نجوى الزهار تصدر روايتها: حمام القرماني

01:03 مساءً الأحد 29 ديسمبر 2013
  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

صدر للكاتبة نجوى الزهار عملها الروائي الأول (حمام القرماني) عن دار الفارابي في بيروت. الكاتبة الأردنية، السورية المولد، تعمل منذ أكثر من 12 سنة بالعمل التطوعي في مركز الحسين للسرطان، كما تعمل مع الأطفال الذين فقدو نعمة البصر منذ 4 سنوات، ضمن مشروع ذوي البصيرة. تكتب الزهار وتنشر في عدة منابر منها مجلة (العربي) و(آسيا إن)، ومن أجواء (حمام القرماني) نقرأ السطور التالية:

الكاتبة والرواية

( سوق ساروجة )

الطبيعة لا تخطئ أبدا . نحن الذين نخطئ ، عندما لا نعتمد قوانين الطبيعة في أرواحنا ، عقولنا  وأيضا سلوكنا . الأشجار المتناهية في العلو يفرحها أن تكون ملاذا آمنا لعشب متناه في الصغر .

ها هي سهول  دمشق ما تزال تزهو بهذا الاخضرار الناطق بحكايات الجمال .

ذهبت لدمشق ، للتواصل مع أمي ، مع سهول دمشق ، مع أشجار اللوز ذات البريق المشع . ذهبت في محاولة ، وأنا أعي تماما بأني لن أستطيع أقناع أمي بمرافقتي ولو لحين.

لن أغادر يا ابنتي ! لن أغادر ! فلقد غادرنا يوما ما بيتنا في حارة القرماني ، غادرنا سوق ساروجه ، ولن أعيد ذلك مجددا .

ما يزال بيتنا القديم في حارة القرماني ، في خاطري ، وعلى لساني . كل البيوت اللاحقة هي جزء من ذلك البيت .

ولا أزال بل ما يزال كل أهل حارتنا إلى الآن في دهشة واستغراب وألم . كيف كان ذلك ؟ ولماذا ؟ . ” يجب إخلاء البيوت بتاريخ محدد . فالهدم سوف يبدأ بساعة محددة . على الجميع تفهم ذلك . الإدارة ليست مسئولة عن الذين يرفضون مغادرة منازلهم . هناك خطة لتنظيم المنطقة وسوق ساروجه جزء من هذا التنظيم ” .

تلك البيوت تحكي مشوارنا في الحياة . بصمات  الغائبين بأجسادهم ، الحاضرين بوجودهم بين ثنايا الغرف .

عاد بيتنا مجددا ، فيما بيننا أمي وأنا . استعادت حجارته أماكنها . ركضت المياه للبحيرة المتوسطة ذات النوافير العالية  . تلك البحيرة … التي طالما نامت أشعة الشمس على سطحها وكذلك انعكست أنوار القمر عليها ، فكان أن شربنا مياه مزوجة وممتزجة بمذاق الشمس والقمر .

عادت الغرف بأسمائها غرفة وراء غرفة …. تحكي حكايتها وحكاية من زاروها . المربع البراني(1) المربع الجواني(2) الصاليه(3) الدهليز(4) المشرقة(5)  الطيارة(6) غرف النوم المطبخ  الأدراج الأمامية  الأدراج الخلفية .  كل غرفة لها دور محدد .

أزهرت أشجار البرتقال الليمون والكباد، فكان ذاك الشذى الذي يحتاج إلى معجم لوصف كبرياء انتشاره . أطواق الياسمين من الياسمين الأصفر  الأبيض  والبنفسجي التي كنا نحيكها ياسمينة وراء ياسمينة لتطوق أعناقنا .

تلك الجدران التي كانت تتزين بآيات من القرآن الكريم  ، تلك الآيات كانت بخط جدي رحمه الله . تلك اللوحات القرآنية كانت الأغلى على القلوب . ما يزال صوت  جدتي الباكي الحائر  . أي بيت جديد ؟ أي بيت له جدران مثل هذا البيت ؟ أين أضع لوحاتك يا صبحي ؟ .

بكت اللوحات النادرة ذات الخط الجميل . بكت مكانها بكت شوقها لحبرها الممزوج بأثير هذا البيت .

كنا نزهو بأن جدنا رحمه الله كان قد حصل على جائزة معرض دمشق الدولي بصناعة الخطوط العربية . يا بيتنا الدمشقي ، يا حارتنا التي هي امتداد  حقيقي لكل البيوت .

فالحكواتي الذي كان يسرد قصص الوفاء والحب والشجاعة ، كان يشعل أحلام مستمعيه بكل معاني الزهو  والكبرياء. بائع الفول على باب الحارة ، ما من غاية لديه إلا أن يكون صحن الفول لديه هو الألذ طعما ما بين كل الحارات المجاورة . ذاك الحمام الذي كان يحدثنا عبر مياه ساخنة   ،   صابون الغار وكاسات القرفة .

إن البيوت كل البيوت أيا كان طولها أو عرضها ، أيا كان مكانها هي أوعية للحنان . إن البيوت كل البيوت هي  حكمة بحد ذاتها . فالحب والعطف يسري من القلوب إليها، وهي أيضا تحتفظ من خلال جدرانها  أسقفها أرضياتها بذاك الحنان لتعيده مجددا .

إن البيوت كل البيوت هي التي نتعرف فيها مبكرين على طعم الماء  ملمس الماء رائحة الماء . وآه يا منازلنا .

                     ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطبيعة لا تخطئ  الأرواح  الخيرة تظل دائما وأبدا ملاذا ، فكان لابد لي من اللجوء إلى مقام ابن عربي . ذاك المقام هو أيضا مساكن للقلوب الحائرة المتألمة . دخلت الحارة التي يتوسطها المكان . فاسم الحارة هو أيضا         ” الشيخ محي الدين ” .

حارة ضيقة جدا بها كل شيء . بائعي الخضروات ، الأجبان والألبان ، اللحوم المخللات، الكتب ، المواد التموينية ، الملابس . كل بائع يتخذ مكانه فاسحا المجال لغيره .

الخضروات والفواكه في هذه الحارة لها سحر خاص . البائع هناك يرتب خضرواته بأشكال جمالية ، أهرامات من البندورة ، ضمم  البقدونس على ترتيب متوازن مدروس ، يرشها البائع بالمياه العذبة لتظل على نضارتها .

المكان هو المكان الذي طالما عرفته . البائعون ما يزالون في أماكنهم .ولكن أين الأصوات ؟ أين الغناء ؟  أين تلك المفردات الجميلة التي تصف ما لديهم؟ أين تلك الدعوات للمارين للشراء ؟ . أين بائع السكاكر الذي يسمي كل قطعة باسمها . هذا قبقاب  هذا برنجي  هذه كازوزه هذه فجلة هذه حب العزيز . أين ابتسامته ورضاه مما لديه من بضاعة ؟ هذا صمت مطبق ولكن به كل الكلام كل  الكلام .

التجأت إلى المقام . واستأذنت باختيار زاوية لي ما بين هؤلاء السيدات العظيمات . أكان صوتي قد غادرني  أم أنه أصوات قادمة من عوالم ابن عربي ؟ ولكن ذاك الصوت الجميل الهامس من أم لابنتها : أكتبي يا ابنتي  أكتبي !  يا  ألله   الفرج  صبر جميل   بالله المستعان . ثم اكتبي دعاء لجارتنا ، بأن تتخطى لوعتها وحزنها على ابنها . همست الطفلة سأكتب يا أمي  ولكن كم من الأوراق لدينا ؟ .

فتحت عيوني ثم قلت لها : هل تستطيع الكتابة لي أيضا ؟ . نظرت الأم يعيوني . قالت العيون مقالتها  . . بكت العيون ذاك الحزن اللاصق على جدران القلوب . همست مجددا لتلك الطفلة : أكتبي لي أكتبي لي :

بسم الله الرحمن الرحيم . يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون . صدق الله العظيم .

1-  المربع البراني : أول غرفة بعد الدهليز لاستقبال الضيوف من الرجال.

2-  المربع الجواني : هي غرفة معيشة العائلة .

3-  الصالية : الغرفة الأوسع لاستقبال الضيوف في فصل الصيف .

4-  الدهليز : ممر طويل في بداية البيت .

5-  المشرقة : هي تقريبا السطح وعلى حواليها يزرع العنب بكل الوانه واشكاله .

6-  الطيارة : أعلى غرفة في المنزل للإقامة فيها في فصل الشتاء .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات