روميو وجولييت: قصة حب مات بطلاها.. ولا يزالان على قيد الحياة

08:46 صباحًا السبت 4 يناير 2014
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ما أجمل قصص الحب الخالدة، وما اشد تاثيرها فى الناس، خاصة الفنانين، يحاولون أن يجسدوها إما فى صورة لوحات أو أفلام أو مسلسلات درامية وإذاعية، وحكايات شعبية.

وإذا تابعت هذه القصص التى يحبها الناس فسوف ترى أن أغلبها يدور حول قصص الحب المستيحل يدفع ثمنه عشاق شباب، يؤكدون بسلوكهم أن الحب اقوى من الحياة ويختارون الموت، كما أنهم أقوى من الموت حيث تبقى هذه القصص خالدة فى ذاكرة البشر، تتجدد من جيل إلى آخر، ومن فنان إلى زميله.

عندما تتصفح مواقع المعرفة حول هذه المسرحية الخالدة روميو وجولييت على النت، سوف تكتشف أن هذه القصة الخالدة التى كتبها ويليام شكسبير عن وقائع حقيقية، قبل خمسة قرون، قد رسمها فى أحسن صورة فنانون عظماء تركوا لنا لوحات مبهرة تعبر عن مشاهد من وقائع غرام الفتى الصغير بحبيبته منذ أن التقاها إلى أن قرر الاثنان الانتحار، خاصة مشاهد اللقاء فى الحفل الراقص، فتولد الحب، ثم مشاهد عديدة منها موت الحبيبين متجاورين، إلا أن المشهد الأكثر شهرة دوما يمثل الشرفة التى التى صعد إليها روميو من أجل أن يشاهد حبيبته وهو المشهد الذى خلد القصة فى التاريخ الدرامى بما يعادل مشهد الانتحار المزدوج، باعتبار أن الشاب العاشق قد اثبت جرأته، وعمق مشاعره، فلم يشعر بأى خوف، وتسلل إلى منزله خصوم اسرته اللدودين، وشاهد ضوء الشرفة وصعد فوق الشجرة، وقفز إلى النافذة وكان اللقاء.. لم يأبه الحب للعداء، أو للخطر، وإنما كان كل هم الفتى هو أن يلمس حبيبته، وأن يلتقيها ولم تكن الفتاة الصغيرة بأقل اندفاعاً نحو حبيبها، وهى تستقبله، ثم وهى تستودعه.

هذا المشهد الرائع رسمه الفنان فورد مادوكس براون فى لوحة رائعة عام 1870 تصور الشاب وقد تمكن من الصعود إلى شرفة فتاته عن طريق الأجيال، وقد وضع نصف جسمه داخل الشرفة، وتمكن من تقبيل جولييت فى رقبتهان وقد أبدت استسلاما له، وهى تضع يدها اليمنى على صدره، بينما تغطى الزهور متعددة الألوان الشرفة والافق، وقد عكس الفنان أجواء الغسق بدلا من ظلام الليل كى يعطى لضوء الشمس الغاربة سحرا ملحوظاً، وكان هناك تقارب ملحوظ بين اللون الارجوانى لملابس العاشق الشاب، واضواء الشمس التى تذهب الى النوم.

كما أن الفنان الايطالى فرانشيسكو هايز قد رسم لوحة زيتية على كانافاه تحمل اسم “القبلة الأخيرة لجوييت من روميو” عام 1823 رسم فيها العاشق، وقد تمكن من الدخول إلى غرفة فتاته وحسب عنوان اللوحة فهو يكاد يغادر الغرفة، وقد بدت الفتاة فى قمة اغرائها، كأنها نالت من كاس الحب ما يشبعها، وايضا لعل ذلك يوحى انهما قد صارا زوجين، الا ان اللوحة هى ايضا للشرفة الخالدة، وقد وضع روميو يده اليمنى على باب النافذة مـتأهباً للخروج وقد أغلق العاشق اعينهما يتلذذ بحلاوة التقبل.

أما الفنان فرانكس ديكسى فقد بدا كأنه يرسوم لوحة زميله مادوكس بعد انجازها بعشرين عاما أى 1890، من منظور آخر، أى كأن كاميرا (ريشة ومنظور) الفنان ترى لوحة مادوكس من داخل غرفة جولييت، وقد مد العاشق قدمه اليمنى وارتدى الملابس نفسها، بينما وقفت الفتاة بمنامتها تتلقى قبلة حبيبها، وفى البداية فلعلك تتصور كأنما رسام واحد هو صاحب اللوحتين لشدة التشابه بين اللوحتين.

هذه الاعمال وغيرها، ومنها “المشهد الاخير” تعكس شغف الفنان التشكيلى بهذه القصة العاطفية الخالدة، ولا أستطيع أن أجزم أن مثل هذه الاحتفائية بالعاشقين قد قوبلت بها قصتنا الغريبة “مجنون ليلى” فى عالم الفن التشكيلى، لكن القصة نفسها، واطارها التاريخى، ساعدت الفنان التشكيلى فى أن ينهل من مشاهدها، وايضا ساعدت فنانين آخرين وعلى رأسهم مصمموا الازياء فى تصميم أعمال فنية نادرة واذكر أننى شاهدت باليه روميو وجولييت فى أوبرا مدينة فيلنوس عاصمة ليتوانيا فبدا الى اى حد تنافس الفنانون فى عمل كل مشهد او لقطة كأنك ترى مجموعة من اللوحات الفنية الكبرى.

لا تأتى أهممية تحويل هذه المسرحية إلى افلام سينمائية من خلال العدد الكبير للافلام التى تم اقتباسها فى كل اللغات، بما فيها السينما العربية، بل ان الكثير من هذه الافلام كان وراءها مخرجون بالغو الاهتمام والتميز، على رأسهم جورج كيوكر، وفرانكو زيفيرللى، وكما سليم وبازليرمان وبيتر اوستينوف، وقد تسابق مخرجون كثيرون فى اخراجها، سواء فى اطارها التاريخى القديم فى القرن الرابع عشر، أو فى العصر الحديث، حيث قدمها روبرت وايز فى أجواء مدينة نيويورك المعاصرة فى فيلمه “قصة الحى الغربى” الذى نال العديد من جوائز الاوسكار عام 1962، أما المخرج الاسترالى الأصل ليرمان، فقد صبغ الصراع الذى دار بين شباب العائلتين المتخاصمتين بدموية ملحوظة تدور فى مدينة فيرونا عام 1996 فى الفيلم الذى قام ببطولته ليوناردو دى كابريو قبل أن يقوم بدور عاشق آخر فى  فيلم “تيتانيك” وفى السينما المصرية فإن راضى، قد اقتبس الفيلم الذى قدمه ليرمان فى فيلمه “حبك نار” عام 2004.

مدينة فيرونا

قصة واحدة، حول الحب اليائس المستيحل رأيناها عشرات المرات بصيغات عديدة منها الكوميديا، والاستعراض، وفى كل الحالات فإن القصة الرومانسية تحركت بعبارات شكسبير ومصيرالابطال فاذكر أنه فى فيلم “روميو وجولييت” لباز ليرمان، فان الابطال العصريون كانوا يتلون الحوار الشكسبيرى فى المقام الاول. وفى هذا تناقض واضح بين شاعرية الحوار، وبين عنف الابطال الذين اسالوا دماء بعضهم البعض فوق أسفلت مدينة فيرونا.

مدينة فيرونا هذه شهدت الصراع بين عائلتين من أرقى العائلات، الاوى منتيجيو والثانية عائلة كابوليت “انه صراع أزلى، يعانى روميو من احتياج عاطفى، يتوجه الى حفل تنكرى لعائلة كابوليت حين يعرف أن روزالين مدعوة، وفى الحفل يقابل جولييت ابنة العائلة الخصمة، ويقع فى حبها على لافور، يعرف ابن عم جولييت الشاب تيبالث بالأمر، ويتشاجر مع روميو، إلا أن صاحب الحفل والد جولييت يتدخل لمنع الشجار، يذهب روميو فى الليلة الثانية أسفل شرفة جولييت ونعيش مشهد الشرفة الخالد ويتفقان على الزواج، ويذهبان الى القس ويتزوجهان سرا ، تقرر العائلة تزويج ابنتهم من تيبالث، يموت مرتوسنيو صديق وقريب روميو فى نزال مع تيبالث، يثأر روميو لمقتل صديقه، وينازل خصمه ويقتله ويهرب يحكم على الشاب بالنفى، وتموت أمه حزنا.. فى المنفى يعرف ان جولييت ماتت فى البواء، ويذهب الى مقبرتها، ويبكى عند تابوتها، ويقابل باريس ابن عمها ويشرب السم ويموت لكن جولييت قم تكن قد ماتت اذ هى شربت السم بدون مفعول، تتصالح العائلتان بعد رحيل العاشقين.

وقد تعمدنا أن نوجز المسرحية فى هذه السطور لنرى التفاصيل المتضاربة للاحداث، فقصة الحب المتفانى تنمو وسط اجواء مليئة بالعداء، والكراهية والمنافسات والخصومة، مما اسفر عن زواج سرى، وايضا علاقات سرية وزواج غير مطلوب، ودماء تتناثر ثم هروب ونفى وانتحار يائس، وسوء فهم ادى بدوره الى انتحار مزدوج حقيقى يقوم به كل من العاشقين تباعا.

لا شك ان العاشقة الايطالية قد كانت اكثر ايجابية من زميلتها العربية، حيث ان ليلى امتثلت لابيها وتزوجت من رجل آخر، بينما اكتفى حبيبها بفضها عبر قصائده اما روميو فكان عاشقا ايجابيا، قفز الى الشرفة، ونال ما يريد ثم تزوج.. وفى الوقت الذى رسم الفنانون أجمل اللوحات تعبر عن رومانسية القصة كما سبقت الاشارة، وان كانت هناك لوحات أخرى صورت الصراع القاتل بين شباب فيرونا.. أما السينما العالمية والعربية، فقد استفادتا من مسألة الخصومة بين عائلتين، وهو موضوع موجود فى المدن والقرى بانحاء البسيطة فى كل العصور، ورأينا معالجات سينمائية امتلأت بالتفاصيل حول العاشقين اللذين يعيشان فى قصة حب يغلفها المستحيل، وتحوط بها الصعاب، فكانت النتيجة الحتمية، والحقيقية ان اغلب القصص السينمائية العالمية قد انتهت بموت العاشقين، ابتداء بفيلم اخرجه جورج كيوكر عام 1936 قامت ببطولته فورماشيرر، وسوف نلاحظ أن أغلب من قاموا بأداء هاتين الشخصيتين فى افلام كثيرة كانوا من الوجه الجديدة وكان أصحاب هذه الوجوه ذوى عمر قصير فى السينما، عملوا فى افلام قليلة، ثم اختفوا ليبقى دور كل منهم فى روميو وجولييت هو الأفضل، مثل “اوليفيا هوسى” و”ليوناردو وايتنج” فى الفيلم الذى اخرجه فرانكوز زيفيرللى عام 1968، وهو من أبرز الافلام التى تم تقديمها حول الحب المستحيل فمن تاريخ السينما.

لفتت هذه المسرحية أنظار السينمائيين منذ بداية السينما الصامتة فى اوائل القرن العشرين على يدى الاخوان لوميير، وقد تنافست السينما مع المسرح لتقديم هذه الماساة العاطفية فكانت الشاشة تطل علينا فى فترات متقاربة لتقديم القصة بمعالجات متجددة تجذب المزيد من المشاهدين على مدى الايجال المتلاحقة من المشاهدين، ولعل من أشهر هذه الافلام ما قدمه الايطالى ريناتو كاستللانى عام 1954، فى فيلم حقق الجائزة الكبرى فى مهرجان فينسيا من بطولة لورانس اوليفييه، وكم تغيرت اسماء الافلام، لكن كان كل عداء بين العائلات فى البلاد يقابله حب جارف بين أبناء وبنات هذه الاسر فى افلام مثل “رومانوف وجولييت” اخراج بيتر استينوف، والفيلم الهندى “كايمات” عام 1988، وهو من بطولة اميرخان.

أما فى السينما المصرية فان هذه الوقائع تناسبت مع الواقع المصرى، سواء فى الريف أو المدينة، وشاهدنا القصة ما لا يقل عن سبع مرات منذ عام 1942، حين قدمها محمد كريم فى فيلمه “ممنوع الحب” فى اطار عصرى، وتغيرت الوقائع كثيرا.. حيث قام محمد عبدالوهاب بدور العاشق الذى يخبر اهله انه سيتزوج ابنة الخصوم كى ينتقم من الاهل، بأن يسوفها العذاب، وبالطبع لم تمت جولييت العصرية كالعادة وكما سنرى عام 2004 فى فيلم “حبك نار” لايهاب راضى، وفى عام 1947 قدم ابراهيم المسرحية فى اطار “البدوية الحسناء” كما أن حسين عمارة قدم القصة نفسها فى فيلمه “قصة الحب الغربى” المأخوذ عن فيلم امريكى بالعنوان نفسه، اكثر من المسرحية.. وفى عام 1965 قدم عبدالعليم خطاب القصة بشكلها الدموى فى قصة بدوية تدور فى منطقة “العلمين” وهى معالجة لم يكتب لها النجاح الا ان ابرز ما فيها هو قيام المطرب ابراهيم حمودة بالغناء.

ابراهيم حمودة هو الذى قام بدور روميو “بدر” فى الفيلم الاكثر اهمية المأخوذ مباشرة عن مسرحية شكسبير، فى فيلم “شهداء الغرام” عام 1944، من اخراج كمال سليم الذى بدا مشدوها بالنص فأخرجه فى اجواء تاريخية اقرب الى فيرونا التاريخية وعاد بنا الى عصر المماليك وقد جسدت ليلى مراد هنا دور وفاء “جولييت” حيث الصراع على أشده بين أسرتى الجزار والشريف، وقد التزم السيناريو الذى كتبه المخرج بالنص الشكسبيرى كما حكيناه، فرأينا الحب والانتقام والخصومة، والصراع، واضاف النص من عندياته اغنيات ليلى مراد، ورأينا بدر يهرب من السجن، حيث ينتظر الاعدام بعد ان قتل خصمه، ابن عم وفاء وخطيبها، اما وفاء فان رجلا طيبا يعطيها سما بغير ذى مفعول، كى تموت بشكل مؤقت، ثم تصحو بعد ساعات، ويأتى بدر لاخراجها من المقبرة ليجدها جثة هامدة، وينتحر اعتقادا منه انها ماتت الا انها تصحو لتجد بدر ميتا فتنتحر بدورها، وهكذا يعتبر الفيلم هو الاقرب الى نص شكسبير لكن الغريب ان الفنان التشكيلى العربى لم يرسم هذه اللوحات بالطريقة التى تحدثنا بها فى بداية المقال.

إبراهيم حموده

 

 

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات