يطرق عبد الله العتيبي عبر اصداره القصصي الأول (النيرفانا أحيانا مغلقة) باب النص المنحاز للرمزية. اجواء جديدة حملها كتابه، الزمن مغيب و المكان أيضا باستثناء نص واحد، الأبطال ينقسمون لفريقين ظالم ومظلوم، متسلط ومسكين، متخم وجائع، كل قصة تحمل اسقاطات معينة وأحداثا متحركة، اللغة مباشرة رغم أنها تحمل الكثير من الأسى.

«نحن بائسون هنا، الشوارع لم تعبد بالشكل الصحيح، قد صنع القدم والماء أخاديد في الوسط، وأصبحت مكمنا للقاذورات، الكتابة على جدران الأبنية أكثر ما يميز هذه المنطقة، وقد تنوعت ما بين شعر وخوف وشيء مما تبقى من الكرامة»*.

الأحداث تدور في أماكن غريبة، ففي (جياع كسقط المتاع) قرية وشاحنات تنقل العمال للحقول المجاورة في موعد حصاد القطن، وفي (خطأ معماري) الرجل الفاسد يشتري قصرا لا توجد فيه فتحات تصريف المجاري، وفي (عود أراك) متهم بلا تهمة يتعرض للتعذيب من قبل رجل الأمن و شيخ دين، وفي (صراع الفضيلة) معلمة بنات في قرية متخلفة تهرب للجبل، أما في ( نزوة ساق مقطوعة) فشاب يخسر قدمه بسبب نزوة لم تبدأ مع زوجة الجار اللعوبة، وفي ( أوراق متهالكة) رجل يقرأ مذكراته في القصر أثناء الاحتفال، وفي (منطقة منزوعة الهدوء) رجل تزعجه ذكريات طفولته مع والده القاسي ذو الملامح الصخرية، وفي( تمتمات ذاكرة) مريض فاقد للذاكرة في مستشفى الأمل عاجز عن معرفة هويته، و في (بطعم النكبة) رجل يقدم زوجته لصاحب القصر،وحدها قصة (منطقة في جوار الفردوس) مكانها واضح عن مأساة أطفال البدون في الصليبية ممن لا يمكنهم دخول المدارس.

قصص المجموعة جاءت متقاربة الحجم باستثناء ( نزوة ساق مقطوعة) كانت طويلة جدا وبحاجة للاختصار. المجموعة ذات الثيمة الواحدة بدت مهمومة بالانسان المسحوق من قبل صاحب السلطة أيا كانت، بطل العتيبي مذعن لأقداره مستسلم للطرف الأقوى، وما بين الطرف الأقوى والأضعف هناك دائما آخر سلبي ساهم بجزء من الحكاية المؤلمة، مثل الزوج في (بطعم النكبة) والذي هو رمز للدول العربية، ومثل الأم في (جياع كسقط المتاع) التي ربما قصد بها العتيبي الرأسمالية، وأيضا مدير المدرسة الذي لم يستطع قبول الطفل البدون في (منطقة في جوار الفردوس).

«… عندما تقف المعلمة لتشرح الدرس ونحن جلوس بشكل دائري حولها تحرك يديها وتدور حولنا، وهنا تنبعث رائحة جميلة تملأ الصف، حتى يضيق بها فتخرج من النوافذ وتصل اليكم».*

المجموعة القصصية رغم انها الأولى للكاتب الا أنها لافتة بمغايرتها وعمقها ورمزيتها العالية. قادرة على جذب القارئ الباحث عن المختلف والجاد. العنوان لم أجده ملائما للمجموعة كنت افضل لو تم اختيار(نزوة ساق مقطوعة).

الناشر مكتبة آفاق لم توفق في اختيار الغلاف ولا اخراجه، ويبدو أن العمل لم تتم مراجعته فقد زخر بالأخطاء المطبعية من تشابك الكلمات!

هذه مجموعة قصصية ينصح بقراءتها، فقصصها من النوع الذي يبقى طويلا في ذاكرة القارئ ويبشر بموهبة مقبلة.

*المقاطع من المجموعة القصصية (النيرفانا أحيانا مغلقة) عبد الله العتيبي، مكتبة آفاق 2014

Tweet