قوى الإسلام السّياسي في دول الرّبيع العربي: تقويض مدنيّة الدّولة لمصلحة سايكس بيكو الجديدة

07:19 صباحًا الثلاثاء 20 نوفمبر 2012
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تصريح خطير للسّفيرة الأمريكيّة بالقاهرة  آن باترسون، أثار المخاوف في العالم العربي و ما حوله و ربّما في العالم بأسره اللهمّ إلاّ صنّاع القرار و أصحاب الخطّة التّي نشهد تنفيذها الآن .., كان فحوى تصريح السّفيرة الأمريكيّة ” أنّ الإدارة الأمريكيّة ساعدت في تمكين الإخوان المسلمين من السّلطة في مصر بعد أن أعطوا تلك الإدارة الضّمانات الكافية “؟! و لا أحد يعرف على وجه التّحديد إن كان ذلك التّصريح من أجل أن تقول أمريكا بشكل واضح للجميع أنّها تدعم التّنظيم العالمي للإخوان المسلمين و أنّ هذا التّنظيم يلعب لحسابها الآن , أم أنّ ذلك التّصريح كان من أجل تذكير و تهديد جماعة الإخوان المسلمين أنّ أمريكا هي صاحبة الفضل عليهم , و أنّ عليهم الإلتزام بقواعد اللّعبة التّي اتّفقوا عليها و إلاّ فإنّ من جاء بهم يستطيع الإطاحة بهم أسرع ممّا يتصوّروا حيث أنّهم بدءوا في تصديق أنفسهم و التصرّف على أنّهم جاءوا بإرادة شعبيّة طاغية وأغلبيّة ساحقة فيما أنّ حقيقة الأمر أنّهم حقّقوا أغلبيّة غير مريحة لأسباب موضوعيّة لا يتّسع المجال لذكرها و من ثمّ فقد بدأ وجه الإخوان المسلمين القمعي و الإقصائي في الظّهور سريعا حتّى لا يكون من السّهل الإطاحة بهم في أقرب انتخابات , و بدأ ذلك واضحا في مصر من خلال إجراءات مشبوهة أهمّها قمع حريّة الإعلام بوسائل متعدّدة و ملتوية , علاوة على تدخّلهم السّافر و محاولة السّيطرة على الثّقافة و إقصاء الفنون اللهمّ إلاّ ما يتمشّى مع رؤاهم الضيّقة .

ـ على صعيد آخر بدأوا مع حلفائهم السّلفيين في وضع دستور مخلّ يقوّض مدنيّة الدّولة ويقضي على مبدأ الفصل بين السّلطات التّي صاحبت صعود هذا التيّار الدّيني السّياسي والتّي شهدت محاولات تغوّل واضحة على حريّة القضاء و استقلاليّته ..,و كان الردّ العملي أسرع ممّا تتصوّر جماعات الإسلام السّياسي و توالى انسحاب الأفراد و الجماعات و الأحزاب من اللّجنة التّأسيسيّة لوضع الدّستور و كان من أهمّ هؤلاء المنسحبين الكنيسة المصريّة و تردّد أنّ القوّات المسلّحة حذت حذو الآخرين , لكنّ غلاة تيّار الإسلام السّياسي استمرّوا في

.صلفهم و لم يرتدعوا و أظنّ أنّ ذلك ما أثار قلق الولايات المتّحدة.

ـ تقويض مدنيّة الدّولة :

يخطئ من يظنّ أنّ الإدارة الأمريكيّة قامت بدعم الإخوان المسلمين في مصر فقط .., فقد ساعدوا على صعودهم في كافّة بلدان ما يسمّى بالرّبيع العربي في إطار التّعامل مباشرة مع أهمّ نسق لهذه الجماعة و هو قيادات تنظيمها الدّولي التّي لم تكن بعيدة عن لعب دور هام فيما يمكن أن يطلق عليه ” اتّفاقيّة سايكس بيكو” جديدة تساهم في صنعها حروب طائفيّة و ربّما عرقيّة للإخوان المسلمين الدّور الأساسي فيها , لكنّ الإنتهازيّة السّياسيّة التّي عرفت عن جماعات الإسلام السّياسي عموما و خاصّة جماعة الإخوان المسلمين جعلتهم يتسرّعون في التّكشير عن أنيابهم لتقويض مدنيّة الدّولة ممثّلا في خلخلة مؤسّساتها و مبدأ الفصل بين السّلطات بحجّة إقامة شرع الله في الأرض , فضلا عن الهجوم الدّائم على مبدأ الدّيمقراطيّة بعد أن وصلت بهم إلى سدّة الحكم باعتبارها كفر بواح و مخالفة لشرع الله , و ربّما كان ذلك الأمر يرجع لضغوط قويّة من حلفاءهم من الجماعات السّلفيّة و الجهاديّة فيها على وجه الخصوص و التّي عادت بأمان من كهوف أفغانستان بكلّ أطروحاتها القروسطيّة .. أو خرجت من غياهب السّجون بفضل العفو التّشريعي العام .. الذّي منح لهم في تونس و مصر على حدّ سواء حتّى باتوا قوّة تخيف المجتمع المدني في تلك البلدان التّي عرفت قدرا من العلم و الحداثة صاحبت مراحل الكفاح قبل الإستقلال و بعده رغم وجود الأنظمة الديكتاتوريّة التّي كانت تحكم و ثارت شعوب المنطقة عليها .., فقد كانت الميزة الوحيدة لهذه الأنظمة أنّها لم تدّعي القداسة أو تحكم بإسم الله و أنّ ما عداها كفّار كما تفعل تيّارات الإسلام السّياسي .

ـ من يراقب الوضع في تونس و مصر سيكتشف بسهولة أنّ ما يحدث هنا .. يحدث مثله هناك إلى حدّ التّطابق في المستوى العام مع اختلافات على المستوى الخاص يتوافق مع خصوصيّة كلّ بلد ,إلاّ أنّ استهداف الإعلام و القضاء كان قاسما مشتركا أعظم في الحالتين مع إقرارنا بوجود فساد في المؤسّستين في تونس و مصر .. اتّخذته تيّارات الإسلام السّياسي في تونس و مصر تكئة لتقويض تلك المؤسّسات من أجل السّيطرة على مفاصل الدّولة كخطوة أولى لضرب مدنيّة الدّولة تمهيدا لإنشاء دول دينيّة واهمين الشّعوب بأحلام الخلافة و الإمبراطوريّة الإسلاميّة التّي ستمنحهم جنّة أرضيّة موعودة ..و ربّما اكتوت الإدارة الأمريكيّة في المستقبل القريب أو حتّى البعيد نسبيّا بنار جماعات الإسلام السّياسي التّي تدعمها و التّي كان ديدنها الإرهاب على مرّ العصور .., استخدمتهم الولايات المتّحدة لتقويض الإتّحاد السّوفياتي كما استخدمت بريطانيا من قبل الوهّابيين الذّين ورثتهم الولايات المتّحدة , و لكنّهم أضرّوا بها و بسمعتها .., و اليوم تعود الإدارة الأمريكيّة للعبتها المفضّلة ربّما لصالح شريكها الإستراتيجي ” الدّولة الصّهيونيّة” التّي تتوق لإعلان ما يسمّى ب”إسرائيل الكبرى” و التّي بدأ تنفيذها بمجرّد صعود الإخوان في مصر إلى هرم السّلطة لتتحوّل سيناء الشّماليّة إلى بؤرة للإرهاب تسيطر عليها جماعات تكفيريّة إرهابيّة .., تزامنا مع منح الجنسيّة المصريّة لعدد يتراوح بين ثلاثة عشر ألفا إلى خمسين ألف فلسطيني و السّماح لهم بتملّك أراضي في سيناء الشّماليّة و لو بعقود عرفيّة .., و هو بالمناسبة ما يخالف قرار الجامعة العربيّة منعا لتصفية قضيّة فلسطين و القضاء على حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين , ثمّ يأتي بالتّوازي مع ذلك استفزاز تنظيم حماس الإخواني للكيان الصّهيوني الذّي يردّ بعدوان شرس يتحمّل تبعاته سكّان غزّة بينما تختفي قيادات حماس السّياسيّة في سيناء تاركة المسرح لقادتها العسكريين و يلقى أحدهم مصرعه فتتصاعد الأزمة و يشتدّ العدوان و تفتح السّلطة في مصر ذراعيها أكثر لغزّة فيما تترك ما يقرب من ستّين طفلا مصريّا يلقون مصرعهم في حادث تصادم قطار بأوتوبيس مدرستهم فيما يعاني الباقي من نقص الدّواء و أطنان منه تتدفّق على غزّة و هو أمر ظاهره الرّحمة و باطنه العذاب .., ظاهره فلسطين و باطنه غزّة .., ظاهره سكّان غزّة و باطنه حماس , ظاهره فلسطين و باطنه إعلان إسرائيل الكبرى .., في ظلّ نظام ظنّ المصريّون أنّه سيصلح ما أفسدته الديكتاتوريّة فاتّضح أنّ له أجندة خارجيّة مرتبطة بتنظيمات مماثلة و تنظيما دوليّا للإخوان متفاهما مع الإدارة الأمريكيّة التّي أوصلته لسدّة الحكم في كافّة بلدان الرّبيع العربي مقابل قبوله بمعاهدة سايكس بيكو جديدة يكون لما يسمّى “بإسرائيل الكبرى ” فيها مكان , و هي لن تنسى لمقاولي السّياسة و البناء صنيعهم و ستمنحهم مقاولات إعمار غزّة و غيرها تكريسا لمبدأ الرّأسماليّة أكثر الأمور التّي يتّفقون فيها على المدى الطّويل مثلما اتّفق الجميع مع الإدارة الأمريكيّة التّي نجحت في تحويل ربيع العرب إلى طاعون أسود يقضي عليهم متناسية أنّ هناك عدالة في السّماء قد تجعل السّحر ينقلب على السّاحر الذّي تبنّى أسوأ الجماعات الإرهابيّة الفاشستية في التّاريخ الإنساني .
المؤكّد أنّ هذه ليست نهاية المطاف و تحالف الإدارة الأمريكيّة مع هذه الجماعات مرهون بتحقيق مصالح قريبة ثمّ ينقلب كلّ منهما على الآخر , و في المستقبل غير البعيد ستتّخذهم الدّولة الصّهيونيّة ذريعة لتحقّق كافّة مصالحها , ومع ذلك لم يضع أيّ من هذه الكيانات التّي تحدّثنا عنها سلفا في حساباته الثّمن الفادح الذّي سيدفعه الأبرياء و ستدفعه كامل الإنسانيّة خلال سعيهم نحو أهدافهم الشّيطانيّة .., لماذا لا ينقلب السّحر على السّاحر وحده و يطال الأبرياء ؟
أعتقد أنّه سؤال قد يسأله الشّعب الأمريكي لحكومته يوما ما لأنّه سيصيبهم على سؤال طرحوه من قبل .. لماذا يكرهوننا ؟.., كرههم المتطرّفون .. فلماذا يسعون نحو أن يكرههم لعالم بأسره .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات