العودة إلى.. القاهرة

09:48 صباحًا الثلاثاء 20 نوفمبر 2012
محمد سيف الرحبي

محمد سيف الرحبي

كاتب وصحفي من سلطنة عُمان، يكتب القصة والرواية، له مقال يومي في جريدة الشبيبة العمانية بعنوان (تشاؤل*، مسئول شئون دول مجلس التعاون في (آسيا إن) العربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تأخر موعدي مع القاهرة هذه المرة نحو عام ونصف العام، وفي عرف علاقتي مع هذه العاصمة فإن المدة طويلة، إدمانها مسألة نفسية ليس من اليسير القبول بها، ولا الاستمرار في الانقطاع عنها.

للمرة الخامسة والعشرين أسير إليها، وهي المدينة الوحيدة في العالم التي لا أشعر أنني أسافر إليها، كونني لا أغادرها، منذ أن استوطنت نفسي مع كل دواوين الشعر التي قرأتها لشعرائها، والروايات التي بدأت رحلتي معها منذ أن كنت صغيرا، والحكايات المصرية على المسلسلات والأفلام.

أبحث في القاهرة عن المختلف في كل مرة، خاصة بعد أوجاع الربيع العربي وآلام التغيير، مع أن أكثر ما يحببني فيها هو حرصها على أن تكون هي ذاتها العصية على التبدل، أمكنتها الصامدة منذ عشرات السنين، المشاهد المجتزئة من الأفلام العربية القديمة لا زالت حية، واقفة على النيل أو تتجول في شوارع وسط البلد، أو تجلس على مقاهي المدينة تدخن الشيشة وتشرب الشاي الأحمر بلذة متوائمة مع أغنيات أم كلثوم وصيحات الجرسونات وضحكات لا تنتهي في الأفواه، رغم أنف مكدرات الحياة، وما أكثرها.

منذ الخروج من المطار والقاهرة تسكب صخبها وملامحها، فلا يملك الزائر إلا الإصغاء لهاذ الضجيج الجميل، لأن هذه المدينة تتجمل بما يراه البعض رافعا للضغط، فيما يتلقاه عشاقها بعين الرضا، وترى في عيوبها حسنات، حيث تنظر للنيل المتدفق ضوءا في ليل المكان دون أن تشغل روحها بالمخلفات المتراكمة تحت الماء، وعلى الضفاف.

اللقاء الشتوي عادة يكون أجمل، يتناقص الزحام قليلا، ولن يجد المرء درجة الحرارة التي يهرب منها وهي تشعل حتى الحجر في منطقة الخليج..

لكنني وجدت القاهرة وقد ازدادت زحاما، والناس بين متفائل بأن الأوضاع أفضل، وآخر متشائم من أنه الأمور من سيء إلى أسوأ، والمخاوف من الانفلات الأمني الذي أصبح مقلقا ويمارس في الشوارع، حتى والعالم بدأ يستعيد ثقته في مصر ما بعد الثورة، عائدا إليها سياحة وتعليما وأسلوب حياة يجد فيه الكثيرون متعة للحياة.

أعادتني جمعية الكتاب إلى المدينة التي أحبها، أعطتني سببا لألتقيها بعد طول غياب، قد لا تحتاج المدن لأسباب ليعود إليها مدمنوها، لكن عواصم أخرى خطفت مني الأوقات المتاحة للارتحال، وتتمنع المدن عن محبيها لتزيد اشتياقهم إليها، خير الحب ما خالطه بعد.

النيل يجري بمحبة طاغية، والليل يلقي إليها بملايين النجوم من الأضواء المشتعلة، قد تحزن المدينة لكنها لن تمضي في البكاء لأنها مدينة البهجة والمرح، ولن تستجيب لرؤية حزب أو رغبة أشخاص، حتى أنهم يريدونها تنام مبكرا بإجبار المحلات التجارية على إغلاق أبوابها قبل منتصف الليل، فيما اعتادت على السهر حتى مطلع الفجر.

وكلما قال أحدهم أن القاهرة أتعبته ويريد السفر عنها سريعا راهنته على أنه سيحن إليها بعد أن ينسى قشر متاعبها، ويحسها صافية كما لاقت روحه، وسيفكر بالعودة مرة أخرى ليراها، ويكتب قصة علاقة جديدة بين إنسان ومدينة، تختلف حتما عن كل المدن، حيث لا تشبه القاهرة إلا نفسها.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات