تجرُبة دول (الآسيان) مع ميانمار: دروسٌ مستفادة

04:29 مساءً الأحد 5 يناير 2014
أيفان ليم

أيفان ليم

الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

عاملات حياكة من كوريا الشمالية في مصنع للقماش ضمن المنطقة الصناعية الخاصة (أب)

في وسائل الإعلام، حين تُذكر كوريا، في أكثر الأحيان، لا ينظر إليها كشخصية إيجابية. يأتي ذلك عندما تتحول عناوين الصحف للإشارة إلى “التوتر في شبه الجزيرة الكورية” حينها يصبح واضحا انقسام شخصيتها. ثم نبدأ في رؤية صفات كوريا المتباينة مثل كوريا الشمالية والجنوبية فضلا عن جمهورية كوريا (كوريا الجنوبية) وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كوريا (كوريا الديمقراطية).
وبسبب نظاميها السياسيين، وبدءا من كبار القادة وصولا الى الشعب، لم يعتبر الكوريون أنفسهم دولة واحدة وشعبا واحدا، رغم الرابط الموجود بينهما والذي يرجع تاريخه إلى العصر البرونزي (233 قبل الميلاد).
فعلى المستوى الأسري، تشبه الكوريتان زوجا لتوأم فصلتة الظروف الصعبة، وأبعدت أحدهما عن الآخر، مطالبا أن يكون هو الأخ الأكبر، وهو ما يعني، تماشيا مع التقاليد، الأخ الذي يحظى بشرف إدارة شؤون الأسرة، مثل ما حدث في تاريخ السلالات الكورية، ولا يريد أحد المدعين بهذا الحق أن يسمح للآخر بأية ميزة، مما يؤدي إلى نزاعات وخلافات.

مواطنون يرتدون الأزياء التقليدية لدى احتفالهم بافتتاح خط السكك الحديدية بين كوريا الشمالية وروسيا (شينخوا)

هذا يذكرني بالحلقة التاريخية للرومانسية المنسوبة للممالك الثلاثة، التي كان فيها نجلا تساو تساو، ملك وى، يتصارعان لوراثة العرش. ولكون تساو بي الأكبر، فقد ادعى الحق بالخلافة وسعى لقتل شقيقه الأصغر تساو تشي. لكن نداء الرحمة من والدتهما جعل تساو بى يوافق على تجنيب تساو تشى الموت على شرط أن يؤلف قصيدة في المحكمة بينما يعد الآخر من واحد إلى سبعة. وكتب تساو تشى التاريخ بقصيدته الكلاسيكية “سبع خطوات”:

“اثنتان من حبات الفول تغليان بالمرجل،

بينما يبكي أحدهم بصوت عال،

“لقد ولد كلانا من الوالدين نفسيهما،

فلماذا تطهوني بلا رحمة؟
هكذا مس نداء الأخوة الجزء الطيب لدى تساو بي، وانتهت عداوتهما. والمغزى من القصة هو أن القرابة والقيم الثقافية قد تحدث فرقا في أي نوع من المصالحة التي استعصت حتى الآن على الدولتين الكوريتين.
أولا ، كان هناك محاولة كيم ايل سونج للسيطرة على البلاد بواسطة الغزو العسكري . بدا الأمر وكأن التاريخ يعيد نفسه . فمنذ أكثر من ألف سنة في عهد سامكوك ساغي ، مملكة جوكوريو وعاصمتها كايسونج ( كوريا الشمالية ) كانت هناك محاولة لإخضاع الممالك المتناحرة من سيلا و بايك جي . ( في الآونة الأحدث، تتأرجح السيادة فتميل إلى سلالة مملكة جوسون (1392-1910 ) وعاصمتها هانيانغ ، في الوقت الحاضر سيول . ) وهو الغزو الذي أحبطه تدخل جيش الولايات المتحدة وقوات الأمم المتحدة

بفضل تعاون وجهود دول الآسيان أصبحت مياانمار عضوا له مكانة بالمجتمع الدولي. الصورة لزعيمة المعارضة أونج سان في بداية جولات الحوار الوطني من أجل المستقبل تحت عنوان: قيادة للغد (أ.ب)

توأم فرقت بينهما الظروف الصعبة
ثم تم استبدال الخيار العسكري بالسبل الدبلوماسية ، بما في ذلك الاتصالات السرية بين بارك تشونغ هيي وكيم ايل سونغ التي سعت إلى وفاق ردا على التقارب بين الولايات المتحدة و الصين في سبعينيات القرن الماضي. وقد أسفرت هذه المساعي عن بيان مشترك ، موضحا مبادئ توحيد الجهود السلمية المستقلة ، وليس بقوة السلاح وكذلك دون تدخل أجنبي، وتعهد أيضا كلا الجانبين عدم إنتاج اسلحة نووية .
أجواء النشوة الناجمة عن البراعة الاقتصادية لجمهورية كوريا التي يقودها الرئيس كيم يونغ سام لإنعاش آمال توحيد الكوريتين عبر احتواء الطرف الأضعف والأكثر فقرا، انحسرت، بعد أن تبين أنها لا تصلح كبداية نظرا للتكاليف الباهظة المنتظرة كما استقاها من تجربة إعادة توحيد ألمانيا.
ثم جاء بعد ذلك نهج “هبوط ناعم” من قبل الرئيس كيم داي جونج للمشاركة والمساعدة في تحديث اقتصاد كوريا الديمقراطية لتتلاقى مع جمهورية كوريا لتمهيد الطريق لتوحيد.
سياسة كيم للشمس المشرقة، المستوحاة من خرافات إيسوب عن الريح الشمالية والشمس، مهدت لعقد قمة القادة في بيونغ يانغ ومجمع كايسونج الصناعية، حيث بدأت كوريا الجنوبية أكثر من 100 صناعة خفيفة لتوظيف 47،000 عامل كوري شمالي.
هذا، جنبا إلى جنب مع منتجع جبل كومكانغ السياحي وغيرها من المشاريع الممولة من قبل شركة هيونداي، أظهرت لكوريا الديمقراطية فوائد التعاون الاقتصادي، لا سيما في جلب العملة الصعبة سنويا عبر هذه الحزمة من المشاريع.
كما افتتح منتجع كومجانج الطريق لزيارات السياح من كوريا الجنوبية وإعادة لم شمل الأسر التي فرقتها الحرب. ولكن لم تتورع بيونغ يانغ عن تعليق أو إغلاق مصانع كايسونج أو كومكانغ للاحتجاج ضد سيول على موقفها الداعي إلى نزع السلاح النووي.
ومع ذلك، فإن المشاركة مع كوريا الديمقراطية يبقى الخيار الأنجع والأكثر منطقية، كما يتضح من نجاح مجموعة دول (الآسيان) فى فك حصار وعزلة ميانمار. وكانت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى قد اختارت أن تقطع العلاقات الدبلوماسية مع فرض عقوبات ضد الطغمة العسكرية في ميانمار لإجبارهم على تغيير طرقهم.
وفي حين قد يخشى الجنرالات التهديد من تغيير النظام بواسطة الولايات المتحدة، فإنهم لم يخضعوا لهذه التهديدات. ولكن، بالمقابل قدمت مجموعة دول (الآسيان) لهم وسيلة أرقى للخروج من محنتهم، مع السماح لهم بعدم فقدان قبضتهم على السلطة ولكن في الوقت نفسه مع استيعاب الحركة المؤيدة للديمقراطية بزعامة أونج سان سو كي التي، ربما، أخذت مفتاح الحل من جنرال اندونيسيا، سوهارتو، في تقديم الصيغة المدنية العسكرية وبقاء الدور المزدوج للجيش للاحتفاظ بمقاليد السلطة من خلال الانتخابات.
الإصلاحات الانتخابية والاقتصادية المثيرة التي قام بها الرئيس السابق الجنرال ثين سين جنبا إلى جنب مع زعيمة المعارضة داو سو كي جعل من ميانمار عضوًا له احترامه ويمكن على نحو متزايد احتواؤه من قبل الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تجربة الآسيان مع ميانمار تشير أيضا إلى قيمة تجمّع يمكن أن يمرس نفوذه الجماعي بطريقة إيجابية. والبلدان المشاركة مع جمهورية كوريا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في محادثات نزع السلاح النووي قد لا تنتمي إلى مجموعة متماسكة، ولكنها مع ذلك يمكن أن تمارس بعض التأثير على التوأم المنفصلين من أجل مستقبلهما. صحيح، أن كلا منهما قد ينظر دائما إلى إعادة توحيد باعتباره شأنا أسريا لا ينبغي على الغرباء أن يتدخلوا فيه.
كي يكون شعبه على بيِّنةٍ، فإن الرئيس لي ميونج باك، تنصل سياسة الشمس المشرقة، مقابل فكرة المقايضة، بعد أن طرح فكرة فرض ضريبة التوحيد. ومع ذلك، فإن بعض المحللين السياسيين لديهم منظور متغير، يقول بأن ثمنا تدفعه العملاقة كوريا الجنوبية مخصصا للإغاثة العاجلة وإعادة الإعمار على المدى الطويل في كوريا الشمالية قد يستحق الحصول على مشاركة المجتمع الدولي من أجل المساهمة في عملية إعادة توحيد صعبة ومعقدة .
وبعبارة أخرى، فإن وزن الرأي العام الدولي بالإضافة إلى المساعدات الممكنة والمساعدة يقدم معادلة جديدة في عملية إعادة توحيد سلمية، وهو ما يمكن أن يكون عاملا إضافيا مساعدًا لجميع الأطراف المعنية. السيناريو البديل الوحيد هو الحرب البشعة التي تنطوي على استخدام الأسلحة النووية والكيميائية من جانب كوريا الشمالية، تستهدف القوات الامريكية. سيناريو آخر، وفقا للمحللين، هو انهيار النظام. وفي الواقع، يقال إن الولايات المتحدة لديها خطة تنفيذية للتعامل مع الانهيار الكامل أو الجزئي لنظام كوريا الديمقراطية التي قد تؤدي إلى الحرب.

الصغير كيم له ألعابه

الخوف من الصراع على السلطة بعد وفاة كيم جونغ إيل في ديسمبر 2011 قد يؤدي إلى انهيار الأسر الحاكمة فرض لم يحدث، لحسن الحظ. فقد تولى ابنه جونغ أون عباءة أبيه دون الاستفادة من عقدين طويلين من الاستمالة التي وصل لها كيم الكبير. وبالتالي، فإن سحابة من عدم اليقين تظلل المنطقة بشأن عبور كوريا الديمقراطية المستقبل القريب.
لا للصدمة الثقافية
سيناريو إعادة توحيد سلمية قد يتحقق، ويقول البعض، إذا قرر الجنرالات في الشمال سيكون في مصلحتهم العمل مع كبار رجال الأعمال في الجنوب كما فعل كيم جونغ ايل  مع هيونداي وتكتل شركات أخرى.
هناك مكمن الحصاد. على كيم جونغ أون و جنرالاته المضيدقدمًا. ولكن هل  يتنازل عن سلطته من دون قتال؟ الزعيم الشاب بدأ قيادته للتو، وربما تكون لديه ألعاب أكثر وأحدث لتسيير الامور.
الاستفادة من هذه النظرة والدهاء الذي تمنحه تكنولوجيا المعلومات، يمكن  لسيول أن تجعله ينخرط أكثر على مستوى التكنولوجيا. يكون ذلك بالسعي لفتح الأبواب في الشمال. مؤسس شركة هيونداي، تشونغ جو يونغ، دفع برأسمال رمزي قوامه 500 رأس من الماشية عبر الحدود إلى بيونغ يانغ.
في محاكاة فذة له، يمكن لشخص مثل نظيره سامسونج نظيره أن يرغب في تقديم مجموعات من أجهزة الكمبيوتر قوامها 5،000 للطلاب في كوريا الشمالية. إن حراك ميانمار من أجل الديمقراطية لم يتقدم دون طلاب البلاد وغيرهم من المواطنين الذين تبنوا الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان.
مع وصول أفضل إلى الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية، فإن جيل الشباب في جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية سيمكنهم الوصول الى معرفة المزيد حول الكيفية التي يعيش ويعمل ويلهو بها نظرائهم في الجنوب. وعند القيام بذلك، سيكون لديهم مهلة أطول للتكيف للعيش جنبا إلى جنب مع علاقات بذوي القربى  تحت سقف واحد، كما أن ذلك يعني أنهم لن يعانوا من صدمة ثقافية!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات