والد وما ولد: وزير مغربي يروي سيرته الذاتية الطفولية

07:56 صباحًا الخميس 22 نوفمبر 2012
د. عبد الرحيم العلام

د. عبد الرحيم العلام

رئيس اتحاد كتاب المغرب، مستشار شئون المغرب العربي في آسيا إن

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تتشكل في المشهد الروائي المغربي اليوم ما يمكن اعتباره ظاهرة لافتة للنظر، تلك التي تتعلق بانعطاف مجموعة من المفكرين والفلاسفة والكتاب نحو كتابة الرواية تحديدا، قادمين إليها من مجالات مهنية مختلفة، ومن اهتمامات فكرية وتعبيرية غير أدبية، أو غير روائية. والانعطاف، هنا، نسبي، على اعتبار أن هؤلاء لم يغادروا بشكل قطعي مجال اهتمامهم الأول. ويكفي أن نذكر من بين هؤلاء انعطاف كل من: عبد الله العروي، في وقت مبكر جدا نحو كتابة الرواية قادما إليها من التاريخ، وأحمد التوفيق قادما من التاريخ، وبنسالم حميش وسعيد بنسعيد العلوي قادمين من الفلسفة والفكر، ومحمد الأشعري وحسن نجمي قادمين من الشعر، وكمال الخمليشي قادما من العلوم القانونية، وفاتحة مرشيد قادمة من الشعر والطب، وغيرهم الروائيين المغاربة الذين يمدون المشهد الروائي في المغرب اليوم بروايات مؤثرة وقوية، وصلت بعض نصوصها إلى اللائحة القصيرة لجائزة البوكر في دورتها الحالية.

ويوجد من بين هؤلاء الروائيين وزراء، من بينهم الروائي الوزير أحمد التوفيق، أحد أهم الروائيين المغاربة اليوم، ممن يواظبون على كتابة الرواية، وإثراء المشهد الروائي العربي بنصوص روائية، ما فتئت تحقق انتشارا واسعا بين جمهور القراء والمتلقين والنقاد، بلغت اليوم خمس روايات ونص سير ذاتي، بل وتمكنت روايته الأولى “جارات أبي موسى” من أن تعرف طريقها إلى السينما المغربية.

وقد اختار أحمد التوفيق في عمله السردي الأخير “والد وما ولد: طفولة في سفح الجبل” (منشورات المركز الثقافي العربي ووزارة الثقافة، 2009، 279ص)، أن يوجه بوصلته هذه المرة نحو مغامرة الكتابة عن الذات، وتحديدا الكتابة عن طفولته هو، في عمل أدبي وسردي بديع وشائق وممتع.

وتكمن أهمية هذا النص السير ذاتي الجديد، في كونه يلامس مرحلة عمرية عادة ما تعرف لدى المبدعين بصعوبة الكتابة عنها، واستعادتها في ملامحها وتفاصيلها الدقيقة الأولى؛ هي مرحلة الطفولة تحديدا، بذكرياتها وأحداثها ووقائعها المعيشية وبخلفياتها أيضا، بما هي مرحلة تنفتح على فترة تاريخية واجتماعية معينة من تاريخ المغرب، وتحديدا من تاريخ منطقة في المغرب (الأطلس الكبير)، حيث يستعين “الحاكي” أحمد أو “الولد”، كما يسميه الكاتب، في لملمة تفاصيل طفولته، وقد تجاوز سن الستين من عمره عند كتابته لهذه السيرة، مستعينا بذاكرته وباستعادة “ما عاشه أو سمعه أو فهمه أو أحس به حين كان عمره بين السنة الخامسة والثانية عشرة”، يتحدث بصيغة الغائب عن والده، ويسميه “الوالد” وعن نفسه، ويسميه “الولد” (ص7)، فضلا عن لجوء الحاكي في تحقيق بعض تفاصيل ذكرياته لجوءا محدودا إلى بعض الشهود من الجيل الذي سبقه…

ويضع الكاتب في مستهل سيرته الطفولية بعض الإضاءات الموازية لقراءة هذه السيرة، من قبيل توضيحه، في البداية، لمسألة اختياره لعنوان سيرته الطفولية، حيث كان قد خطر له أن يعنونها ب “طفولة في سفح الظل”، هناك حيث توجد قرية “إمَرغن” مسقط رأس الكاتب. غير أنه مع توالي الأيام، فتر حماس الكاتب لهذا العنوان، ليتبين له أن ما كان له تأثير حاسم في تشكيل شخصية الطفل  “محمد” ليس هو “البيئة الطبيعية”، وإنما هي رعاية الوالد وحسن معاملته له، الأمر الذي دفع بالكاتب إلى اختيار عنوان آخر، ذا دلالة ومرجعية دينية خاصة، في اقتباسه من “إقسام الحق بوالد وما ولد”، ليصبح عنوان هذه السيرة “والد وما ولد”، أي في إشارة إلى ارتباط هذه السيرة، في جزء بؤري فيها، بشخصية “الوالد” تحديدا.

ثاني إضاءة يصوغها الكاتب لسيرته الطفولية، قبل أن ينهمر الحكي عن مسارات عائلية وطفولية متنوعة، هو ذاك الذي يسميه الكاتب ب”تشريح النص”، وفيه يحدد “زمن الكتابة”، حيث تجاوز الكاتب، عند كتابته هذا النص، عامه الستين، و”زمن الحكي” المؤطر لهذا المحكي السيرذاتي، والذي يتراوح، في هذه السيرة، بين الخامسة والثانية عشرة من عمر الكاتب- الحاكي، وتنتهي هذه الذكريات عند الفترة التي انتقل فيها “الحاكي” من القرية إلى المدينة لمتابعة الدراسة، أي في شهر دجنبر 1955، فضلا عن تحديد هذه الإضاءة لهوية “الحاكي” الذي يتحدث في هذه السيرة بصيغة الغائب عن والده، ولتشكل الأحداث والوقائع والذكريات. ويختتم الكاتب سيرته بإضاءة أخرى وضعها في نهاية كتابه، عن مآل فضاء الذكريات، بما طال القرية من تبدل وخراب وهدم وتشوه في معالمها، وأيضا بما لحق أمكنتها وساحاتها وسلوكاتها وزراعتها من تراجع وطمس …

وكغيرها من السير الذاتية الشهيرة، يبدأ الحكي في هذه السيرة الطفولية بالحكي عن الفضاء العائلي للحاكي، وأصول العائلة، وحياة الوالد وزواجه، ثم ولادة الحاكي “أحمد”، مرورا بفترة نموه إلى عمر الخامسة، وكلها محكيات استوحاها الحاكي مما حكاه له آخرون، لتبدأ مرحلة استعادته هو، بشكل مباشر، لذكرياته النوستالجية، انطلاقا من استناده إلى مخزون ذاكرته، ومما سمع به وأيضا مما عاشه من وقائع وذكريات بقيت عالقة بذاكرته ووجدانه، في الوقت الذي يتسلل فيه عنصر التخييل، وباعتراف من الكاتب نفسه، بشكل جزئي إلى مكونات هذه السيرة، ليضفي عليها نكهة ومتعة كتابية وسردية خاصة.

وإذا كانت كتابة بعض السير الذاتية الطفولية، تعتبر بمثابة وفاء نوستالجي مشتهى لمرحلة الطفولة بصفة خاصة، فهي تشكل في سيرة أحمد التوفيق وفاء وردا معنويا لشخصية “الوالد” بدرجة أولى، وأيضا لشخصية “الوالدة”، بما تميزت به علاقة الحاكي بوالديه، وبغيرهما من ساكنة القرية وبمحطات أساسية من تاريخها وأمكنتها،  من أبعاد وجدانية فياضة…

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات