رؤيانا

07:55 مساءً الثلاثاء 5 نوفمبر 2013
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

” الجمال هو الحقيقة والحقيقة هي الجمال “

لكل صباح إرادته..

اليوم أراد هذا الصباح أن يكون حضوره متميزا,,

لا يخضع للمقاييس..

فدق على أبواب الشمس وعلى وجهه ابتسامة السؤال.

نزعت الشمس عباءة النوم على استعجال..

لكي ترتدي الشال المخطط بالأصفر والبرتقالي.

ابتسمت..

رؤيانا للأمواج الذهبية التي لامست جسدها الصغي..

فأمسكت بأحلامها..

أحلام الليلة السابقة..

فتحت أبواب مخدتها، لكي ترتب هذه الأحلام ، فوق إخوتها من الأحلام..

هي  تحلم دائما..

لكنها في بعض الأحيان لا تود أن تتذكر أحلامها..

تترك تلك الأحلام نائمة في سلتها..

هي تشعر بأن تلك الأحلام هي بمثابة خطوط / أشكال / طبقات / نغمات /أحاديث..

لا تعرف إن كان عليها أن ترتبها كما ترتب دفاترها المدرسية..

أن تفهمها كما تفهم  حروف الأبجدية..

 

لكن من أين لها أن تضع لها تاريخا محددا؟ زمنا واضحا ؟ أم فهما جليا ؟

إلى أن سمعت ما يشبه الهمس يدور بين ثنايا الأحلام..

 

ولكل شيء زمان ومكان

فتحت رؤيانا شباكها المطل على حديقة المنزل لكي تضع حبات القمح للعصافير الزائرة، ثم تتأكد من أنها قد تناولت قمح اليوم السابق .

لكنها..

تراجعت..

تراجعت..

ثم تراجعت عندما وجدت أن حبوب الأمس ما تزال على حالها، وأن أيا منالعصافير لم يقل لها صباح الخير..

أين العصافير ؟ أين ا لحمامات ؟ أين نسيم الصباح ؟

عندما نظرت عرفت..

شاهدت أمها مع بعض الوجوه الجديدة . أنهم العمال ، فهم يحملون السلالم والمقصات ، ثم فهمت أيضا من إشارات أمها لهم : أن يقصوا تلك الأغصان المتنامية ، وأن يخلعوا تلك الأوراق اللاهية على الأشجار ، لكي يكون لأشجارهم نفس مصير أشجار الجيران(1).

سمعت أنين الأغصان..

شاهدت الأوراق..

وهي تلحق بعضها البعض في محاولة للاحتماء..

ارتعش القلب الصغير خائفاً..

امتدت نظراتها بعيداً بعيداً إلى تلك الشجرات على التلال..

التي ما تزال تنعم بحريتها..

أمسكت بخصلات شعرها..

تساءلت..

ماذا لو امتدت يد غريبة لتقص لي خصلات شعري ؟

احتاجت إلى لغة جديدة..

لأسلوب ما..

يكون باستطاعته أن يعبر عما يجول بعقلها الجميل..

نظرت إلى سلة الأحلام..

خافت أن تحلم الليلة بما تشاهد اليوم..

هي تريد لأحلامها أن تظل بها نكهة الأحلام..

أسرعت الى غطاء مخدتها..

فتحت أبواب مخدتها لكي يتجدد هذا الحلم..

 

الحلم

جاء ا لحلم باسطا ذاته بين يديها..

هي تركض في السهول..

في أعالي الجبال..

تسبح في المياه..

وأيضا تلعب لعبة المطر والشمس..

هي من كل هذا..

هي في كل هذا..

إلى أن تدعوها فراشة بيضاء لزيارة بيت الفراشات..

أمسكت الفراشة البيضاء بيدها..

تركت يدها..

استدارت لكي تركض… ركضت الفراشة..

سمعت أصوات أقدام الفراشات..

وهي تعزف لحنا فردوسيا على أوراق الشجر..

استعارت هي أقدام الفراشة..

ليغدو دائما وأبدا صوت قدميها هو لحنا ملازما و متلازماً مع لحن اقدامالفراشات.. فتحت الفراشات البيضاء الأبواب / الشبابيك / الاسقف..

لها..

بانت..

زهور اللوز المختبئة…

أمسكت الفراشات البيضاء بزهور اللوز ذات البريق / اللمعان / التوهج..

ثم مسحت به ضفائرها..

كانت تنتشي طيرا سابحا بين طيات الأثير..

فعندما تزهر أزهار اللوز..

ويردد الجميع : ” انه الربيع ” إنها أزهار اللوز البيضاء..

كانت تمسك بضفائرها لكي ترى وتعلم أنها قد شاهدت  لمست  زهور الربيع ..

 

من قبل والآن وفيما بعد

 

إلى أن جاء صوت المربية ندى.

ندى : ماذا أيتها الصغيرة الجميلة ؟

رؤيانا : صباح الخير يا  ندى

ندى : صباح الخير يا رؤيانا

رؤيانا : ماذا يفعلون في الحديقة ؟

هي..

شاهدت..

سمعت..

ثم عرفت..

أن تلك الأشجار فد فقدت الكثير الكثير من مقدرتها على ملامسة نسيم الصباح..

عن اتساعها لأعشاش العصافي..

هيعارية لا تستطيع أغصانها أن تحتضن أوراقها..

لا يستطيع الماء القابع في جذورها أن يمتد لكل الأغصان..

إن تلك الأشجار ما عاد باستطاعتها أن تلعب مجددا مع النور والشمس..

مع الليل والقمر..

أصبح لونها الأخضر مقسوما مبددا بدرجات غريبة..

لم يعرفها تاريخ اللون الأخضر من قبل..

رؤيانا : أين أمي ؟

ندى : ذهبت لصالون الشعر ، فلدينا اليوم دعوة لحضور عيد ميلاد صقر ابنالسيدة جمانه .

لم تجرؤ على البوح..

إنما حاولت كتابة ما يدور في عقلها على شباك نافذتها..

أنا لا أحب تلك الحفلات..

وهذا صقر بالذات لا أعرف كيف أتعامل معه..

حتى أنه لا يسألني عن حالي، عن مدرستي.. إنما يمسك بألعابه الكثيرة الكثيرة جدا، ويضعها أمامي لكي أعرف أنه يمتلك أحدث أنواع الألعاب الالكترونية.

اقتربت ندى..

وهي تمسك بالمشط بين يديها..

اقتربت منها رؤيانا..

بدأت يد ندى بملامسة الشعر الطويل

لمست ندى بأن ضفائر رؤيانا تنمو وتنمو في كل يوم..

سمعت رؤيانا ما يقول عقل ندى عن شعرها..

شعرتْ بما يشبه الدوار..

فتلك الأشجار أيضا كانت تنمو كل يوم أغصانا متتالية ، أوراقا فرحة، جذوراً مستبشرة..

إلى أن بدأت ندى بضم شعر رؤيانا ضمة واحدة..

بيد واحدة..

استدارت ثم نظرت إلى ندى..

رؤيانا : ماذا تفعلين يا ندى ؟

ندى : طلبت مني أمك أن يكون اليوم شعرك على هيئة ذيل حصان. فهو الأجمل لمناسبة اليوم .

رؤيانا : ولكنك تعرفين وأمي أيضا تعرف، أني لا أحب ربط شعري على هيئة ذيل حصان.

فشعري يؤلمني..

ندى : بالحقيقة لا أستطيع مخالفة رغبات أمك .

لم تستطع المقاومة..

لم تستطع الإفصاح..

ماذا عن الجديلة الوحيدة التي باستطاعتها ملامسة ظهري؟

ماذا عن ضفيرتين تلامسان أكتافي.. ولكن ؟

جاءت الأصوات من الخارج . أكثر من صوت ينادي ، يستدعي رؤيانا وندى . ولكن ما أن غادرتا الغرفة..

حتى تركت رؤيانا يد ندى..

عادت مسرعة جدا إلى غرفتها

اقتربت من مخدتها..

لامست أحلامها..

سمعت أنغام أحلامها..

ثم استغاثت بالأحلام..

قالت لها الأحلام :

أننا هنا لا نغادر ، في الانتظار لنعاود اللعب من جديد..

ابتسمت..

امسكت بقميص نومها ثم لفته حول مخدتها..

لعل قميص نومها يداعب أحلامها..

فتشعر هي..

ثم تشعر الأحلام بالأمان..

استقر قلبها مجددا في مكانه..

مع أن رأسها يؤلمها ، يؤلمها جدا..

 

المشوار

 

رؤيانا : صباح  الخير يا أمي

الأم : صباح الخير

نظرت الأم بعين طفلتها ، لم تستطع أن تتبين أي من الدلالات..

“ولكن رؤيانا ازداد تعجبها من هذا الذي على شعر أمها ، أيكون مثل الصمغ الذي تلتصق به الأوراق مع بعضها البعض ؟”

” سيارة بها الأم ثم رؤيانا وندى من الخلف، درجات الحرارة العالية جدا . الازدحام ما بين السيارات ثم الوقوف في نقطة محددة. فلقد تشابكت واختلطت السيارات مع بعضها البعض ”

فـٌـتحت شبابيك السيارة المغلقة، جاء صبي صغير يتجول ما بين السيارات ، حاملا ذلك السائل الصابوني الذي ما أن ينفخ فيه حتى تتعالى الفقاعات الملونة.

هو في انتظار من يشتري..

ابتسمت..

ابتسمت هي للفقاعات الملونة..

تراها تعكس أشعة الشمس..

ثم ابتسمت ثانية للفقاعات الملونة..

تسبح مابين السيارات وعلى زجاج النوافذ..

فرحت..

فرحت جدا بابتسامة ذاك الصبي الذي لم تمتد لها يد الحر فتنكمش..

إنما ظلت تلك الابتسامة تمتلك حريتها مع كل كرة بلورية..

امتدت عيون الأم لعيون رؤيانا..

فشاهدت كرة بلورية صغيرة جدا.

تلمع في عينيها..

تساءلت ؟

أهي على وشك البكاء ؟

أم أن الشمس قد بالغت في درجة حرارتها ؟

اقترب الصبي من الشباك الموازي للأم..

نظرت إليه الأم..

فابتعد..

لكن يد رؤيانا الجميلة امتدت من الناحية الأخرى..

لتطلب الشراء..

شراء علبة من الفقاعات الصابونية..

حاولت الأم الاعتراض..

ولكن يد رؤيانا كانت الأسرع بالاستلام..

ابتعد الطفل عن السيارة..

لكن الفقاعات الملونة ذات الأشكال المستديرة، ذات الانعكاسات بألوان قوس قزح، امتلكت الأجواء كلها.

كانت  تلك الفقاعات تحوم وتحوم..

بعض العيون شاهدتها فابتسمت..

وأغلب العيون لم تشاهد لكي تبتسم..

حاولت الأم أن تسألها، إن كانت قد استمتعت بحفلة عيد ميلاد صقر . فالحفلة كان بها الكثير الكثير من الهدايا  البالونات  الغازية  الحلويات  المهرجين   الرسم على الوجوه  المسابقات .

لكن يد رؤيانا القابضة على العلبة ذات الرغوة الملونة..

لم تستطع أبدا أن تمسك أي من تلك الهدايا..

أمسكت بعلبتها ذات السائل السحري..

وضعتها بجانب مخدتها..

لأنها تعرف أن الأحلام سوف تستعير بعضا من تلك الفقاعات الملونة..

 

في..

في هذه اللحظات..

بدأت هي برسم خارطة أحلامها..

باختيار ألوان تلك الأحلام..

أمسكت بعلبتها..

ثم بالدائرة المستديرة لكي تضعها في داخل السائل الصابوني..

بدأت برسم دوائرها…

رأت تلك الدوائر..

أقمارا مستديرة..

ثم أقمارا تمتلك أجنحة فضية بنقاط بنفسجية..

شاهدت الشمس بألوان مستجدة ..

فيها الكثير من الأخضر والأبيض..

 

جاء..

جاء أيضا الريح حاملا معه حقيبته المدرسية..

لكي يتلو أمامها بعضا من أسراره..

ولكن كل هذا لم يكن بالكافي..

فاستدارت ثانية إلى علبتها ذات السائل السحري وابتدأت بالنفخ المرة تلو المرة..

إلى أن شاهدت كرات خضراء لا يحدها حجم . لا يحدها طول..

تقترب من تلك الأشجار التي امتدت أليها يد المقص..

شاهدت تلك الكرات الخضراء تلتف وتلف حول الأشجار لمساعدتها على العودة..

العودة إلى ما كانت عليه..

العودة إلى ما كانت عليه..

شاهدت الأغصان وهي تحمل أوراقها..

تلتصق بالجذع..

الذي رد التحية بابتسامة خضراء..

لكي تستقر مجدداً على رؤوس الأشجار . كل الأشجار الفقاعات الملونة .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

( 1 ) كانت رؤيانا تشاهد أشجار الجيران التي امتدت إليها يد المقص . تتخذ أشكالا متعددة لكي تصبح هذه الأشجار الجميلة بشكل لا تعرفه . مربع مستطيل لولبي حلزوني طبقات . مثلثات ذلت رؤوس مدببة .

مع الاعتذار لكل الأشكال الهندسية ولكل الجبال ذات القمم العالية ولكل الأحجار التي تمتد لها يد الطبيعة لتعطيها أثوابا متعددة المقاسات والأشكال

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات