ماذا تفعل إذا اضطررت للعيش 18 عاما في الترانزيت؟

06:10 مساءً الخميس 3 أكتوبر 2013
أحمد محمد حسن

أحمد محمد حسن

كاتب ومخرج بالتليفزيون المصري، القاهرة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كلمة ترانزيت تعني هبوط مؤقت بالنسبة للطائرات ، وتعني أيضا أنها ليست الوجهة النهائية للمسافر حال تغيير الرحلات للإستمرار في السفر إلى دولة أخرى .ولكن ماذا يحدث للمسافر الذي لا يتمكن من مغادرة الترانزيت لأي سبب من الأسباب وتستمر معيشته في الترانزيت لمدة لا يعرف نهايتها ؟؟

عندما علق موظف الإستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن في منطقة الترانزيت في مطار “شيريميتينجون” الدولي في موسكو ، أعاد إلى أذهان الجميع فيلم (ذا ترمينال) الذي أنتج عام 2004 للمخرج العالمي ستيفن سبيلبرج والممثل الأمريكي توم هانكس ، والفيلم يتحدث عن فيكتور نافورسكي (توم هانكس) الذي يصل على متن إحدى الرحلات الجوية إلى مطار جون إف كينيدي الدولي بنيويورك ليجد أن جواز سفره لم يعد صالحا فجأة بسبب إندلاع حرب أهلية في وطنه ، ونتيجة لذلك ، فإن الولايات المتحدة لم تعد تعترف بكراكوزيا (وطن فيكتور) كدولة ذات سيادة وبالتالي لا يسمحون لفيكتور بالدخول إلى الولايات المتحدة مما يضطره للبقاء في المطار لعدم وجود خيار آخر ، فيستقر هناك مع أمتعته ونعرف من خلال أحداث الفيلم أنه أتى إلى الولايات المتحدة للحصول على توقيع أحد عازفي الساكسفون لتحقيق حلم والده…وبعد عدة أشهر يقضيها فيكتور في منطقة الترانزيت بالمطار يستيقظ في أحد الأيام على خبر إنتهاء الحرب في بلده ويستطيع الدخول إلى الولايات المتحدة لمدة يوم واحد للحصول على توقيع عازف الساكسفون ويحصل بالفعل على التوقيع ثم يقفل عائدا بسيارة أجرة ونراه يقول للسائق أنه عائد للمنزل ، لكننا لا نعلم هل عاد للمطار أم لبلده !!

وقد إسترعى إنتباهي في الصحف والمجلات في الفترة الماضية موضوع حدث في كازاخستان حيث أمضى “محمد البخيش” وهو لاجئ فلسطيني شاب يبلغ من العمر 26 عاما حوالي 4 شهور في منطقة الترانزيت بمطار كازاخستان ويدعى مطار ألماتا الدولي وهو مطار صغير لا يحوي الكثير مما قد يساعد على ترفيه من يضطرون للإقامة فيه .

وبالنسبة لمحمد البخيش فقد كان إضطراره للبقاء في المطار يعد مشكلة كبيرة بالنسبة له ، فهو لم يكن مسموحا له بالدخول إلى منطقة الأسواق الحرة أو الجلوس في أحد مقاهي المطار التي تقدم خدماتها بأسعار مبالغ فيها .

ويجري احتجاز محمد وهو اللاجئ الفلسطيني من مواليد العراق في المنطقة الترانزيت التي ينتظر فيها المسافرون والعاملون بالمطار ولكنه لا ينتمي لأي من الفئتين .

ولا يستطيع محمد دخول كازاخستان لأنه لا يحمل تأشيرة سفر للبلاد كما أنه لا يحمل أي تأشيرة سفر لأي دولة أخرى .

وفي رد على سؤال حول وضع محمد ، أجابت السفارة الفلسطينية في كازاخستان برسالة خطية جاء فيها : “محمد البخيش” ولد في العراق وهو لاجئ فلسطيني..لا يملك محمد جواز سفر فلسطينيا ولذا إسرائيل لا تسمح له بالعودة إلى فلسطين والكل يعرف أن هناك حوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني في مختلف أنحاء العالم وإسرائيل لا تبدو راغبة في معالجة هذه المسألة .

كما أن الأمم المتحدة ترى أنه ومع عدم وجود أقرباء له في العراق ، فلن يكون من الأمان عليه أن يعود إلى مسقط رأسه .

وقصة محمد بدأت عندما غادر إلى دبي منذ خمس سنوات حيث عمل مصمما وتعرف هناك على “أوليسيا جريشينكو” من كازاخستان وقرر محمد وأوليسيا الزواج بعد قصة حب .

وقد حضر محمد لأول مرة إلى كازاخستان في سبتمبر/ أيلول عام 2012 إلا أن الخطأ الأساسي كان عندما غادر كازاخستان لتجديد تأشيرة الدخول وبدلا من التوجه إلى دبي كما كان يفعل دائما ذهب إلى تركيا حيث تبين أنه بحاجة إلى تأشيرة دخول وبالتالي تم ترحيله إلى كازاخستان مباشرة وتكررت هذه الحالة أربع مرات إلى أن قررت كازاخستان وضعه في منطقة الترانزيت التي لا تعتبر أرضا كازاخية .

وفي يونيو/ حزيران الماضي رفضت هيئة الهجرة الكازاخية منح محمد صفة اللاجئ من منطلق أنه لا يقع تحت هذه الفئة نظرا لعدم تعرضه للخطر في البلاد التي حضر منها .

ولكن مهما كانت قصص العالقين في الترانزيت متنوعة فإن قصة مهران كريمي ناصري لم يسبق لها مثيل حيث أنه أغرب من الخيال أن يمكث أحد في المطار لمدة 18 عاما !!!

مهران كريمي ناصري

مهران كريمي ناصري لاجئ إيراني من مواليد عام 1942 واشتهر بإسم (سير الفريد مهران) ويطلق عليه بعض الناس أيضا (الرجل الذي فقد ماضيه) .

عاش مهران في الصالة رقم واحد في مطار شارل ديجول الدولي الفرنسي من تاريخ 8 أغسطس/ آب عام 1988 وحتى شهر أغسطس عام 2006

ولد مهران في مدينة مسجد سليمان بإيران وسافر عام 1973إلى المملكة المتحدة لينضم إلى جامعة برادفورد وأثناء إقامته هناك شارك في مظاهرة ضد شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1974

اضطر مهران بسبب ضائقة مالية إلى العودة إلى إيران عام 1975 وعند وصوله إلى مطار طهران تم القبض عليه من الشرطة السرية الإيرانية وسجن وعذب لمدة 4 شهور نفي بعدها إلى خارج الوطن .

وعند عودة مهران إلى أوربا تقدم بطلب لجوء إلى المانيا الغربية وهولندا عام 1977 ولكن جاءه الرفض من البلدين وتقدم بطلبات لجوء إلى إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة وتم رفض طلباته في كل مرة ، وقد عاود المحاولة لدخول المانيا الغربية ولكنه طرد أيضا إلى الحدود البلجيكية حينها سمحت له السلطات البلجيكية بالدخول إلى أراضيها وتم منحه حق اللجوء إلى بلجيكا وعاش فيها حتى عام 1986 عندما قرر أن يعيش في المملكة المتحدة .

وقد ذكر مهران على حد قوله أنه تمت سرقة حقيبته اليدوية والتي  كانت تحتوي على كل الأوراق الثبوتية عندما كان في محطة القطارات في باريس متوجها إلى مطار شارل ديجول الدولي وتمكن فعلا من الصعود إلى الطائرة متوجها إلى المملكة المتحدة ولكن عند وصوله مطار هيثرو بدون الأوراق الثبوتية قرر مسئولوا المطار إرجاعه إلى مطار شارل ديجول الدولي مرة أخرى !! وعند وصوله لم يتمكن من إثبات هويته فنقل إلى منطقة الإنتظار حيث يتم البت في شئون الركاب الذين لا يملكون الأوراق الثبوتية المطلوبة .

وكان ذلك الإنتظار اللا منتهي حيث مكث في المطار لمدة 18 سنة .

وعلى مدى السنين تأقلم مهران على حياة المطار وكان يقرأ الكتب ويكتب مذكراته اليومية ومع مرور الزمن نسي أو تناسى مهران هويته وأصبح يدعى سير الفريد .

وقد تم نقل مهران عام 2006 إلى المستشفى بعد تدهور حالته الصحية ، ووضع بعد ذلك في مركز إيموس للتشرد  في باريس .

وهناك ملاحظة في قصة مهران وهي لماذا فكر مهران في ترك بلجيكا بعد حصوله على حق اللجوء إليها ليفكر أن يعيش في المملكة المتحدة ؟ خصوصا بعد رفض المملكة المتحدة طلب لجوءه قبل   ذلك ؟!

سير الفريد مهران دخل الترانزيت وعمره 46 عاما وغادره وعمره 64 عاما…يالها من سنوات طويلة .

هل يوجد أكثر غرابة وإثارة من كون أن يترك إنسان ما ليعيش ملل الإنتظار 18 عاما ؟

الإنتظار 18 ساعة لا يطاق ، فما بالكم بكل تلك السنين ؟!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات