هل كانت ثورة يناير حدثا سينمائيا سعيدًا؟

12:01 صباحًا الإثنين 20 يناير 2014
محمود قاسم

محمود قاسم

ناقد وروائي من مصر، رائد في أدب الأطفال، تولى مسئوليات صحفية عديدة في مؤسسة دار الهلال، كتب عشرات الموسوعات السينمائية والأدبية، فضلا عن ترجمته لعدد من روائع الأدب الفرنسي.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بعد قيام ثورة يوليو 1952 مباشرة تم الاعلان عن عمل فيلم من تأليف احسان عبد القدوس بعنوان” الله معنا “اخراج أحمد بدرخان يحكي قصة الثورة ورجالها والغريب ان كتابة الفيلم وبداية اخراجه قد بدأ في عام 1952,وسط حماس شديد لكشف الجانب النقي من الثورة, ووسط ألاحداث التالية من الصراع علي السلطة والانفراد بها فان الفيلم لم يعد صالحا للعرض الا في شهر مارس 1955 , أي بعد أكثر من عامين ونصف, حيث تعرضت القصة للكثير من التغيرات الحادة ومنها حذف الدور الذي لعبه الرئيس محمد نجيب في قيادة الثورة , وبالطبع فلو ان الفيلم تم اخراجه وعرضه بعد فترة مناسبة لرأينا عملا مختلفا علي المستوي السينمائي , فهناك فرق كبير بين ماحدث في يوليو الذي يعتبره البعض انقلابا’ وبين خروج هؤلاء الملايين الذين ملأوا المدن وميادينها في يناير 2011, حيث شهدت البلاد العديد من الأحداث الجماهيرية الكبيرة التي لم يشهد المصريون مثيلا لها في الواقع أو السينما او التليفزيون, وبالتالي فان الواقع الذي اندلع في الشارع كان أكثر دهشة واثارة من كل مارأيناه أمام الكاميرات, وقد تعجل الاعلاميون بكافة مسمياتهم وتساءلوا عن دور السينما والدراما التلفزيونية في تصوير يناير وكيف ستكون الصورة السينمائية, وفي العام نفسه عرضت افلام تم انتاجها في أواخر عصر مبارك , وتعمد صناع هذه الأفلام الي اضافة مشاهد اضافية الي أفلامهم للتأكيد انهم صوروا أفلامهم عن الثورة , أو علي الأقل أنهم تنبأوا بها , ومن أبرز هذه الأفلام ” الفاجومي” و “صرخة نملة”, و” الفيل في المنديل”, لكن الأحداث تدفقت بقوة هادرة لم يستطع أحد أن يستوعبها علي الأقل في عمل فني واحد ’ خاصة في السينما , وربما ان الدراما التلفزيونية , وحلقاتها الطويلة كانت هي الانسب مثلما حدث بشكل بعيد تماما عن الواقع في مسلسل”طرف ثالث”. كان الاختبار دوما موجها الي السينما الروائية , باعتبار ان السينما التسجيلية كانت أمامها مادة شديدة الخصوبة لعمل المزيد من الأفلام , لكن سرعة الأحداث لم تترك الفرصة بالمرة للتأمل في هذه الأفلام . وقد حدث هذا أيضا للأفلام الروائية القليلة التي حاولت أن تثبت ان السينما لم تنفصل عن الواقع, وأن الثورة تم تقديمها في السينما بما يعني أن الفنانين قد ساندوا الحدث الكبير , ونظر السينمائيون الي الثورة علي ماشهده ميدان التحرير فقط , رغم أن الثورة تواجدت بشكل قوي في المدن الأخري, لكن أغلب السينمائيين كاوا متواجدين بشكل ملحوظ في ميدان التحرير, وكانت الفرحة حين عرض فيلم ” بعد الموقعة” ليسري نصر الله في أنشطة مهرجان كان 2012

مخرج وأبطال فيلم (بعد الموقعة) على بساط (كان) الأحمر

سرعان مااكتشف البعض ان الفيلم لم يكن بالتجربة الفنية التي ترتفع الي هذا الخضم الواسع من الأحداث , وعرض الفيلم علي الجماهير المصرية علي استحياء, في الصالات, وكانت الأحداث التي يشهدها الواقع المصري أقوي من ناحية الدراما من أي صورة سينمائية, فالأحداث لاتتوقف, حاملة معها كل ماهو صادم ومدهش , خاصة مع صعود التيار الاسلامي بشقيه في المجتمع و مؤسساته السياسية , وقد تم ذلك بشكل ملاييني , وليس بشكل فردي مثلما تفعل الأفلام خاصة الفيلم الابرز حول ثورة يناير وهو” ” حظ سعيد” اخراج طارق عبد المعطي. هذا الفيلم عرض في مارس عام 2012, ولم ينتبه اليه الناس كثيرا , وأعترف انني تابعته علي قنوات الفضائية التي تسرق حقوق الأفلام وتعرضها ضمن حملة مكثفة من الأعلانات حول بضائع استهلاكية بلا أي قيمة , والمشاهدة من هذا النوع تقطع الأنفاس وتفقد حلاوة المتابعة’ لكن سوف يبقي, حتي الآن, هذا الفيلم كواحد من الأفلام التي حاولت أن تقدم الثورة بقدر الأمكان. وتأتي اهم ية هذه التجربة أنها ممزوجة بالكوميديا, كما أن الفيلم من نوع ” بطل واحد فرد” نراه طوال الأحداث, لذا فالاجداث لاتبتعد عن البطل الرئيس الذي نتابعه طوال الأيام الاولي للثورة وحتي عام2141,وهو في هذا الشأن أقرب الي فيلم” ” السفارة في العمارة ” لعمرو عرفة 2006, فالبطل هنا مرتبط بحدث عام , ليست له أي علاقة بالسياسة أو بالأحداث الجارية ويجد نفسه مغموسا في أمور سياسية كبري تدفعه الي التغيير , رغم أن التغير الذي حدث لبطل”السفارة في العمارة” كان أكثر ايجابية ما عاشه المواطن سعيد مع ثورة يناير, حيث أن الآخرين المحيطين به أكثر ايجابية منه , وعلي رأسهم اخته وفاءالمتواجدة مع الثوار منذ اللحظة الأولي, وأيضا الثائر عادل, الذي يصادفه في العديد من الأماكن هذا المواطن العادي جدا موجود في مصر في أغلب أماكنها, فهو يبيع القطع الأثرية المقلدة في منطقة نزلة السمان, وهو فريسة لعنفوان وفسادرجال الشرطة الذين يأخذون منه الأتاوات , ويضربونه بقسوة بعد أن يسوقونه الي القسم .

وقد صور الفيلم كيف يتعامل المسئولون قبل يناير مع ابناء الشعب, فاستمارات العلاج علي نفقة الدولة تذهب الي المحاسيب الذين لايستحقونها, بالاضافة الي معاملة الشرطة, كما أن الفساد مستشر في المحليات خاصة في توزيع الشقق لمن يستحقها من المواطنين حاول الفيلم أن يستجمع أبرز السباب الي دفعت الناس للقيام بالثورة , كما حاول أن يلم الثورة بجميع مظاهرها في عمل فني واحد مرتبط بحركة سعيد في أماكن الثورة سواء في ميدان التحرير أو مصطفي محمود ضمت كافة التيارات السياسية التي تواجدت في الميدان في الأيام الأولي من الثورة , وحتي موقعة الجمل.والسبب الأول لتواجد سعيد في الميدان ,مثلما أشرنا , البحث عن اخته وفاء و الثائرة المتواجدة دوما في الميدان , التي تتعرض للمخاطر رغم أننا رأيناها حالة انثوية وحيدة , فليس معها زميلات أخريات , وهي تتبرع بدمها مثلما يفعل الشباب, وهي تدفع أخاها ليقوم بعمل أشياء ايجابية منها التبرع بالدم , , وقد سعي السيناريو الذي كتبه أشرف توفيق الي لملمة الثورة في ايامها الأولي في عمل يستغرق عرضه علي الشاشة مائة دقيقة, ولذا فان تكثيف الأحداث كان بمثابة مهمة ملقاة علي العاتق, وبدا ذلك واضحا في المشاهد السريعة الايقاع التي يستمع فيها سعيد الي من يمثلون التيارات المختلفة, وهم يشرحون له أفكارهم الأيدولوجية, فيبدو كل منهم صاحب وجهة نظرمقنعة , وذلك في فترة كان أبناء كافة التيارات الفكرية يعملون معا, ومنهم الاسلاميين ,والعلمانيين, والاشتراكيين وغيرهم , وقد صور الفيلم ” سعيد ” أقرب الي الصفحة البيضاء التي تنز عليها كافة الأحداث والأفكار فيجرب ممارستها ثم مايلبث ان ينفصل عنها , الا انه ظل محتفظا ببرائته, ولم يتغير كثيرا , كما أنه لم يعتنق ايا من الأفكار أو الايدولوجيات التي تتحرك في الميدان , ببساطة لأنه يتصرف بمنطق أن الايدولجية الكبري لدي المواطن هي جيبه وقضاء حوائجة الحياتية مثل المسكن , كي يمكنه أن يتزوج بمن يحب منذ طفولته, دون أي اشارة الي الشعار الرئيس للثورة ” عيش حرية عدالة اجتماعية” . وقد تعامل الفيلم بجرأة واعتدال مع الأحداث, وأكد انه في عام 2041 سيظل الرئيس السابق مبارك يتردد علي المحاكم . دون أي اشارة تنبؤية عن النظام السياسي القادم , مع الاشارة الي أن هناك استقرارا اجتماعيا, بدليل أن زوجته أنجبت له ثلاثة أبناء هذا واحد من أفلام عديدة يمكن التوقف عندها . ولا شك أن الصورة السينمائية سوف تتغير تماما بعد اسقط حكم الاخوان وقيام الجماهير والجيش بعمل نظام اجتماعي جديد يحتاج الي المزيد من الأعمال الفنية. ومازلنا ننتظر.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات