الهايكو: التراث الياباني والحداثة العربية!

08:39 صباحًا الأربعاء 21 نوفمبر 2012
حنين عمر

حنين عمر

طبيبة وشاعرة من الجزائر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

قد يكون شعر الهايكو – بعد الرواية طبعا – أكثر الأجناس الأدبية المعروفة عربيا من ثقافات و آداب شرق آسيا ، ولعله النافذة المتسعة الوحيدة التي يمكن للمتلقي العربي أن يطلع عبرها على المشهد الشعري الياباني بشكل خاص ، باعتباره البيئة الأصلية التي أنتجت هذا النوع من الكتابة ، و الذي انتقل من المحلية إلى العالمية في أواخر القرن العشرين ، ليصبح “موضة” رغم ارتباطه الوثيق بالتراث الياباني وظهور موجات حداثية في اليابان تحاول التنصل من تراثها.

وقد لا يعرف كثيرون هذا – أي أن الهايكو من التراث – كما قد لا يعرفون أن الشاعر ماتسو باشو 1644-1694  ، هو الأب الروحي الأول لشعر الهايكو ، من خلال إرث يجمع  ألفي نص قصير من هذا النوع ، ويعتبر حصيلة تجربته الثرية التي مزجت العاطفي بالغامض والطبيعة بالتأمل. وقد كان إصدار أول دواوينه عام 1672 بداية ظهور و إرساء مبادئ هذا الفن .

و تابع ماتسو – واسمه الاصلي كينساكو ماتسو-  ما بدأه بعد ذلك من خلال إنشاء مدرسة الهايكو الأولى عام 1780 والتي سميّت “صومعة شجرة الموز”. وتعود تسميتها إلى وجود شجرة موز أمام بابها ، كان زرعها الشاعر بعد أن أهداه أحد تلاميذه فسيلتها مما جعلها تتحول إلى رمز للمدرسة.

غيّر أن الجدير بالذكر هو أن كلمة “هايكو” ، لم تظهر آنذاك، فهي مصطلح أطلقه الشاعر والناقد  ماساوكا شيكي 1867-1902 على هذا الفن، والذي يعتبر إلى جانب باتسو من أباء الهايكو الروحيين ، فقد نشر شيكي دراسة نقدية معمقة لشعر باتسو عام 1893 واستخلص من خلالها القواعد النهائية لشعر الهايكو، والتي من أهمها أن يكون مستلهما من “الطبيعة” و أن ترد هذه الثيمة في موضوعه وفي طيات نصه.

وبالمختصر ، فإن الهايكو غزا المشهد وبرز فيه شعراء كثر أسسوا تجاربهم الهامة. ثم انتمى بعد ذلك إلى التراث الأدبي الياباني وبقي حبيس بيئته حتى انتشرت ترجمته في النصف الثاني من القرن الماضي، وكانت أول ترجمة للهايكو من اليابانية إلى العربية عام 1985 حسب ما يتردد في الساحة الثقافية. ونشرت في العدد الأول من مجلة الآداب الأجنبية آنذاك.

ويبدو أن الساحة الشعرية العربية كانت مهيأة وقتها لاستقباله فقد كانت تعيش على وقع طبول الحداثة والبحث عن أشكال جديدة مختلفة و بعيدة عن البحور والأوزان الخليلية ، مما جعل كثيرين يجربون هذا الفن على طريقتهم طبعا وبدون أي دراسة لقواعده الأصلية التي تشترط في أساسه أن يكون “موزونا” ، فالهايكو يتألف من 17 “مورا” صوتية تنقسم الى 3 أسطر بطريقة ” 5-7-5″، وهذا ما لم ينتبه إليه مقلدو الهايكو العرب لأن تجاربهم بنيت أصلا على أسس الترجمات النثرية العربية له مثلما بنيت معظم تجارب قصيدة النثر.

وقد يشكل الهايكو بهذا و إنطلاقا من هذه النقطة الأخيرة ، موضوع تأمل هام في مسار “الحداثة الشعرية العربية” وتحولاتها باعتباره تراثا يابانيا في الأصل تحوّل – بقدرة قادر-  حين تم تبنيه عربيا، إلى جزء من المشهد الحداثي المناهض لكل ما هو تقليدي وتراثي ، كيف ذلك ؟ …لا أحد يعلم ؟!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات