«يبدي من الغيب أسرارا محجبة… كانت مقدرة في سالف القدم».

أبيات شعرية منقوشة على أداة الرمل المعروضة في المتحف البريطاني بلندن، تكون محور حدث يتعرض له عمر الفتى العربي بطل قصة (كاشف الأسرار) للأديبة هدى الشوا.

هدى الشوا وكتابها: كاشف الأسرار

عمر طالب المدرسة الذي يزور المتحف البريطاني في رحلة، يجد نفسه في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، في عام 1241 م وجهاً لوجه مع العالم الفلكي ختلخ بن محمد الموصلي، في وقت حرج من تاريخ الأمة الاسلامية.

«أما أهل بغداد، فالجوع يهلكهم، و مع هذا جباية الضرائب ما زالت مستمرة، و الخليفة لا يدري ولا يعي… إنه غارق في العسل كأنه سيعيش أبدا، ولن يساق مكبلا إلى خان المغول!»*.

رحلة في قلب التاريخ لعمر الذي قاده قدره للانتقال لحقبة صراعات وانكسارات لا تختلف في جوهرها عما يحيط بنا من مخاطر معاصرة بأشكال جديدة، إنها السياسة بوجهها القبيح، ومعها يأتي تحد قديم بين العلم والدجل، بين الحقيقة المجردة ومحاولات تزييفها.

«اختراعاتي كلها في سبيل تطوير العلوم لتحسين حياة الناس، لكننا نعيش في زمن قد أحتاج فيه اللجوء إلى حيل صغيرة لجذب انتباه الرعاة والسلاطين»*.

«المجريطي» من قرطبة الى بغداد يستخدم الشعوذة بعدما باع روحه وعلمه للأعداء واتبع ساحرا اسمه البوني، يغادر «ختلخ الموصلي» للقاهرة خارجا من قصر المستعصم- الغارق بضعفه- لمقابلة الملكة شجرة الدر التي تحيط بها مشاكل الحكم.

«سهام حادة من الشمال من بلاد الإفرنج، جيوش تحيط بنا، ومن الشرق، من بغداد، خليفة لا يقبل بحكم امرأة. وهنا، في عقر داري… مؤامرات ودسائس تحاك للقضاء علي وعلى حكمي».*

القصة مليئة بالاسقاطات الرمزية، مفعمة بروح التاريخ مع طريقة تناول جديدة، محاولة رائعة لتأمل ما حدث وربطه بواقع يتقاطع معه كثيرا.

«ذاك الذي لم يرض بقوم تحكمهم امرأة… لم تكن نهايته أقل عنفا من شجرة الدر يا عمر! كانت نهايته على يد جيوش المغول بأمر هولاكو الذي وضعه داخل سجادة، وأمر برفسه بأرجل خيله حتى الموت!».*

القصة التي تصلح للناشئة والكبار أيضا استخدمت (آلة الأسرار) في سرد مشوق مليء بالأحداث، العلم في مواجهة الشعوذة وتلهف البشر لمعرفة ما يخفيه عنهم المستقبل، السلطة المستبدة التي لا ترى أبعد من موضع قدمها، والتي تحتاج الكثير من السحر والقليل من العلم، مواضيع تتناولها القصة بذكاء.

المتابع لكتابات الشوا يجدها تركت عوالم الحيوان، التي استخدمت فيها التاريخ أيضا. في عملها هذا الإنسان هو المحور الرئيسي وبطل الحكاية، رغم ذلك جاء «فاردين» القرد المشاغب في النصف الثاني من الحكاية.

تمنيت كقارئة لو كان عدد الصفحات أقل بما أنه كتاب للناشئة بالدرجة الأولى، الغلاف لم يأت جذابا كعادة اصدارات الشوا عن دار الساقي والتي تستخدم فيها الأغلفة المبهرة و الطباعة الأنيقة.

هدى الشوا اسم يكتب برصانة واهتمام وعمق للناشئ العربي، كتبها تصدر بعد جهود تبذلها في البحث والدراسة، هل سيكون إصدارها المقبل مستندا أيضا على حقبة مهمة من تاريخنا العربي؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المقاطع من كتاب (كاشف الأسرار) للأديبة هدى الشوا، دار الساقي 2013

Tweet