فن التلوّن

08:36 صباحًا الإثنين 28 أكتوبر 2013
محمد سيف الرحبي

محمد سيف الرحبي

كاتب وصحفي من سلطنة عُمان، يكتب القصة والرواية، له مقال يومي في جريدة الشبيبة العمانية بعنوان (تشاؤل*، مسئول شئون دول مجلس التعاون في (آسيا إن) العربية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
مقابل فن التلوين، فإن هناك فن التلوّن، وشتان بين الفنين، واللونين..
ورغم كونه فنا عتيدا إلا أنه لم يسجل ضمن الفنون الإنسانية، فهو منتشر، ويمارس على نحو “انتشاري” يجعل من السياسة مجرد لعبة صغيرة بجانب “الناشطين” في إبداعه.
هو لا يريد أن يحاورك.. هدفه أن تقتنع، فقط.
هو مثقف أكثر منك، لا يريد الاستماع إليك، بل أن تستمع إليه.
إذا قلت له أن الحياة جميلة رغم كل شيء، يصر على مراوغة فكرتك، حتى وإن كان مقتنعا بها ليباغتك بوجهة نظر مختلفة، الحياة مملة، مأساوية..
لا تقل له أن الناس من حولنا طيبون، سيقسم أغلظ الإيمان أنك طيب وعلى نياتك، فالناس “ذئاب في ثياب” بشر، وعليك الاحتراز منهم، وبعد لحظة من الممكن أن تقول له أن الناس فعلا على قدر عال من الشر، وتجنبهم أفضل، سيرد عليك حالا ويطلب منك عدم المبالغة، فهؤلاء طيبون ومساكين، وأن الحكومة هي الشريرة في هذه الحكاية كلها.
هناك البشر القادرون على التلون خلال لحظات، يغيرون بين الأقنعة، يخلعون الأول ويرتدون التالي، دون وجود معطيات تعينك على طلب العذر لهم، والبحث عن مخرج “أخلاقي” على الأقل، يتيح استيعاب هذه التحولات.
كيف يمكن الدوران بتلك السرعة والانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في لحظات معدودة دون أن يصاب المستدير بالدوار مع أن الآخرين حوله يكادون لا يصدقون هذه القدرة السحرية، فهم في موقف مؤيد، وبتطرف، لكن ينقلبون إلى معارضين إذا وجدوا سلما آخر يقودهم إلى التسلق نحو الأعلى، بعيدا عن حسابات القيم والمثل التي يدّعون امتلاكها.
قبل فترة قصيرة دعيت إلى مهرجان في دولة عربية، ووجدت إحدى المدعوات على حافة الانهيار لغضبها على مدير الفعالية وما فعله بضيفته القادمة من أقصى البعيد، تاركا إياها في المطار نحو عشرين ساعة، وخلال حديثها المنفعل دخل المدير، فتغيرت خلال لحظات، وافترت ملامح الوجه عن ابتسامة صافية، مرحبة به، ولولا بقية حياء لتوقعت أن تأخذه بالأحضان.
لمن لم يعتد التلوّن فإن التحولات المفاجئة تثير العجب..
وهناك القادرون على التحول بخفة عجيبة.
وهناك غير القادرين على استيعاب تلك الخفّة، والتلوّنات الحادّة المثيرة للغثيان أحيانا.
نصادفهم مرة بعد مرة، لكننا لا نكف عن إطلاق عجبنا.. وليس إعجابنا، يحاولون أن يكونوا مبهرين بهذه المقدرة، يتلونون حسب الظروف، حسب الكرسي، حسب الأشخاص، وفي كل مرة يستديرون ليوهموننا أنهم يفعلون ذلك للمرة الأولى.
إنما: هل هي قوة موهبتهم أم ضعف مقدرتنا على اكتشاف طاقة التلون لديهم؟ حينها سيسبقوننا بالطبع، وسيتفوقون علينا في أشياء لا تحصى.. لكنهم يبقون في نهاية المطاف: الطرف الخاسر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات