لغة الأشياء / أجازة رسمية

05:25 مساءً السبت 8 مارس 2014
باسمة العنزي

باسمة العنزي

روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الجموع تتأهب لما هو قادم، تخرج خططها من الأدراج وتحت الطاولات وأجهزة الموبايل، تتفقد ميزانياتها المثقوبة بالمفاجآت، تأخذ نفسا طويلا، تراجع نفسها، تصطف بلا نظام وراء خط السباق، تنتظر صافرة البدء، ترتفع يد الحكم كي تبدأ الجري وتحطيم الحواجز.

الجموع التي تنتظر وتنتظر وتنتظر لا يهمها النهايات بقدر اقتراب البداية، تتحين اللحظة المشتهاة، الشبيهة بانعتاق رسالة من زجاجتها الغارقة في المحيط، ترصد أمنياتها الصغيرة وقد تحولت لحقيقة، الجموع المعتادة على تدليل نفسها بين حين وآخر، المتهافتة على أخذ استراحات قصيرة بشكل منتظم. الجموع المستهلكة… المتذمرة… الضاجة بضجرها القديم، تنتظر الاجازات والعطل بلهفة من يعمل طوال الأسبوع، تتطلع للأسابيع الملونة أيامها بالأحمر في رزنامات المكاتب، تبقى مصلوبة على جذع الترقب مشتاقة لإجازة رسمية!

الجموع التي تقود سياراتها بسرعة في طرق مليئة بالحفر، تقفز الألحان الصاخبة من نوافذ سيارتها أمام اشارات المرور. من تتردد على المولات الحديثة بكامل أناقتها و ماركاتها المفضلة، من تمتلأ عربات تسوقها بكل السلع، من تشتكي براميل قمامتها من التخمة، من تقدس مرآتها الخادعة و تتجاهل نداء روحها.

الجموع التي تتظاهر كثيرا، تخترع موضتها الخاصة، ترتب قوانينها اللامنطقية وتجبر الجميع على مجاراتها، لها نفس النظرة في قضايا محددة، والنبرة نفسها في نقاشات معينة، الجموع التي تتعذب ان لم تسافر عدة مرات بالسنة، والتي تتألم لو قلت ساعات نومها عن المعتاد.

الجموع المزعجة التي تنتظر الاجازات الرسمية بلهفة، المجنونة بنوم الضحى، السعيدة بغياب الطلبة وخلو الدوائر الرسمية، المنطلقة نحو المنافذ البرية والجوية كسرب جراد، الهائمة بلحظة انعتاقها من روتين الخمول، المراهنة على آخر مواعيد العودة لواقعها.

الجموع المهدورة أعمارها على طاولات المطاعم وخلف شاشات العرض، الباحثة عن لحظة استمتاع مادية، المهرولة نحو شبكاتها الافتراضية، الجموع التي تدس البطاقات الالكترونية وتخزن كروت التعبئة. التي تروي عطشها بالمشروبات الغازية وتردم جوعها بالوجبات السريعة.

الجموع التي تسأم فتبحث عن اجازات مرضية كاذبة، الجموع التي تنتقد الوضع فتغش، الجموع التي تستنكر القوانين فتتجاوزها كحالة استثنائية!

الجموع الرهيبة المتلاشية في بخار أنانيتها، الغارقة في لجة الكسل، المبللة بتناقضاتها، كيف ستكون حياتها بلا المزيد من الاجازات الرسمية؟!

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات