تياترو مصر .. أنْ تُضِيءَ شمعة

02:00 مساءً السبت 11 يناير 2014
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تياترو مصر .. تجربة مسرحية تستحق التقدير والإلتفات لقيمتها ودورها لاسيما في هذا التوقيت العصيب من تاريخ مصر. فالمسرح كان ولازال وسيبقى مرآة للمجتمع ولكنه والأهم من ذلك يلعب دورا محوريا موازيا ومكملا للمدارس والجامعات في خلق وعي جماعي لدى الجمهور واستدعاء الروح المعنوية الإيجابية لاخلاف, قيمٌ ليست خافية على أحد لا من القائمين على وزارة الثقافة ولا من أصحاب رأس المال من منتجي مسرح القطاع الخاص .

تجربة تياترو مصر هي بمثابة شمعة في ظلام الحياة الثقافية والمسرحية المخيّم على الساحة الآن , قام على تنفيذها نخبة من المبدعين والمنتجين والوجوه الشابة في مجال المسرح وكان النجم الفنان أشرف عبد الباقي هو المفاجأة الحقيقية في هذه التجربة الرائعة .. العرض يُقدّم على مسرح جامعة مصر بمدينة السادس من أكتوبر  وقيمة التذكرة 50 جنيها فقط وهو سعر موحّد , كنت قد سمعت إعلانات عن هذه العروض وقررت أن أذهب إلى أحد هذه العروض المسرحية وبالمناسبة كان الإعلان بصوت الفنان أشرف عبدالباقي …

مشهد من مسرحية : مصر محسودة

فوجئت بالأمس بإذاعة أحد عروض تياترو مصر الرائعة على تلفزيون الحياة حصريا وكانت مفاجأة إضافية إذ كنت أنتظر انتهاء التصويت على الدستور للتوجه للمسرح وكان العرض باسم (مصر المحسودة) , من انتاج (محمدسمير,محمد عبد الحميد, وائل علي) ,قام بالإخراج المسرحي : محمد الصغير ..

 

شعرت بالإمتنان للفنان أشرف عبدالباقي فهو يُقدم مجموعة من الوجوه الشابة الواعدة ويقدّم نموذجا صادقا للمسرحيين المصريين الذين اختفوا تماما وانسحبوا من الساحة بعد ثورة يناير 2011 , بحجة أن الأوضاع غير مستقرة , وكأن المسرح يُقدّم فقط للأثرياء الذين يُمكنهم أن يدفعوا مالايقل عن 300جنيه قيمة للتذكرة الواحدة وأن يستمر العرض الواحد أكثر من خمس سنوات وقد يمتد إلى عشرة !!

 قد يكون ذلك مقبولا واعتراض عليه في أحوال غير تلك التي تمر بها المنطقة العربية كلها ومن ثم لابد أن تختلف التوجهات وتتحول الأدوار , فالنجم أشرف عبد الباقي كان واحد من ضمن الفنانيين المسرحيين الذين قدموا مسرحا للقطاع الخاص ولكنه لم يرتض أن ينسحب ويتخلى عن واجبه ويكتفي بالدراما التلفزيونية مثلما فعل غيره كثيرين وعلى رأسهم عادل إمام الذي لم يُقدم للمسرح عملا مسرحيا واحدا يحمل قيمة أخلاقية, بداية من مسرحية (مدرسة المشاغبين) ووصولا إلى (الزعيم), حتى أن الأسرة العربية في أوقات كثيرة تخجل أن تُشاهد مسرحياته مع أبنائها الصغار واكتفى بتقديم مسلسلات رمضانية يتقاضى عليها ملايين الجنيهات , ومثله مثل أحمد حلمي ومنى زكي وشريف منير وغيرهم , ولكن السؤال المهم : لماذا لم يُقدم عادل إمام نموذجا مماثلا؟ فيخلق به مناخا مسرحيا جديدا ويُقدم عملا يبُث من خلاله قيم الوطنية والتضحية وإعلاء قيمة الأخلاق والمُثل ويحاول ولو مرة أن يقدم عملا مسرحيا يُشارك به في الخروج بالوطن من أزمته العامة التي سيخرج منها بإذن الله لامحالة..

 أما الفنان محمد صبحي فبدلا من أن يخدم الوطن في مجال خبرته ودراسته نجده يُهاجم وزارة الثقافة بأنها لم تستطع أن تضع أجندة أو رؤية ثقافية ويشتكي من ميزانيتها المتواضعة التي يذهب 80%منها  لأجور النجوم !! ويضيف صبحي الذي وللعجب يقود حملة لجمع الأموال لصالح سكان العشوائيات !!! يضيف في حوار له على موقع مصراوي (10 أكتوبر/تشرين أول 2013) :” نحن بحاجة لتأهيل الناس أولا وتقويم سلوكهم فمن ينزل الشارع الآن يضطر لمواجهة الغوغائية المنتشرة. “

 كان الأجدر به بدلا من المزايدات التي لا طائل منها وكأن الدولة بلا مؤسسات ووزارات مسئولة عن إسكان المواطنين وتوفير الأمن والحماية لهم وكما لو هو فقط الذي يعرف صالح الوطن , كان بإمكانه أن يقدم مشروعا مسرحيا يُقدم فيه تجارب فنية جديدة ووجوه شابة ويتنازل عن أجره المرتفع مقابل أن يخلق حالة فنية موازية لتجربة (تياترو مصر) فمصر دولة كبيرة وتحتاج إلى حراك واسع ومتعدد: علمي وفني وأدبي وهو مما لا شك فيه سيساهم في عودة مصر إلى دورها ومكانتها.

 

سيذكر التاريخ من ترك الساحة واكتفى بحصاد الملايين ومن تكبّد عناء المحاولة وقدم للثقافة والمسرح المصري أعمالا وتجارب فنية وإبداعية حقيقية , كانت مسرحية (مصر المحسودة) تكرّس لفكرة أن مصر التاريخ والحضارة هي الأبقى وأنها لا تتوقف عن كتابة سطور التاريخ الإنساني وأن الحضارة الأمريكية الوهمية القائمة على الإبادة والحروب والقتل والتي لم تتجاوز 400 عاما لا يُمكنها أن تكون في مواجهة حقيقية مع دولة كمصر سطرت في تاريخ العالم 7000 عاما من الفكر والفن والعلوم .. وكان النشيد: أحلى بلد بلدي , أشجع ولد ولدي , للفنان العظيم محمد قنديل … ماأحوجنا في هذه الأيام لنماذج كتلك التي قدمها لنا فريق تياترو مصر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات