الذي هكذا وصل (في رثاء محمود درويش)

05:59 مساءً الأحد 27 أكتوبر 2013
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

(النور يقتحم الأماكن السرية

حيث تموت القواعد المنطقية

ينمو السر في العين)

                              ديلان توماس

 

صباح الخير محمود . كيف أصبحت اليوم ؟ . وكيف كان مشوار الصباح معك ؟

بالأمس كان نومك عميقا . كانت على وجهك علامات ليس بمقدور أحد أن يفهمها . من يستطيع أن يقترب من تضاريس الأرواح ؟.

إنها تتغير وتتبدل مثلما نركض وراء طفولة السحاب ، بوسعنا أن نرسمها . بوسعنا أن نتذكرها . ولكن ليس بمقدورنا أن نتابع سرعة تبدلاتها .

سألتني أن أحمل لك القهوة . وسألتك ان كانت هي عادتك لم تزل كما هي. قهوة فيها القليل القليل من لمسات ا لسكر . فيها الكثير الكثير من اسوداد الليل .

أما أنا يا صديقي فما زلت على عادتي . أشرب قهوتي الصباحية بالكثير الكثير من خلايا العسل .

قهوتي حرة. أما قهوتك فلقد كان عليها أسوار من السجائر، ترتشف السجائر مع القهوة ، أم أن بعضا من سجائرك كان يرتشف بعضا من قهوتك. من يدري ؟.

 

قيل بالأمس أنك قد مت . جاءتني الرسائل من كل الاتجاهات : لقد مات   مات  مات

 

امتلأت الجرائد . الإذاعات …. الكل يحاول أن يصف كيف يكون فقدانك ….. الكل يصب كلامه في بحر واسع من الفراق . شعرت بمياه البحر تغطي وجوههم ، تحجب عنهم الرؤيا ، فلقد كنت تنظر إليهم  من بين المياه وتقول لهم : هذه مياهي اغتسلوا بها . ولكن أنى لهم أن يعوا ما تعي.

لا شيء  في العالم

ناعم رقيق لين مستسلم كالماء

ومع ذلك ، فمن أجل تفتيت الأشياء الصلبة والجامدة

لا شيء يتفوق عليه

ينقلب الناعم على الصلب

ويقهر اللطيف الشيء القاسي

ويعلم كل فرد هذه الحقيقة

ولكن قليلون جدا الذين يضعون هذه المعرفة موضع التطبيق

Tao Te Ching

أمسك  البعض بأشعارك . وبدأ بالتلاوة ، محاولا أن يستعيد نبضا من نبضات صوتك . محاولا أن يستعير فهما لفهمك ، ولكنني شعرت بقصائدك تترك المكان والزمان، هو كلام شبيه بما قلت ولكن ليس كما قلت. فيه بعضا من بذورك ولكن ! فيه بعضا من الشيء ولكنه ليس بالشيء نفسه .

أغلقت المذياع وعدت إليك . أنظر إلى كتبك . الورق كان حنونا معطاءا .

هل لديك الصبر لتنتظر ؟

حتى يستقر الوحل ويصفو الماء ؟

هل يمكنك أن تظل بلا حراك ؟

حتى حتى ينهض الفعل  الصحيح بنفسه ؟

 

ولكني أيضا انجذبت إليهم . وبدأت بالبكاء . ومن خلال ا لبكاء . كان لبكائي مراحل . فأنا الخبيرة بجغرافية الدموع ، أعرف أي دمعة لأي حزن تعود . وأي دمعة لأي مستقبل تعود. أي منها من صنعي . وأي منها من صنع الآخرين .

الدموع أعرفها أعرفها تماما . أعرف منابعها الخفية وأستكشف  ينابيعها المنسية .

 

من خلال دموعي رأيتك، فأوقفت بكائي. قلت لي من خلال بداية تكون الدمعة  . اهدأي . اعلمي أنه لدينا العمل الكثير .

 

هناك نهر بين نجمتين . في ذاك ا لنهر  ثمة حصاه ملقاه في قعره. أريد تلك الحصى ، لأعلمك كيف يكون  نحت الكلام . اهدأي ولا تترددي . هناك في بعض قصائدي جناحي فراشة . عليك بالاستعارة…. اذهبي إلى تلك ا لصفحة واستأذني القصيدة بنزع ذاك  الجناح …. البسيهما على كتفيك …. ثم أحضري حصاني .

استأذنت

أسرعت       تركت       أمسكت       نزعت       أعطيت

في زاوية قصية من السماء ، رأيته هناك . دعيها جانبا قلت لي . خذي نفسا عميقا عميقا جدا ، أغمضي عيونك ، لتعرفي أيضا ما أريد .

هناك بعضا من أنفاسي ، قد تركتها هناك اذهبي مسرعة وأحضري أنفاسي .

في أشعاري ثمة طريقة عليك أن تتعلميها . لا مسافات إلا بالعقول . لا زمان إلابالعقول . المسافة شيء وهمي . الزمن شيء وهمي …..

ثم انه هناك شجرة لوز في طريقها للانشراح . . أعلم أعلم ما يزال الربيع بعيدا…. ولكن اذهبي إليها …. وأحسني الاختيار .

رأيت غصنا ما بين الأغصان . ما يزال في بدايته ، ما يزال في نهايته . …. وضعت عليه بعضا من تلك الأنفاس .

ابتسم لي ذاك الغصن …. قرأ حيرتي …. لا تخافي .

هي زهور بيضاء متلألئة …. لسوف تعرفينها من بين كل زهور اللوز.

أما الآن فاذهبي . فلقد حان موعد نومي .

” إنها حياة تستحق أن تعاش ”

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات