ثقافتان تحت سقف واحد: أبي مصري وأمي كورية!

01:56 مساءً الجمعة 13 ديسمبر 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

إيناس هشام محمد رشاد (إيناس لي) طالبة في كلية الدراسات العليا للترجمة بجامعة هانغوك للدراسات الأجنبية، قدمت رؤيتها في مجلة (كوريانا) الفصلية عن الاختلاف بين المجتمعين الكوري والعربي:

تختلف الثقافة العربية كثيراً عن الثقافة الكورية. ويمكن القول أن هذا الاختلاف يرجع إلى إختلاف منبع هاتين الحضارتين. فالثقافة العربية متأثرة إلى حد كبير بالدين الإسلامي بينما تأثرت الثقافة الكورية بالكونفوشيوسية والبوذية وما يحيط بها من ثقافات آسيوية أخرى. وبالنسبة لي، فقد عشت في بيت تجري فيه ثقافتين مختلفتين ومتناقضتين وذلك بسبب ولادتي في مصر لأب مصري وأم كورية ولذلك أود أن أقيم مقارنة عامة بين الدول العربية وكوريا في بعض الأوجة التي يمكن أن تثير اهتمامنا. 

المائدة الكورية يتوسطها ملك المخللات، الكرنب الحرّاق أو ما يعرف بالكيمتشي

أولاً المأكل
الطعام في كوريا يعتمد بشكل رئيسي على الأرز المسلوق والمخلل الكوري المكون من الكرنب الحرّاق أو ما يعرف بالكيمتشي. فغالباً ما تتكون قائمة الطعام الكورية من أعشاب وخضروات موضوعة في أطباق صغيرة بجانب الأرز ومختارُ من الشوربة. لذلك فالأطعمة الكورية مفيدة للصحة وسهلة الهضم لأن مكوناتها لا تتضمن أية عناصر ثقيلة مثل السمنة ويحرص الكوريون على تناول الوجبات في مواعيدها فوقت الغداء والعشاء مُقدس للكوريين.
من أكثر الأشياء التي تلفت الانتباه هي كمية التعدد والتنوع الموجود في الأطعمة الكورية فمثلاً عندما أقابل أصدقائي الكوريين فهم يسألونني «ماذا تريدين أن تأكلي اليوم؟ ياباني أم صيني أم كوري أم إيطالي؟»وهذا لا يشير فقط إلى التنوع بل الوفرة أيضاً حيث إن الطعام الكوري والياباني والصيني موجود في معظم مناطق التسوق بسيول.
ومن أشهر الأطعمة الكورية التي أود أن أقدمها لكم هي البيبيمباب الكوري. فالبيبيمباب مكون من أرز أبيض سادة وعليه مختلف أنواع الخضروات مثل الخس والجزر والسبانخ والكوسة والمشروم. يتم تقليب الأرز مع صلصة الفلفل الأحمر ليعطي طعماً حراقاً وهو ما يتسم به معظم الطعام الكوري. البيبيمباب جميل المظهر حيث يحرص الكوريون في إعداده على وضع كميات متساوية من الخضرة في صورة دائرية متاوزنة ولسهولة أكل البيبيمباب وفائدته الغذائية العالية فهو مشهور لدى الركاب في الطيران الكوري ويحظى بكثير من الإعجاب لديهم.
مثلما يقول المصريون «أكل ملح وعيش»فهذه المقولة تنطبق أيضا على الثقافة الكورية حيث يحرص الأصدقاء والمقربون على تناول الوجبات معا فغالبا ما يحب الكوريون تناول الوجبات مع المحببين لهم فيشاركونهم الأفراح والأحزان من خلال الحديث الذي يعم عند تناول الوجبات. وقلما ما يتناول الكوريون وجباتهم بمفردهم فهم يفضلون الأكل معا في معظم الأوقات.
لطعام في الدول العربية يعتمد أساسيا على الخبز العربي الطازج فالخبز لا غناء عنه في الوجبات العربية حتى ولو كان هناك أرز. وعلى الرغم من اختلاف الطعام قليلاً من دولة إلى أخرى فالطعام العربي دسم إلى حد ما لما يحتويه من مكونات عالية السعرة الحرارية حيث يتم طبخ معظم أنواع الخضروات بالصلصة في سمنة أو زيت. فالسمنة البقرية والزيت تعطي للطعام نكهة معينة لا تأتي من غيرها في مختلف الوجبات ولذلك فالطعام العربي أكثر إشباعا بكثيرعن الأطعمة الكورية.
ومن أكثر الأطعمة المحببة إلى قلبي في الدول العربية هي أصناف اللحوم سواء أكانت بقرا أو فراخا أو ضأنا. فالعرب يتقنون شواء مختلف أنواع اللحوم لتؤكل مع الوجبات الرئيسية أو تؤكل في ساندويتشاً أو كفطائر. وأشهر ما نجد هو الشاورما الذي يتكون من لحمة ملفوفة في عيش أبيض طازج أو الكباب والكفتة المكون من تشكيلة متنوعة وشهية من لحم الضأن أو الدجاج.
و العرب بما أن معظمهم معتنق للدين الإسلامي فهم لا يتناولون لحم الخنزير لأنه محرم عليهم وأيضا واجب على المسلمين تناول الأطعمة المذبوحة الحلال فقط. وهذا مختلف تماما عند الكوريين الذين يعتمدون على الخنزير كمصدر مهم للحوم.
دخلت مختلف المطاعم الأجنبية الدول العربية وقائمة الطعام التقليدية مكونة من المشهيات مثل السلاطة والشوربة وبعد ذلك تُقدم الوجبة الرئيسية من الخبز واللحوم. والعرب أيضا يحبون تناول الأطعمة الغنية بالسكر. فالحلويات الشرقية سواء اكانت بسبوسة أو كنافة أو بقلاوة عادة ما يتساقط منها العسل والسكر.

الأزياء التقليدية الكورية الجنوبية، طوابع صدرت في 1973

ثانياً الملبس
كان الكوريون محافظين في لباسهم قبل فترة من الزمن ولكن مع تأثر الكوريين الشديد بالثقافات الغربية المتفتحة فقد بدأت ثقافتهم تتغير شيئاً فشيئاً. مثلاً في عهد الرئيس باك جونج هي كان هناك قانون  يمنع السيدات من ارتداء التنورات القصيرة. ولكن ما نراه الآن في ملابس الشابات الكوريات مختلف تماما عن ما كان عليه من قبل. فقد اشتهرت موضة الشورتات القصيرة جداً المسماه «بالميني»ومازالت تزداد هذه الشورتات قِصَراً مع مرور الوقت. فلا تكاد ملابس الشابات تغطي أجسامهن وهذا ما يسمى بالموضة. وكثيراً ما نرى هذه المظاهر عندما نستخدم وسائل المواصلات العامة.

للبنات التنورة تصبح أقصر

وما يثير القلق أن هذه الموضة أصبحت سارية أيضاً بين طالبات الثانوية بكوريا. ففي بعض المدارس يُقصر الطلبة من طول التنورة لتصبح أقصر وهذا يلفت انتباه البعض بسبب صغر عمر الطلبات وعدم التزامهن باليونيفورم(أي الزي المدرسي) المخصص لهن. ولهذا أعتقد أنه يجب على المدارس أن تشدد على الطالبات لكي يلتزمن بمظهر مناسب لعمرهن.
على الرغم من تأثر الثقافة الكورية الشديد بالثقافة الغربية فإن معظم الكوريين سواءً الرجال أو النساء كثيرا ما يهتمون بمظهرهم. فيحاول الجميع اللبس على حسب الموضة وبأناقة شديدة على قدر إستطاعتهم. كما تنفق السيدات الكوريات الكثير من الأموال على مستحضرات التجميل بجميع أنواعها ولذلك فإننا نجد أن سوق مستحضرات التجميل في كوريا متقدم جدا لما يضمه من كم هائل وأنواع مختلفة تناسب كل بشرة وتُستخدم أكثر من ثلاث مرات يوميا في بعض الأحيان.
فعلى العكس من بعض الدول الغربية فالكوريون يعلقون كثيرا على مظهر الآخرين فيقول البعض «شكلك مُتعب اليوم أو لماذا ارتديت نظارتك اليوم فشكلك أحلى بدونها، أو ارتدي عدسات النظر بدلاً من النظارة فهي تليق عليك أكثر». فمثل هذه التعليقات يمكن أن تعتبر مُهينة لبعض الأشخاص في الدول الغربية لأنهم يحرصون دائما على عدم التدخل في الحرية الشخصية للآخرين ولكن في كوريا الموقف معاكس لذلك حيث يعتقد البعض أن هذه التعليقات تعبر عن الاهتمام وحسن النية فلا يمانع معظم الكوريين من هذه التعليقات إذا كان المعُلق قريبا منهم.
ومن المثير للحزن أن هذا الاهتمام الكبير بالمظهر الخارجي سواء أكان لبساً أو شكلاً قد أدى إلى زيادة عدد عمليات التجميل والإقبال عليها بين الشابات والشباب. حتى المُتقدمات للعمل في بعض المجالات يحرصن على القيام بعمليات التجميل للحصول على الوظائف المُرادة. ولكن هذا أثّر بالإيجاب على الاقتصاد الكوري حيث ازدهرت سياحة التجميل وتوافد عدد كبير من الأجانب من الدول الآسيوية على كوريا للقيام بهذه العمليات. وهذا لما يشتهر به الأطباء الكوريون من مهارة وسمعة عالية في هذا المجال إضافة إلى رخص أسعار هذه العمليات.
مقارنة بالمجتمع الكوري فالمجتمع العربي محافظ على ثقافته وعاداته وهذا واضح في ملابس المرأة العربية التي تحافظ على خصائصها وسماتها. فالمرأه العربية غالبا ما ترتدي الحجاب والملابس الطويلة التي تغطي الجسد بأكمله. ولكن يمكن القول إن الحجاب يختلف قليلاً باختلاف الدول العربية ففي مصر على سبيل المثال ترتدي الشابات حجابا ملونا ومطرزا بمختلف الأنواع بينما لا يسود هذا النوع من الحجاب في دول عربية أخرى.
ولكن مع ارتداء معظم السيدات الحجاب، لا يعني ذلك أنه مفروض على الجميع فترتدي بعض الشابات العربيات غير المحجبات الجينز والتيشرت بكل حرية ويحق لها أن ترتدي ما تريد مادام كان غير ملفت بدرجة تلفت بها أنظار المارة أو ما يسبب ضرراً في المجتمع الذي نعيش فيه.
ولهذا أعتقد أن المجتمع العربي نجح في الحفاظ على عاداته وتقاليده إلى حد كبير وهذا الحفاظ لا يعني عدم مسايرة على الموضة أو التأخر عنها بل يعني التأثر بها في إطار محافظ لكيان العرب وطباعهم. فنرى أن المرأة العربية تمارس مختلف أنواع الرياضات مثل السباحة وكرة السلة وغيره وهي مرتدية لحجابها.

 

مجمع للعمارات السكنية، كوريا الجنوبية

ثالثاً المسكن
يعيش أغلبية الكوريين في شقق. وهذا هو الحال في كثير من الدول العربية. ولكن ما يختلف شديد الاختلاف هو حجم هذه الشقق وتصميمها من الداخل. فعلى سبيل المثال تصميمات الشقق الكورية تهتم بفعالية توزيع الغرف على حسب الاستخدام وهذا أهم لهم من مساحة الشقة. فالكوريون يحرصون على تقسيم مساحة الغرف على حسب الحاجة ففي كثير من التصميمات الداخلية للشقق نجد أن حجم الغرقة صغير جداً. ولكننا نجد أنهم يحرصون على إدخال غرف الغسيل للقيام بمختلف مهامها في الغرفة المخصصة لها على سبيل المثال.
فأكثر ما يميز الشقق الكورية هو عدم إهدار المساحة فعلى الرغم من ضيق بعض الشقق نجد أنها تمتلك كل الإمكانيات. وأيضا السمة المنتشرة بين البيوت الكورية نجد نظام التدفئة الأرضي المسمى بـ»الأوندول». هذه التقنية ليست موجودة بالدول العربية لأن جوها دافئ معظم أيام السنة ولكن لا يمكن الاستغناء عن هذه التقنية في كوريا بسبب جوها القارس البرودة في الشتاء. وعلى الرغم من أن كوريا دولة غير منتجة للنفط فمعظم بيوتها مزودة بنظام التدفئة الأرضي الذي يحتاج إلى كثير من الطاقة لتشغيله. وتحصل كوريا على مزيد من احتياجاتها من النفط من الدول العربية.
تتسم البيوت في الدول العربية بالسعة فنجد أن هناك مساحات كبيرة بين الغرف غير مستغله لشيء معين. فنجد غرفة الضيوف مختلفة عن غرفة الطعام وغيرها مثل غرفة الجلوس التي يقضي فيها أفراد العائلة معظم وقتهم. فنجد مساحة الغرف في البيوت العربية أكبر بكثير منها في كوريا وحتى ولو كانت هذه المساحة زائدة عن حاجة أفرادها. فالعرب لا يعطون أهمية كبيرة للكفاءة مثلما يفعل الكوريون بل يعطون أهمية أكبر للراحة.
أخيراً، أتمنى لكل من الجتمع الكوري والمجتمع العربي الدوام في الازدهار والتقدم ولكنني أود أن يكون هذا التقدم مصحوباً بالحفاظ على الكيان والثقافة التي تميز كلا المجتمعين. فبدون تلك الهوية لا وجود لخصوصيتنا الثقافية في عالم اليوم…

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات