هل كان يأسًا؟

09:25 مساءً الأربعاء 22 يناير 2014
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

 

صديقاتي   أصدقائي

سلام المحبة   تحية الطمأنينة

هذا النص “هل كان يأسا” هو تجربة حقيقية عشتها , فلقد وجد ذاتي بين أمواج الحزن والياس والذي يطلقون عليه باختصار “اكتئاب”.

الى أن أنعم الله علي بما أنعم , انها رحلة داخل الروح , فاسمعوا روحي كيف تجولتروحي في ثنايا الحزن ولكنها لم تسمح لخلايا اليأس بالتكاثر .

هل كان يأسا

” الصرخة الأولى

 

عندما غادرت رحم أمي ( غلافي الأول ) ،  كان بانتظاري العديد من الأغلفة ، فانتقلت من دفء الى دفء ، تلونت ، تلونت بالوردي ألوان تلك الوجوه الفرحة المستبشرة ، تلونت بالأزرق ألوان ذاك البيت المتناظر ، همسات بيضاء ، لحاف أخضر ، الشمس هي التي تطالعنا من مختلف الزوايا .

لعلها هي التي كانت تدور حولنا، نحن جميعا في  المركز ، من غاب ومن حضر .

الحديث ممتد متواصل من الأمس البعيد الى الغد المتجدد .

تقول جدتي من الصباح :

الدنيا هنا بأسرها لدى كل  الناس ، أليست الدنيا ارضا وسماء ؟ .

لم لا يكون الاكتفاء ؟

ثم أصبحت أرى ما ليس عندي ، لأرى سجينة اسيرة داخل فكري . أدق وأمعن في الدق لكي تذوب معاني الشروق في مياهي الراكدة .

 

” أسقط غلافا “

أصبحت أشتهي ما عند غيري ، لأغدو سجينة اسيرة داخل بيتي .أغلق النوافذ ، أسدل الستائر فالضوء مرتد .

” أسقط غلافا “

ثم أصبحت أنتهك حياتي ، فغاب الايمان عن قلبي …

” سقطت كل أغلفتي “

فقدت عيوني المقدرة على التقاط بذور الشمس الأزلية ، فبات الشتاء باردا قاسيا ، الخريف متناثرا ضائعا . أما الربيع فلا يملك الا صفة الاستعجال .

جسدي غربال منهك لا يهتز الا لدفع متوال من البكاء .

” شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي ” .     الشاعر المتنبي

بداخلي دوائر مائية تتسع وتتسع بلا بؤرة ، بلا مركز .ارادتي كبة من الصوف متشابكة الخيوط ، لا تعرف لها بداية ؟

حدود وحراس  لكل جزء مني ، تناثرت بل بالأحرى تبعثرت بين السرير والسرير .

” حزني ثقيل فادح هذا المساء

كأنه عذاب  مصفدين من السعير

حزني غريب الأبوين ”    الشاعر صلاح عبد الصبور

هذا الذي عندي ، يدفشني ، يبددني فها أنا أنتقي آلام الشعراء ولا أقرأ الشعر .

وماذا بعد ؟ لم كل هذا ؟ لم الكتابة عن ذاك الذي حل بي ؟ .

لا أقول السبب وأكتفي بالمحصول …

أسمع التساؤل ، أشعر بالتململ ، بل من المؤكد القول ما جدوى ما كتبت ان لم نعرف السبب … ما قلت ان لم تشرحي أكثر ….

عند الكتابة يندفع كل ما بداخلنا الى الأعلى ، نصبح كأننا ثوب مقلوب يحتاج الى اعادة … للكلام  رائحة ، طعم ، قوة اندفاع ، قوى استقبال . أما الحرف فيبدو في بعض الأحيان عاجزا عن استقبال تردد اليد التي تخط … فبعض الحروف تريد التحليق عاليا مثل طير يخط السماء ولا يترك أثرا . ثمة حروف يعوزها الاطمئنان في الأمكنة التي وضعت فيها مهما طال المقام ، ولكن سأحاول … سأكون ذاتا تراقب ذاتها الأحزان …

قليلا في الوقت …. فهذا التشويش يغمرني ….

ماذا قلت

أقول : ان النائم لا يعي نومه ، يعي فقط يقظته ، وأنا أيضا لم أع أنني كنت  النهر الى أن تحولت الى بحيرة راكدة .

هل كان تحولي سريعا ؟

هل  كان تحولي بطيئا ؟

أدري أنني ألقيت في مياه نهري الكثير . وأدري أيضا أنه ألقي رغما عني الكثير الكثير . ولكنه النهر المتدفق الجاري . لا تعوز الحكمة النهر ، فالتواصل والتآلف الدائم بين المنبع والمصب . يفيض النهر ويبعد بعيدا ولكنه يظل عاشقا لمجراه .

قالت لي :

خير وبركة . خير وبركة . ثم مأدبة للطعام في هذا الحي . أظن أنها مأدبة غذاء . فالطعام ما يزال يحافظ على شكله ومحتواه ، ثم عاودت الاستمرار في البحث والتنقيب في مكب النفايات ،لا تنقطع عن عملها الا لإرضاع طفلها ،تحمله قليلا ثم تعاود وضعه بالقرب من المكب.

كيف تحول مكب النفايات الى غايات مختلفة ؟ .

 

هل كان تحوله سريعا ؟

هل كان تحوله بطيئا ؟

مازالت بعض الضحكات تتجول في الأعماق . فلقد كان هذا المكب بيتا عائليا للقطط…. أحاديث تدور ، البعض يقف على أعلى مكان للمكب . البعض في الداخل يقفز عاليا اذا ما رمي عليه ما يفوق طاقة احتماله. يزداد العدد أو ينقص تبعا لمنطق الفصول .

مر زمن تزامنت فيه الأيدي ، كل الأيدي …. الى أن حسم موضوع الصراع هذا ، فتراجعتالقطط عن مكان لم يفقد فقط خصوصيته بل محتوياته ……. أيضا

حزن واحد يكفي …..جوع واحد يكفي

أصبح الكلام أسود ، أصبحت الرؤيا سوداء ، للانكسار شظايا ، هل كان أحد بمعزل عنها ؟ . حاولت الوصول الى المنبع ، ثم حاولت أن أنبش القاع ، ثم حاولت أن أستقر في المجرى ، ثم حاولت وحاولت الى أن أصبحت مثلما أصبحت  ” نمور زكريا تامر في اليوم العاشر ” .

شيئا فشيئا تراخى كل ما بداخلي … الى أن فقدت النزعة الحيوية لمواصلة العيش .

 

الحرائق

 

” عندما تندلع الحرائق في الغابات ثمة نوع نادر من الأوركيدا ، تعاود الظهور مجددا

مجلة العربي الكويتية

ترك المطر المنازل ، منازل السحاب ، فاقتربت خطواته ، لتصافح وجه الصباح .

” أمــــــا أنـــــــــــــــــــــا ”

دق متواصل على نافذتي ، نداء سأحاول أن لا أسمعه ، ولكنه المطر ، المطر الذي تنبت به ومعه الأحاسيس  . واقعة أنا لا محالة في بحيرة الذكريات . صوت المزاريب يصدح في أعماقي ، الضحكات تنمو في داخلي ، نحن الأطفال ، أطفال حارتنا ، كنا نتسابق في وضع رؤوسنا تحت المزاريب ، احساس بالرطوبة الايجابية نركض به الى الأحضان …

تنظر لي مليا جدتي ثم تبتسم ، هكذا فعل بك المطر يا صغيرتي ؟

كانت الأسئلة ليست بحاجة الى جواب ….

كأس مع جوز هند ، كستناء تشوى على مدفأة حطب ،أشربه على مهل، وخيالي يدور مع من بقي خارجا من الأطفال …  للشتاء طقوسه ، طعمه ، أغوص أكثر وأكثر .

ثم تأتي رطوبة العفن لاسترجاعي على ما أنا عليه .

ولكن المطر يا اصدقائي … حسبت حساب كل شيء الا هذا، أسدلت الستائر …أغلقت النوافذ … النور محبوس مكبل … سأحاول مجددا الاحتماء بغطائي ، بفراشي ، فهو ملاذي واستجابتي لما أعاني ، وماذا بعد … لقد تبلل به داخلي ….  داخلي به ظمأ، داخلي ذو قنوات مسدودة .

” ثمة محاولة ”

يتحرك الجسد مني باتجاه نافذتي ، يدي المتعبة تزيح الستائر ، بل تفتح النوافذ … يدي المرتجفة تمتد خارجا لملاقاته .

عندما يكون التلميذ جاهزا يحضر المعلم

ترتسم على يدي قطرات المطر , لكل منها محتوى , رغبة , البعض يتمدد , البعض يتلاشى … المزاريب غير المرئية … رحلة من السماء الى الاسطح , الى المزاريب , الى النهر , ثم العودة مجددا الى السحاب.

قناديل من ضوء بيتي , قناديل من الضوء تتدلى من فضاء لا حدود له .

هل خرجت أم أنني وجدت ذاتي خارجا؟

هل أنا التي رأيت ؟ أم أنني كنت المرئية… ؟

كؤوس من نور … استقرت على نبات أخضر صغير … متناه في الصغر …

نبات أخضر يشق المسافة الضيقة بين بلاط المدخل ليصافح وجه الحياة … عملية تفتح وازدهار , لم يدع ذاته تقف في طريقه.

يوم ميلاده ربما سيكون يوم مغادرته , فطريقه هو طريق أقدام مستعجلة لا تبالي أين تدوس , فهو القادر على المتعة , القادر على الالم.

حوار يطوف داخل فكري , مياه تطوف بأعماقي .

ثمة انبعاث يبدأ بطريقة خفيضة وقدسية , ثمة انبعاث لنغمة الاجداد , خلايا الدفء تتحرك في مياهي , لم أعد أسيرة البدن , فلأصرخ صرختي الثانية , لأصرخ فوق كل ما مضى , فها أنا أعاود الظهور مجددا نبتة خضراء متوحدة مع ضفاف نهر متجدد .

ماذا قالت جدتي :

الدنيا بأسرها لدينا , الدنيا هنا سماء وأرض.

ماذا تقولون ؟

لنحتفل بالحياة … فقط … لكونها الحياة .

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات