خالد حسيني: عدَّاء الطائرة الورقية في أفغانستان

06:58 صباحًا الثلاثاء 4 فبراير 2014
د. أحمد الصغير

د. أحمد الصغير

ناقد، أستاذ مساعد الأدب العربي بكلية الإلهيات ــ تركيا

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

غلاف النسخة العربية

عَدَّاء الطّائرة الورقية  رواية جديدة للكاتب الأمريكي / الأفغاني الأصل خالد حسيني ، صدرت عن دار بلومزبري ، مؤسسة قطر للنشر الطبعة الأولى 2012 ، وترجمة إيهاب عبدالحميد . جاءت الرواية في خمسمائة وسبع صفحات ، تتكون من خمسة وعشرين فصلا ، تطرح الرواية إشكاليات المجتمع الأفغاني من حيث الأفكار، والعادات والتقاليد في أفغانستان ، والصراع القبلي بين قبائل الباشتون ( الأفغانية ) والهزارة من أصل منغولى من ذوى الأنوف المدببة ،والجامعات الدينية المتطرفة،  كما تطرح الصراع بين الفكر الإسلامي التنويري ، وبين مرحلة طالبان ، وتؤرخ للاجتياح السوفيتي لأفغانستان ، تنسل بين جنبات الرواية صور ومشاهد ماضوية تحمل آلام الشخصية الأفغانية المسكوت عنها في المجتمع الأفغاني ، تنتصر لمحبة الإنسان وعلاقاته مع الآخرين .

      تبدأ رواية عَدَّاء الطائرة الورقية بمشهد حزين عندما يتصل رحيم خان بأمير بطل الرواية يطلب منه العودة إلى كابول عاصمة أفغانستان ؛ لأمر مهم حتى يُكّفِّرَ عن ذنبه ويصبح رجلا أمام نفسه ، فيقول الراوي : ” في أحد أيام الصيف ، هاتفني صديقي رحيم خان من باكستان  وطلب منى أن أذهب لرؤيته . وأنا أقف في المطبخ  والسماعة على أذني  عرفت أن من على الخط  لم يكن رحيم خان وحسب ، بل ماض مثقل  بذنوب  لم يُكفَّر عنها ” . هذا الحوار الداخلى الذي تولد داخل الذات الراوئية، يشكل في ظني مفتاحا قويا للولوج في عوالم خالد حسيني ، وعوالم أفغانستان بكل ما تحمل من تاريخ وزمكانية موغلة في القدم وماضوية لا تنتهي بل تجدد آلام العالم تحمل، مشكلات اجتماعية ، وطائفية بين قبيلتي الباشتون والهزارة ، وماضي طالبان التي دمرت كل شيء جميل في أفغانستان ، هذا الماضي الذي أشار إليه الكاتب هو مربط الفرس الرئيس الذي تتشكل من خلاله رواية عداء الطائرة الورقية ، الماضي بكل ما يحمله من مشاعر إنسانية خالصة تكون قاسية أحيانا ، وتكون لينة و حميمية في أحايين أخرى ، الماضي الذي لا نستطيع أن نمحوه من ذاكرتنا أو ذاكرة الأجيال والأحبة ، إننا نتحرك داخل عالم مفقود من الذكريات التى نعيش على هوامشها التاريخية .
في المشهد الثاني تبدأ الرواية بعبارة دالة على المستقبل الغيبي فيقول : ” كنت أنا وحسن  ، ونحن طفلان ، نتسلق أشجار الحور  في مدخل دار والدى ، ونزعج جيراننا  بقطعة مرآة  نعكس بها أشعة الشمس  داخل بيوتهم “.
      توميء هذه اللقطة السينمائية السريعة  التي يسترجع من خلالها أمير مدى المحبة التي كانت تربطه بصديقه حسن ، الذي كان يشاركه كل أفراحه وألعابه ويساعده في مسابقات الطائرات الورقية في كابول .
ترتكز الرواية على بطلين أساسين هما أمير جان الراوي ، وحسن صديقه وخادمه ، وسنكتشف في نهاية الرواية أنه أخوه غير الشقيق وغير الشرعى أيضا ، حيث كان والد أمير جان من كبار عائلات كابول وهم يمثلون الباشتون الأصول الأفغانية الضاربة في القدم والعصبية ، ويسيطرون على مقدرات أفغانستان ، والهذارة من الشيعة لا يملكون شيئا في مزار شريف وبنميان ، كان والد أمير رجلا ليبراليا شجاعا ، منفتحا على ثقافة الآخر ، منتقدا رجال الدين الذين يرهبون العامة من الناس والأطفال في المدارس يقول الراوى على لسان الأب:”  أرى أنك  خلطت بين ما تتعلمه  في المدرسة  وبين التعليم الحقيقي.
إذن سأخبرك ، لكن عليك  أن تفهم هذا أولا  ، وأن تفهم الآن يا أمير ، لن تتعلم أي شيء ذي قيمة من هؤلاء البلهاء الملتحين .
هل تقصد المُلَّا  فتح الله خان ؟
أقصدهم كلهم  أتبول على لحى  كل أولئك  القردة مدعى الصلاح
شرعتُ أقهقه  كانت صورة  بابا وهو يتبول  على لحية  أي قرد  ، مدعى  صلاح  أو غيره ، أكثر مما أحتمل .
إنهم لايفعلون  شيئا إلا التسبيح  وقراءة كتاب بلسان  لايفقهونه  حتى أخذ رشفة .
وليكن الله في عوننا جميعا إذا سقطت أفغانستان في أيديهم “

المؤلف في حوار مع رب عائلة أفغانية

تبدو صورة بابا (طوفان خان ) كما أطلق عليه صديقه رحيم خان ، صورة رجل مفكر  ينتمى لروح التنوير العقلي الذي لا ينخدع كثيرا بأقوال الشيوخ الذين يسلطون أنفسهم آلهة مكان الله ، ويرهبون الناس ، كما أنه يتنبأ خوفا ، عندما يقول : كان الله في عوننا إذا سقطت أفغانستان في أيديهم ، صورة الأب هي صورة تفكير الأفغاني الحقيقي الذي قرأ وتعلم وأدرك ماهية الحضارة الأفغانية قديما التي آلت إلى الضياع والشتات والانهيار ، ونلاحظ المنطق الفلسفي الذي يتبناه بابا أمير جان وهو يقول : الآن ، أيًا كان ما يعلمك الملا ، هناك إثم واحد فقط ، واحد فقط، وهو السرقة ، كل إثم آخر سرقة من نوع ما . هل تفهم هذا ؟

لا بابا جان ،
قال بابا: عندما تقتل رجلا ، فأنت تسرق حياة  ، تسرق حق زوجته في أن يكون لها زوج ، تسرق من أطفاله أباهم ، عندما تكذب ، تسرق حق شخص في معرفة الحقيقة  ، عندما تغش  ، تسرق الحق في المنافسة الشريفة . هل تفهم ؟

الرواية وقد تحولت إلى نص جرافيكي

إن حديث بابا جان والد أمير يحمل الكثير من الدلالات الاجتماعية التربوية المهمة التي تشي بأن أقبح الأعمال في الحياة هو السرقة فعل قبيح والله يحاسبنا على هذا الفعل وإن كانت السرقة في مفهومها المجازي هنا التي يعنيها بابا جان تختلف عن المفهوم الحقيقي الذي يتداوله الناس فيما بينهم ، تبرز صورة الإنسان الخالص الذي يدعو إلى المحبة الصافية بين الناس بعضهم البعض ، فلا يسطون على أفكار غيرهم ولايسرقون آباء الأطفال أو أمهاتهم ، ولايكذبون على غيرهم لأن الكذب سرقة في اخفاء الحقيقة عن الآخر . تعتمد رواية عداء الطائرة الورقية أيضا على لغة إنسانية راقية تكاد تقترب من قلب المتلقى فلا ترتكن إلى الغموض أو الانغلاق الدلالي أو المعرفي ، كما أنها تدل على مدى حنكة خالد حسيني في صياغة مشاهده الروائية من خلال ارتباطها بالزمان والمكان والصراع الدموي بين أمير جان وآصف رجل طالبان الذي يعاني من مرض نفسي، وشذوذ جنسي،  وهو كراهيته لقبائل الهزارة التي تنتمي للمذهب الشيعي في أفغانستان ، ومشهد اغتصابه لحسن في حين أن أمير جان أصيب بالجبن ولم يستطع أن يدافع عن صديقه حسن الذي تحمل من أجله الكثير فيقول الرواي : ” وفجأة همس صوت حسن في رأسي : ” من أجلك ألف مرة ومرة ” حسن عداء الطائرة الورقية  صاحب الشفة الأرنبية ”

عَدَّاء الطّائرة الورقية رواية الكاتب الأمريكي / الأفغاني الأصل خالد حسيني تحولت أيضا إلى فيلم

إن الهاجس النفسي الذي تسبب في الألم الذي أحاط بالراوي العليم داخل الراوية هو الذي كان يحركه دون أن يدرك ذلك نحو العودة إلى كابول لإنقاذ سهراب الطفل الذي أنجبه حسن قبل أن تقتله طالبان ، وهو يدافع عن بيت بابا جان وأمير جان ..في كابول . ” جلست على مصطبة فرب صفصافة  . فكرت في شيء ذكره رحيم خان  قبل أن ينهي  المكالمة  ، شيء أشبه  بخاطرة  راودته  يقول رحيم خان: ” ثمة طريقة لتعود صالحا من جديد ”  كانت لدلالة ونفاذ هذه العبارة في عقل وصدر قلب أمير جان أثر غائر في النفس فهي العبارة التي نطقها رحيم خان قبل أن إنهاء المكالمة ، وهي التي أرغمته على العودة إلى أفغانستان لانقاذ الطفل سهراب ، رغم خطورة ذلك على حياته من قِبَلِ طالبان الحاكمة في ذلك الوقت . التي كانت تتهم كل مَنْ فرَّ أثناء حرب السوفيت على افغانستان بالخيانة والعمالة وينبغي قتله والتمثيل بجثته

استفاد خالد حسيني من تراثه الأفغاني في نصه الأدبي

ارتكز الكاتب خالد حسيني على التراث الأفغاني في بنية بعض الكلمات الأفغانية القديمة أو الفارسية التي يتقنها الهزارة من شعب أفغانستان ، وطوَّح كثيرا السرد إلى عوالم سيكولوجية بين الفتى أمير وحسن الذي اكتشف بعد رحيل والده ورحيل حسن نفسه إنه كان أخاه غير الشرعى ، ولذلك كان بابا الأغا ، لايريد أن يترك على وحسن البيت  عندما قام أمير بوضع ساعته في فراش حسن واتهمه بالسرقة .. ثم مرحلة الهروب من كابول إلى باكستان ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية  بحثا عن ملجأ آمن هناك ، وقد التحق الأب بالعمل في محطة بنزين ، والابن بالمدرسة ومنها إلى الجامعة  ، وتعرفهم بطاهر باشا  السياسي القديم وزواج أمير من ابنته ثريا الأفغانية الأصل ، ومعاناة ثريا مع المجتمع الأفغاني الذي يعيش في أمريكا من التلسين والغمز واللمز عليها عندما فرت مع شاب أفغاني وعاشت معه فترة  دون زواج ‘ ثم أرغمها طاهر باشا على العودة إلى البيت .. تنتصر رواية عداء الطائرة الورقية للإنسانية الخالصة ومحبة الإنسان لأرضه وبلاده رغم قسوتها وجحيمها الذي ينتظره ، والفرق بين التنوير والظلام بين الحق والباطل ، بين صورة الإسلام السمحة التي تدافع عن الإنسان بشكل عام مبتعدة عن العنف والقهر والقتل . وتبقى العلاقة المغلقة الغامضة بين أمير البطل وحسن صديقه ( أخاه غير الشرعى ) علاقة تحتاج للكثير من التحليل النفسى الذي سيطر على أمير وفكر في الانتقام من حسن رغم حبه الشديد له وحسن الذي يحب أمير حبا كثيرا ، هذه العلاقة التي تكسر حواجز البوح ، والضياع ، وكأن المحب يريد أن يقتل محبوبه كي ينوح على جسده … .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات