جائزة جونكور 2012: موعظة سقوط روما

12:32 مساءً الأربعاء 21 نوفمبر 2012
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الروائي الفرنسي المغمور الفائز بجائزة جونكور: جيروم فيرارى

ما أجمل أن يفوز كاتب مجهول بواحدة من كبريات الجوائز الأدبية العالمية.. عن روايته الجديدة “موعظة حول سقوط روما”، وذلك بعد فترة طويلة من الاختراعات حول من يستحق الحصول على الجائزة، وبعد أن تصدرت رواية “طاعون وكوليرا” للكاتب باتريك دوفيل الترشيحات لعدة أيام.

لم ينقذ الكاتب الفرنسى غير المعروف جيروم فيرارى من عدم الفوز سوى حصول رواية مارتن على جائزة فيمينا قبل يومين من اعلان جائزة جونكور، فحسب قوانين الجوائز الأدبية الأوربية، فإنه مسموح لرواية ما أن تفوز فقط بجائزة واحدة من الجوائز الأدبية التى تمنح فى نهاية العام إلى أهم الروايات التى صدرت طوال السنة، خاصة فى الفترة بين نوفمبر 2011، وحتى سبتمبر 2012.

جونكور الجائزة التى أثارت الكثير من الجدل، لأكثر من مائة أعوام وعشر، فاز بها من الكتاب المعروفين كل من أندريه مالرو وهنرى ترويا، ورومان جارى، ومرجريت دوراس، كما فاز بها أدباء كانوا مغمورين واشتهروا لفترة تسمى بالشهاب، أى طوال عام الفوز، قبل أن يعودوا من جديد إلى دائرة الظل، ومن هذه الأسماء لوران جوديه.

الأخبار التى تتبعها القراء، ظلت توحى حتى اللحظة الأخيرة لفوز دانييل مارتن بجائزة فيمينا، ان هذا الاخير هو الذى سوف ينال كعكة جونكور هذا العام، بما لها من أهمية، ومكانة وشهرة، وفى اللحظات الاولى من فوز فيرارى بالجائزة، بدت المعلومات عنه ضئيلة للغاية فى شبكات المعلومات الا أنها بدأت تتدفق خلال ساعات، حول الكاتب، والرواية، بما يعنى أن الجائزة بالفعل ذهبت إلى ناشر معروف هو “أكتاسيد” الذى يقدم فى العادة روايات تجريبية، والى المؤلف جيروم فيرارى، وهو ينتمى إلى الثقافة الكورسيكية، باعتبار أن كورسيكا التى ولد وتربى فيها، هى جزيرة ايطالية اشتراها الفرنسيون منذ عدة قرون، كما أن المؤلف كان فى تلك اللحظات يمارس عمله فى أبو ظبى يعيش حياة الحرية التى تمتع بها فى طفولته، أما ليبرو فأبوه راعى غنم فى الجزيرة وهو شخص توقف عن الحلم، فقد تعلم من دراسة الفلسفة أنه من الصعب العثور على التاريخ الحقيقى سواء فى الواقع أو صفحات الكتب، وكان عند نزوله قريته عائداً إليها أقرب إلى رجل مثالى خاب فى العثور على ما ابتغاه.

طالبان درسا الفلسفة القديمة، والحديثة، هل يجدان نفسيهما فى هذا المجتمع الريفى، حيث تبدو القرية كأنها تحتضر، ويفكر الاثنان فى إعادة احياء البار، وعمل جو ابتهاجى ملىء بالصخب والحركة، يأتى إليه الزبائن للاحتفال، لذا، فالبار فى حاجة إلى فرقة غنائية، وعازفين، وإلى عمال، وهنا تبرز شخصيات جديدة، مثل أورلى “شقيقة ماتيو” التى تبدو غاضبة لهذا الانقلاب الفكرى الذى أصاب أخاها، إنها فتاة بالغة النقاء، تحفظ ودها لجدها الأكبر مارسيل، الذى قام بتأريخ القرن العشرين فى أربعة فصول، هذا الجد مولود عام 1918، أى بعد انتهاء الحرب العظمى مباشرة، وقد تم تجنيده مع بداية الحرب العالمية الثانية، حيث عمل فى الادارة الاستعمارية محاولا الهروب داخل الجزيرة، لقد حاول دائما أأن يجدد أفكاره ومشاعره، مثلما يحدث لأشجار النخيل التى تطرح ثمارها كل عام.

هؤلاء هم الشخصيات الأربع الرئيسية فى رواية “موعظة حول سقوط روما”، ومن حول هذه الشخصيات تحوم أسماء عديدة تلعب دوراً سنوياً، سواء فى الحاضر أو الماضى، فالحياة فى منظور اميلى هى مكان يستولى عليه أحد الأشخاص لفترة من الزمن قبل أن يتركه لغيره، خياراً أو جبراً، ونحن أمام راوية يدخل إلى وعى الناس مستخدماً حواراً غير مباشر يتسرب من إنسان إلى آخر، حيث يبدو كل منهم كأنه يحاول الهروب، إلى حاضر كثيف، ثقيل للغاية.

تقول استريد دورلارمينا ناقدة مجلة “لوفيجارو” ان هذه الرواية الكورسيكية تشبه المأساة الاغريقية، مليئة بمشاهد من الطبيعة، الأصلية الفردوسية، تطرح العديد من التساؤلات البديهية حيث يحاول الراوية العثور على اجابات لعشرات الاسئلة المطروحة، بشكل ميتافيزيقى “فى غليان النهر نسمع صوت الأمواج الخفية التى تتسرب فتصل إلى أعالى الجبال وتمزقها مثلما يحدث فى السهول العميقة”.

لقد حاول المؤلف أن يستجمع الحاضر مع التاريخ، ليس فقط القرن العشرين، بل هو كمدرس للغة الفرنسية فى الجامعة الفرنسية الخاصة بدولة الإمارات، وصار عليه أن يسرع بالسفر إلى باريس لقطف ثمار فوزه المفاجىء. حيث أن الاتجاه كان لمنح كاتبة رواندية الجائزة عن روايتها “سيدتنا النيل”.

كما أشرنا، فإن الجزء الخاص بالمعلوماتية عن الروائى الفائز، فى موسوعة الويكبيديا ظل فارغا وفيما بعد أضيفت معلومات مختصرة أن جيروم فيرارى مولود فى سارتن بجزيرة كورسيكا ثم درس الفلسفة فى مدرسة بورتو- فيكيو “وهى تسمية ايطالية تعنى الباب القديم بما يعنى سيطرة الثقافة الايطالية فى كورسيكا حتى الآن”، كما درس فى المدرسة الدولية التى تحمل اسم الكسندر ديماس فى الجزئار، ثم المدرسة فيش فى العاصمة الكورسيكية اجاكسيو.

والكاتب المولود عام 1968، بدأ حياته الأدبية بكتاب يحمل عنوان “ألف زيرو” عام 2002، ثم صار من الكتاب الذين يتعاقدون مع “اكتاسيد” عام 2007، حين نشر روايته “فى السر” ثم نشر روايته “جفل اطلاطنى” بعنوانها الايطالى عام 2008، ثم “اله وحيوان” عام 2009 التى حصلت على جائزة تعرف باسم لاندرنو فى فرنسا، وهى جائزة لا تنتمى إلى الجوائز الكبرى فى بلاده.

وفى عام 2010، نشر فيرارى روايته “حيث تركت روحى” وقد حصلت على جوائز إعلامية منها جائزة أدبية يمنحها التليفزيون الفرنسى، وفى العام الحالى جاءت روايته “موعظة حول سقوط روما” التى أدخلته دائرة الضوء بقوة مع فوزه بجائزة جونكور.

ومن خلال متابعة هذا الحدث، اكتشفنا أن كورسيكا التى كتب عنها التونسى دوديه روايته “كولومبيا” لديها لغة محلية، ليست هى الفرنسية ولا الايطالية، وان فيرارى ترجم بعض الاعمال الادبية الكورسيكية عن هذه اللغة الى الفرنسية.

لا شك أن عنوان الرواية يذكرنا بالكتاب التاريخى المشهور “سقوط الامبراطورية الرومانية” لجيبون الذى يتحدث عن حقبات تاريخية شهدت صعود وهبط واحدة من أهم الحضارات فى التاريخ، وقط استطاع جيبون أن يرصد ما حدث فى روما طوال قرون مما جعل كتابه هو أهم المراجع عن هذه الحضارة، ومن الواضح أن فيرارى، ذا الاسم الايطالى، قد أراد أن يمزج الحاضر الذى نعيشه، بما حدث فى الامبراطورية الرومانية، خصوصا قيام نيرون بحرق روما، وسقوط أسوار قرطاج، واطفاء أضواء بعلى، ومصرع مئات القتلى فى حروب خاضتها الامبراطورية.

بطلا الرواية، هما من دارسى الفلسفة فى باريس، ماتيو وليبرو، يعودان إلى مسقط رأسيهما فى كورسيكا، ويقوما باستعادة البار الذى يمتلكه أحدهما من أجل اعادة تشغيله. ماتيو لم يأت قط إلى الجزيرة، ولكنه كان يحلم دوماً أن يستقر بها، وهو يتمنى أن يصل ايضاً إلى القديس اوجستين، إلى حد المقاربة بين القرن الخامس الميلادى، والقرن العشرين، حيث يتوغل فى الفكر التشاؤمى للقديس ان الطبيعة البشرية هى صدى لمشاعر الانسان، ويرى الكاتب أن أهل كورسيكا قوم عقائديون، يؤمنون بالمسيحية كما أنهم يؤمنون أن القدر ضرير، وان التاريخ يزحف للابدية بلا نهاية.

كما يرى الكاتب أن المرأة لعبت فى هذه التواريخ دوراً خلفياً غير ملحوظ، وقد تم محو هذا الدور بشكل ملحوظ فى التاريخ.

تحدث الكاتب عن الزمن الذى عاش فيه القديس أوجستين فى بداية القرن الخامس وهو الرجل الذى قال ان العالم كائن حى مثل الانسان، يولد ويكبر، ويموت، وصار على الانسان منذ أن سقطت الامبراطورية الرومانية أن يتعلم مما حدث مقترناً بصعود وسقوط هذه الامبراطورية.

“روما ليست هنا سوى اسماء متعددة أتت من كل العالم، وأريد أن أطرح بدورى بهذه الرواية السؤال المطروح قديماً حول ماهية العالم، فلكل انسان ذاته المتفردة، التى تفصله بشكل تلقائى عن الآخرين، كان هناك رجلا عجوز عاش القرن الواحد والعشرين يطارد التاريخ دون أن يلحق به، فكما سار وراءه، أفلت منه، وتقدم نحو الأمام، وكانت فى صحبته امرأة شابة أتته بالنور وسط الظلام الذى جاء مع أيام الانطفاء. وهناك أيضاً صديقان منذ الطفولة، يقصد بهما ماتيو، وليبرو اللذين يجيبان على الأسئلة التى تطرحها الفتاة، ويرد كل منهما اجابته الخاصة، رغم أنهما يؤمنان أن العالم بالغ الاتساع، وانه سوف يدوم للأبد، لكن عليه مثلما ولد ذات يوم، ان يموت ايضا ذات يوم، بما يعنى قيام القيامة، فقد حدث الشىء نفسه للحضارات الكبرى، مثل حضارة الفراعين، وايضا لابناء الامبراطورية الرومانية.

تتحدث الفتاة عن جدها، الذى شهد على هذا التاريخ، وتقول ان اسمه هو مارسيل انطونيتى الذى أدرك عبثية الجرى وراء التاريخ، لأن هناك ما يسمى بلغز الغياب لقد عاش مع اخوته الخمس من بنات وبنين، بدت الحياة بيضاء، بياض اللبن، من الصعب التمييز بين الأرض والجدران، يبدو كل شىء ملفوفاً فى ضباب غريب سوف يتجلى بعد فترة، وتظهر الأشياء من رورائه، هى جالسة بملابس الحداد، وفوق رأسها وشاح داكن، وقد وضعت يديها المفرطحتين على جبينها، وراحت تفكر فيم يردده الناس أن كل كائن يختلف تماماً عم حوله.

هذه المرأة هى أم مارسيل، وهى أم لفتى يسمى يوحنا المعمدانى، يميل دوماً أن البحارة الضيق، اما بناتها الثلاث فهن يتبعنها أينما ذهبت، أكبرهن جان مارى التى تحب المشى حافية، وتخفى وجهها وراء خصلات شعرها الكثيفة.

هناك صورة من الماضى، موجودة فى أوراق الأحفاد، تعكس هذا الموقف الأسرى الملىء بالدفء.

يبدو أن هناك أسلوباً خاصاً فى الحكى اتبعه الروائى الفرنسى جان رووه فى روايته “ساحات الشرف” الفائزة بجائزة جونكور عام 1990 وهى منشورة فى سلسلة روايات الهلال من ترجمة لبنى الريدى، حيث اختلط الحاضر بالتاريخ، هذا الاسلوب البسيط المتشابك اتبعه جيروم فيرارى فى روايته الجديدة، تبدو الجمل متداخلة معاً، والفصل أقرب إلى أن يكون فقرة واحدة، فقد رجع الكاتبان إلى نفس الزمن، عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، وقد رأى رووه ذلك من خلال حدث فرنسى، حول دفن إحدى الشخصيات فى مسقط رأسه، أما فيرارى فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فى التاريخ.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات