعاني) تجعل من الممكن تماما .. استخدام مصدر قوة التيارات الإسلامية نفسه .. بهدف تقويض قوتها .. بنفس الطريقة التي سبق بها استخدام هذا المصدر الديني نفسه في بناء هذه القوة للفرق الإسلامية ..
وبالتالي ممكن للفرق والتيارات الإسلامية أن تجد نفسها واقعة فيما يشبه “الدائرة السياسية المفرغة” .. التي تتراكم فيها القوة عند طرف سياسي أوحد معين .. نتيجة لقيامه بفرض “تفسير موحد” للدين .. بحيث تستمر قوته في التراكم اعتمادا على هذا التفسير المحتكر ..
لكن ما يلبث حتى يأتي طرف أخر .. يكسر هذا “التفسير الموحد” .. ويقدم “تفسير بديل” للدين .. نتيجة لخاصية “تعددية” التفسيرات .. التي أغفلها الطرف الأول تماما .. وكان يظنها مستحيلة بل وكافرة .. نظرا لكونه ينتهج منهج متعصب وغير عقلاني ..
ومن ثم .. فإنه عندما يتمكن الطرف الجديد من “كسر” التفسير الموحد المحتكر .. وفك شفرته .. وتقديم شفرة فهم بديلة له .. فإنه أيضا وللأسف .. يسعى إلى أن “يفرض” تفسيره “الموحد” على الجميع .. ويمنع بقية التفسيرات التي تبناها خصمه السابق .. ويعتبرها من الكفر بدوره .. وبدوره يستمر في الصعود .. حتى يأتي طرف جديد يوظف الآيات القرأنية والموضوعات الدينية في الصراع .. بهدف كسر التفسير الموحد الاحتكاري الذي بناء عليه وانظلاقا منه اكتسب الطرف الموجود في السلطة سلطته ..
وهكذا يظل التاريخ الإسلامي يعيد نفسه صعودا وسقوطا .. .
وتظل مشكلة كل الأطراف والفرق الإسلامية هي: فرض تفسير “موحد”واحتكاري  للدين .. والتعامي عن تعددية التفسيرات المختلفة والتي يتم وصمها بالكفر والمروق .. وهو ما يؤشر على رغبة عارمة لدى الفرق الإسلامية على “احتكار” المجال والمعنى .. ولكنه في نفس الوقت يترك “ثغرة” واسعة لإنهيار الفرق التي تحتكر التفسير الأحادي ..
كذلك تؤدي عملية فرض التفسير الأحادي الاحتكاري إلى اعتبار المخالف والمختلف مجرد كافر أو فاسق .. لا ينبغي الالتفاف له ..
وبهذا يفقد المختلف والمخالف مواطنته ضرورة .. ويصبح المختلف ليس ندا .. له حقوق مساوية كما لمحتكري التفسير الموحد .. بل يصبح مجرد ساقط في اختبار “التمايز الديني” وفق معايير التقوى والإيمان التي أصبحت بدورها داخلة في إطار “احتكار” الجماعة والفرقة الناجية ..
وبالتالي يصبح المطلوب استراتيجيا في عقلية الفرقة الناجية .. هو .. ليس الوصول إلى توافق مع (معارضين) كفار وفساق .. كما في النظام الديمقراطي التعددي ..
بل يصبح المطلوب هو تطهير المجتمع من الكفر والفسق .. من خلال السحق والمحق والجهاد والإرهاب ..
وبذلك يصبح الصراع مع المختلفين في الدولة الدينية هو صراع من النمط “الصفري” .. بحيث لابد لطرف “الحق” أن ينتصر نصرا كاسحا على طرف “الباطل” .. وفق “تفسير” محدد وموحد وأحادي للدين ..
لكن التاريخ الحديث والمعاصر لم يعد يسير وفق خطة سحق ومحق المختلف .. ولا وفق الهيمنة التامة للمنتصر .. كما كان من أمر التاريخ الوسطوي والقديم ..
بل ربما أصبح التاريخ الحديث والمعاصر .. يسير .. إما وفق جدلية “التركيب بين النقيضين” (هيجل) .. أو وفق جينالوجية “العود الأبدي” للمهزوم المهمش المكبوت في اللاوعي ليمارس الإنتقام من المنتصر (نيتشه وفرويد وفوكو) ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات