باليه طقوس الربيع وصدمة العرض الأول: 

أحدثت هذه المقطوعة ضجة كبيرة عندما عُرضت للمرة الأولى في باريس عام 1913 لما اشتملت عليه من إيقاعات عنيفة ولما رُفع الستار فوجئ الجمهور بالمسرح معتما تماما والراقصون يدخلون بملابس جرداء بما يُخالف الإنطباع السائد دائما عن الربيع وبهجته وألوانه الزاهية فإذا به ربيعا قاسيا يأتي للحياة من خلال رقصة الموت !!!

لم يتقبل الجمهور العرض وانقسم بين معارضين كُثُر وبين قلة من المتعاطفين وصل الأمر في ليلة العرض الأول إلى التشابك بالأيدي وتوقف العرض بينما خرج مؤلف العرض الموسيقي (إيجور سترافنسكي) من الباب الخلفي للمسرح وأسدل الستار على العرض الأول لباليه طقوس الربيع والذي وبعد مرور السنين أصبحت موسيقاه واحدة إن لم تكن أشهر عمل فني في القرن العشرين, وأصبح عزفها فخرا للأوركسترا وقائدها واحتلت مكانة كبيرة كواحدة من كلاسيكيات القرن العشرين .

سترافنسكي

إيجور سترافنسكي 1882-1971

المؤلف الموسيقي الروسي العظيم وأحد أكثر الموسيقيين تأثيراً وأكثرهم أهمية , فقد تعلم التأليف والتوزيع الموسيقي على يد الموسيقار الروسي الكبير ريمسكي كورساكوف 1903-1908,وقد اكتسب شهرة واسعة لتأليفه ثلاث مقطوعات موسيقية في فن الباليه وهي :طائر النار 1910, بيتروشكا 1911,وطقوس الربيع 1913 وقد اُنتجت كلها في باريس ,سافر إلى سويسرا عام 1914 ولما قامت الحرب العالمية الأولى اضطر للبقاء هناك أربع سنوات ألف خلالها أوبرا (العندليب)المستوحاة من إحدى قصص أندرسن1914, وأوبرا (قصة جندي) 1918, ولما انتهت الحرب قرر ألايعود إلى روسيا واستقر به المقام في باريس,قدم أوبرا (مافرا)1922,أوبرا (الملك أديب)1927 , حصل على الجنسية الفرنسية 1934ونشر مذكراته الشخصية في كتاب بعنوان (سيرة حياتي).

لما قامت الحرب العالمية الثانية 1939 استقر في الولايات المتحدة التي كان قد بدأ يتردد عليها منذ عام 1936 وألقى سلسلة من المحاضرات في جامعة هارفارد,وحصل على الجنسية الأمريكية عام 1945. قدم أوبرا (مغامرات شاب طائش 1951), والعديد من الأعمال الخالدة العظيمة , زار الإتحاد السوفيتي عام 1962حيث قاد الأوركسترا في موسكو ولينينجراد .

الوجه الآخر للربيع … عبادة الأرض :

 تدور الأوبرا (طقوس الربيع.. صور من روسيا الوثنية) وهذا هو اسمها الكامل في فصلين .

 الفصل الأول /عبادة الأرض :

ويبدأ العرض بمقدمة موسيقية توحي بالخوف وتليها رقصة للشباب والفتيات , ثم رقصة الإختطاف , رقصات المراهقين, ألعاب القبائل , ثم موكب دخول الحكيم ويُختتم الفصل برقصة طقسية مثيرة هي رقصة عبادة الأرض , حيث يتم اختيار ضحية بشرية للأرض حتى يأتي فصل الربيع طمعا في الخصب واستجلاباً للخير .

الفصل الثاني / التضحية :

يبدأ الفصل الثاني بمقدمة موسيقية مميزة كذلك ,تليها حلقة لمراهقين ثم يتم اختيار الفتاة التي ستُقدم قرباناً لآلهة الربيع وفيه يستحضرون الأجداد ليكرسوا طقس التضحية الذي ترقص فيه الضحية حتى الموت .

 تذكرنا هذه الطقوس الروسية الربيعية واستجلاب الخصوبة والنماء باحتفالات وفاء النيل التي كان القدماء المصريون يقيمونها في عهد الفراعنة حيث كانوا يختارون فتاة فائقة الحسن ويلقونها في مياة النيل لتكون عروسا له ويحمل معه الخير ويأتي الفيضان وفيرا فتكون الزراعة والنماء .. إنها أجواء مبهرة مميزة تحمل معها معاني التضحية وقيمة العطاء وأن الإنسان عليه ان يدرك أنه لايوجد حصاد بلا غرس ولا رخاء بلاعمل .

Tweet