ابتسامة بيضاء

06:11 مساءً الثلاثاء 12 نوفمبر 2013
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

شربتها شربتها ” حتى خرج الري من أظافيري(1) ” ثم غرقت مياهها غرقا , وكانت زادي وملاذي , ولكم تتضاحك داخلي معها , عندما تبأ مياهها بالعزف على دمائي , عند كل لقاء يجمعني مع الذين أعرفهم والذين لا أعرفهم.

أهمس لها يا قصتي , اهدئي قليلا ثقي بي , سوف نتجول في المكان و الزمان لا تدعني الا بعد أن تتدفق مياهها , تغمر القلوب يفرحني أنها تصل للقلوب , كل القلوب , ولكن أخشى ما أخشاه أن يعاود السؤال ؟ من الكاتب ؟ الا تذكري الاسم ؟ أي عدد من أعداد مجلة العربي ؟   ( القصة هي الفرح الاخير في مجلة العربي ) ولكن لماذا ؟ لماذا يا أصدقائي ….نعاود الوقوع في شرك التصفيات والملفات والارقام , انها نداء الروح , الروح تشدو , تنبش بذور الفرح التي نسيناها أو تناسيناها .

فرحي الذي وعيت امتلاكه في يوم مدرسي بالصفوف الابتدائية , الدرس درس قراءة عربية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)

حتى خرج الري من أظافري ( حديث نبوي )

 

صورة

الجد يزرع في الحقل أشجار الزيتون , الحفيد ينظر للجد متعجبا سائلا ؟؟

ماذا تفعل يا جدي ؟؟

انني أزرع أشجار الزيتون يا بني ..

ولكن ولكن يا جدي أنت متقدم في العمر ما جدوى زراعتك ؟؟

يا بني زرعوا فأكلنا , نزرع فيأكلون .

كان الاهم في ذلك الدرس ادراك المغزى ليكون المعنى واضحا و جليا في الاذهان .

أما أنا فانتقلت الى عوالم أخرى وحمدت الله تعالى على ان جدتي ليست على شاكلة هذه الصورة غير الموفقة للجد , جدتي ذات الاكتاف الفسيحة المشدودة والوجه الضاحك نتشارك واياها في كل تفاصيل الحياة , بالامس ذهبنا للغوطة (1)الدمشقية لمراقبة تفتح أوراق اللوز , فهذه البراعم قد بدأت تستحم بنور الشمس و في مراحل من يستطيع تميز حدودها ؟ تحول البرعم الى زهرة تامة التفتح , للروح أحاديث حكايا , أما الغوطة فهي روح الروح , نور على نور , يقولون عبثا أن الجمال مضيع مفقود في التكرار , وينسون جمال الخالق في الخلق واعادة الخلق .

حديث لوزة

قالت لي من بداية البدايات تعطرت السماء بالشموس وتجملت بالاقمار , فكانت لها الاثواب كل الاثواب , نظرت الارض لجمال السماء فبان الخجل على ترابها فتلون الاحمرار , تساءلت الكائنات كل الكائنات عن معنى ألوان السماء , ثم تضرعت الارض وابتهلت في الدعاء , أن يكون لها وعاء للألوان , فكان أن كان أمسكت الكائنات بالريش والاقلام لتتباهى وليمتطي كل لون ما يعرف به , امتطى الورد الاحمر , ثم الياسمين الاصفر , البنفسجي للبنفسج , شقائق النعمان المينا الزلف , ثم قالت : ذاك هو اللون الاول كما هو العشق الاول . الفرح الاول . الا أشجار اللوز.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الغوطة : بساتين دمشق الممتدة . التي كانت لها اللغة الاحتفالية للربيع الدمشقي

ما كان لها مشتهى لذلك الوعاء , فاستغفرت ثم ابتهلت أن يعرف عشقها الاول لتكون نعيما للرؤية , فتشرق زوايا الكون باشراقة ولكن, فرح الكون بأعراسه الملونة الا اشجار اللوز ما إن آن لها الاوان , تمر عليها الشموس الاقمار الكواكب النجوم الورود الانهار ولا تتعرف على عشقها الاول , بكت أشجار اللوز بكاء العاشقين الذين لا يفصحون , هل من عاشق حقيقي أفصح.

الى أن كان ما يجب أن يكون , فقد غيمت السماء يوما لتستغفر ثم تستأذن بالنزول ربابة رمت بعضا من بياضها الكوني لأشجار اللوز العاشقة التي أنبتت فيه ثم أسرجت ثم ابتهلت واقسمت بأن تكون أول من يكون في التسابيح الربيعية و أن يظل البياض كل البياض الكوني مختبئا في الاغصان لحين ما يحين الاوان.

تقترب جدتي للحد المسموح به من الاغصان المرصعة فاحتار ايهما الاكثر بياضا ؟ تعلم جدتي مدى بهجتي وانبهاري باللون البنفسجي فيكون الوعد بمشوار اخر لمصافحة أشجار الدراق والتفاح.

من زرع اللوز في الغوطة الدمشقية

من زرع التفاح في الغوطة الدمشقية

الحقيقة من قلب الزهرة

حمدت الله ثانية على أنني لا أفكر بمثل تفكير هذا الصبي , اين الشفقة والحنان في ذاك الذي أبداه ؟ تمنيت لو تأمل حيوية جده وأن يشكره على محبته للأشجار , ويفهم ذلك المغزى لوحده , جاء صوت المعلمة صاخبا منبها لي :

أما تزالين كعادتك هذه في السرحان ؟ لولا علامتك الممتازة لكنت اعتقدت بك شيئا اخر , ضج الصف بالضحك لتمتد يد صديقتي بالاستئذان بالكلام ..

ماذا تريدين ؟؟

أريد أن أخبرك شيئا عنها…

ما هو؟؟

تقول لي دائما ان لديها صديقة تتبادل واياها الكلام واحيانا الزيارات أيضا.

وما المانع أن يكون لها صديقة ؟

ترددت صديقتي ثم قالت  : يا انسة صديقتها نجمة في السماء.

دقات قلبي أجراس تملأ فضاء المدرسة , تفجرت شرايين وجهي ثم حمدت الله مرة ثالثة على انني لم أبح لها بمكنون صدري , فهذا الحصان الذي يقف على باب حارتنا هو أيضا صديقي , النظر بالعيون يمتعنا معا , أفرح عندما يؤكد لي ذلك بهز رأسه.

همست المعلمة : نجمة من السماء ! نجمة من السماء !  نظرت ثم أشفقت , الهدوء الهدوء, عدن الى كتاب القراءة ثم احفظن الدرس غيبا.

أما أنا فعاودت الارتماء في أحضان جدتي …….

لا يشغلني سؤال ولا أنتظر جواب

إنك واضح , فلا تشكل

ونير فلا تظلم(أبو حيان التوحيدي)

عثر في احدى المقتنيات الادبية على بعض الخطابات التي حررها ديكارت الى صديقة ألمانية.  لقد توصلت من جهة اخرى , الى الان الاهم للصحة ولصحتي على أية حالة , هو هل أنا سعيد , أو غير سعيد ,فاذا  كنت غير سعيد أصاب بالمرض.

 

ربما لأسباب كثيرة ربما لسبب واحد , لحوادث كثيرة لحادثة واحدة , غابت البهجة عنه , تلك البهجة ما ان تسري حتى تتمركز في القلب , القلب هو المبتدأ , القلب هو الخبر , غابت فتهدل فتراخى بل بالأحرى تكرمش .

هذا الصباح كما نراه يحاول النهوض , لا أقول الاستيقاظ فاليقظة من أخوات البهجة , دقات المنبه تتعالى تمتد يده المرتعشة لإسكاتها , ولكن خيوط النور تتحايل على النوافذ المغلقة الستائر المحكمة فيمارس بريق تلألؤ ذراتها دوره الازلي في الصباح والمساء , خيوط النور يؤلمها اختلاط الليل بالنهار لدى الكائنات.

النهار هو النهار

الليل هو ليل

من منا لا يعشق انبلاج الفجر ؟ ليكون هو الفجر , انتزع انتزاعا ليعيش فقدان وحدة الحواس , النظر لا يسمع , السمع لا يخبر , ذاك الذي ندعوه جهلا صدفة هو من تصاريف الحياة فنور الحياة ما ان يرى بابا موصدا حتى يتغلغل عبر الثنايا لتعاود الحياة الحياة .

قالت صديقاته : الى متى هذا الذبول ؟ أما ان الاوان للازدهار؟

“أصابه اليأس , ثم امتنع عن الاكل ثم حرم النوم , ثم اصيب بالضعف”

(شكسبير – هاملت)

ثم تابعت , ثمة طبيبة متقاعدة , في اخر الحي تستقبل بعض المرضى أحيانا , ثمة نور متقطع يتجول في فضاءاته المغلقة.

أجوبة متعارضة تتصارع فيما بينها , ما جدوى الذهاب ؟  لا فلأحاول … ربما.

 

وجوه وعتبات

 

ها هو مطوي طيا ، فرقبته المدلاة منعت عنه رؤية الشمس ، فبات مغبرا . الأكتاف المغلقة منعت ثنايا القلب من الاتساع فبات محصورا ، ما من خطوات لديه فهو متمسك بالحائط ليجر أقدامه متسائلا عن جدوى السكن في أعلى الطوابق لطبيعة متقاعدة ” بيت بلا جرس ” تحاول يده  المتعبة أن تدق .

أدخل يا صديقي ، فبابي لا يبات الا مفتوحا ، أمواج صوتها ركبت أمواجا أخرى كان يعرفها كان يسمعها .. الى أن عرف الجواب ( موسيقى The Mother – Richard Klayderman) 1  في الطبيعة العنصر الأكثر توفرا ، هو العنصر الأكثر الفة فكان الكلام . الكلام المرصع باللؤلؤ والمرجان .والآن يا صديقي جاء دوركم لكي تعينوني ، ما من اكتفاء بكلماتي ، فلنشعل الأنوار في خبايا النفوس ولنستعد الأجنحة ، لنرى ما رأى ولنسمع ما سمع .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

Richard Klayderman1 : عازف بيانو متميز برهافة الحس التي لا توصف

ولكم أيضا أن تمكروا كما مكرت، وتتحايلوا كما تحايلت لتغدو القصة أيضا .
هي كالسرو في الغابة ، بعلم الأرقام  المحدودة هي متقدمة متقدمة جدا في العمر ، ولكن بعلم الطبيعة بسحر الطبيعة هي سحر في الغابة . السرو الذي يزداد جمالا على جمال كلما تقارب مع السماء . لها طول روحي ، جذور سماوية فسيحة فسيحة أكتافها فارتاح ، للكلام قنوات فعرف وعرفت بواطنه رمى ورمت القشور التي غلفته فبان الصفاء .

” الطبيعة الوردية للكمثرى والخوخ تنبعث من الشجرة الواحدة بفرح يماثل فرح كل أشجار البساتين وهي تضج بالنحل ” .

ولكن أيها الانسان كم أنت مبعد ناء عن حقيقتك بأنك الأسمى ، سمع الحكمة ثم خالفها ، نسي الكلمات التامات ، نسي مثلما ينسى الطائر قش عشه الأول ، ذاك العش الذي بني قشة وراء قشة .

ياقماري

ابني عشك يا قماري قشة قشة

علمينا كيف على الحب دارنا ينشأ

رغم العواصف

برضه واقف

ما فيه رعشة

علمينا يا قماري سر المحبة

وكيف تبنين يا قماري من قشة جنة ؟

وكيف تخلي الحب دوام فوق المظنة ؟

وكيف نهلنا …. ؟

علمينا يا قماري سر الأغاني

أهي نجوى أم دعاء أم أماني ؟

أم  نداء لحبيب ليس دان ؟

أم حنين ودعابة ؟

أم صلاة مستجابة ؟

أم … ؟

وحبيبك هل غاب يوما عن ميعادك ؟

هل قضت الليل ساهرة ؟

ودموع خديك ظاهرة ؟

وضياء عينيك عطشى ؟

( شاعر سوداني )

بعدما أشرقت زواياه بالبهجة وعاد الانشغال بمسائلة، يصحو صباحا مستعجلا متفحصا مواعيده من بين أنغام موسيقاه الأثيرة لديه ( The Mother ) يأتيه هاتف يدعوه لزيارة صديقته الطيبة . فزع أي انسان يفزعه قصوره الذاتي عندما يأتيه صارخا مصنفا . لا مكان للتبرير تدعوه للزيارة ، منذ متى انقطع عن زيارتها ،ما من تذكر لذلك ترتد نظراته عن طاولته  التي خلت من الأدوية ، يداهمه مشواره الأول المضني ، ها هو يصعد درجات منزلها طائرا محلقا ، هو يفتح بابا مفتوحا ، يبحث عنها ،  فهي اما الجالسة على كرسيها المفضل باتجاه النافذة المشرعة ، أو أنها الواقفة لترتيب مزهرية ما خلت ، ينظر الى ” ركوة القهوة ” فيعاوده طعم المحبة .

يأتيه صوت من الداخل ، انها في غرفة النوم ، لم يقابلها قط في تلك الغرفة ، نائمة في السرير ترتدي قميص نوم أبيض يلفها شال متمسك بالألوان كل الألوان ، يحاول أن يضع اعتذاراته كسلة ممتلئة بين يديها ، لكن الفضاء ما كان يسمح .

 

أعقل الناس أعذرهم للناس

 

قالت :

كنت الريح المتوهجة ، كنت العاشقة المعشوقة .

تجملت بأعذب الكلام الذي قيل لي ، تنتشي ذاتي من ذاتي  . أعيش سكرة  المشاعر لا المشاعر بحد ذاتها ما عرفت ما عشت ما توخيت الا ذاتي .

الى أن كان ، أن حملت بذوري يوما لأرضه ، اتخذت من عالمه جذورا لي ، تنامت أوراقي معه ، عندها بدأت أعي ولو  قليلا معنى عطاء الثمار ، هجرت ، كان هجرانه هجرانا لروحي ، تضاءلت حتى بت كالمرآة المهشمة، أنزوي في الأركان لا أطيق المدى .

ثم كان ما كان ….

وحيدة أراقب قنوات الحزن بأعماقي …..

يد وضعت على كتفي ، تقول لي : ما يزال في الدنيا متسع .

دخلت القلب الواسع الممتد الذي أخذني الى الدنيا ليعلمني معنى المعاني . ” فمن اتسعت لديه الرؤية ضاقت العبارة ” (1).

شجرة الصندل هي لحافة الروح … شجرة الصندل هي صانعة كلماته . تغيرت يا صديقتي، فنحن نحتاج الى الكثير ، الكثير من الحب لنستطيع أن نغير ونتغير . كانت شجرته التي تنمو وسط الغابات غير المرئية تورد كلامه بالمعاني التي تنمو بها الأرواح ، فذاك التآلف بين جذورها مع جذور النباتات الأخرى بمحبة هو ياسمين حديقته .

الى أن آن الأوان لجذور الصندل أن تتخذ من الريح مسكنا ، كنت مثلك الآن  أجلس في قبالته  وهو في طريق العودة ليهديني لوحته المرسومة بتضاريس المعاني . …

يا صديقي أضف سنوات الحياة الى الحياة … أضف فرح الحياة الى الحياة . كنت لي فرحا مثلما كنت لك بعضا من دواء …. كان فنجان قهوتنا غبطة وامتدادا .

رويدا رويدا… أصبح كلامها ماء غمر المكان ، غمر الزمان. قيل فيما قيل ولم تكن أقاويل ، انه عندما غادرها كان يحمل لوحة بيد ويقبض باليد الأخرى على حفنة ماء ، فامتلك القدرة السحرية في التقاط الذبذبات الحزينة … فلا يرى الا حاملا  لوحته مسرعا متلهفا  ليكسب بعضا من ماء الكلام في الكلام .  ثم يا أصدقائي ولم تكن أقاويل ، ان تلك اللوحة عندما تحررت من قيد الاطار ، تمسكت بها يوما أشجار اللوز ثم استدارت … الى أن هرعت سحابة بيضاء لتكون في المكان … ثم غابت ، جاءت التلال لتلحقها البحار ، الأشعار ، الحكايا ، الى أن استأذنت ابتسامة بيضاء كل الكائنات ، فكان ما يجب أن يكون .

(1) ” فمن اتسعت لديه الرؤية ضاقت العبارة ” : مقولة للنفري .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات