محيي الدين اللباد: الشيخ … شاب

11:44 صباحًا الأربعاء 12 مارس 2014
فاطمة الزهراء حسن

فاطمة الزهراء حسن

مخرجة تليفزيونية، وكاتبة من مصر، مستشار شبكة أخبار المستقبل (آسيا إن)

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

أنسنت الأسطورة الحروف، وابتكر لها اللباد صورا، هكذا هي رحلة الخط، بين التاريخ والفن

اختارالفنان المصري الرائع محيي الدين اللباد عنوان (يوميات المُجاوَرَة) للألبوم الرابع من سلسلة (نَظَر) موضحا المغزى من الاختيار في المثل الشعبي المصري الأصيل : من جاور السعيد يسعد ، ومن جاور الحدَاد انكوى بناره.
أما المجاورون فكانوا عشرة فنانين شباب ومعهم (الشيخشاب) وهو اللقب الذي اختاره لنفسه وهو يحمل صفتين متقابلتين بين الشباب والشيخوخة وهنا مكمن الحس الفني الحقيقي فالروح المتجددة الجميلة النضرة تظل شابة مهما مرت السنون وأصابت الشيخوخة المظهر إلا أن المخبر – روحاً ووجدانًا – يظل شابا طوال الرحلة.

محيي الدين اللباد يبتكر بورتريها له، على غلاف العدد الثاني من سلسلته نظر

اللباد … نهر من العطاء المتدفق:

كان لدي ثلاثة ألبومات من سلسلة (نظر) للفنان محي الدين اللباد ،ولم أتمكن من الحصول على العدد الرابع ولكني كنت ومازلت أحسبها ثروة فنية وبصرية حقيقية وهي بالفعل كذلك ومرت سنوات عديدة إلى أن أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب الألبومات الأربعة في كتاب واحد عام 2012، وكانت مفاجأة سارة وممتعة حقا فالكتاب أكثر من شيق ولا يمكنك أن تترك صفحة ولا سطرا دون قراءة وتحليل ، ناهيك عن الرسومات البديعة الجرافيكية التشكيلية والتعبيرية .
أما المفاجأة الكبيرة والمُنتظرة فكانت إصدار كتاب (حواديت الخطاطين) 2013 حيث كان اللباد قد تحدث عنه بشئ من التفصيل تحت عنوان (كتاب تحت الإعداد) ضمن الألبوم الرابع والأخير من سلسلة (نظر)إلا ان رحيله في شهر سبتمبر/ أيلول 2010 أخر صدوره بعض الوقت، ولما قامت ثورة يناير 2011 في مصر تأجل إصدار الكتاب لحين استقرار الأوضاع..
البعث والخلود…
بدا الأمر وكأنه بعث جديد لإبداعات هذه القامة الكبيرة في تاريخ الفن المصري خصوصا فن الجرافيك والكاريكاتير، وتذكير للأجيال الجديدة بمسيرة فنية إبداعية خالصة تحمل بين ضفتيها تجربة إستثنائية لفنان اختار مسيرته وعمل من أجلها منذ طفولته المبكرة ،فيكون لهم قدوة ونموذجا يحتذى ، ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للشباب والكبار من الفنانين المبدعين والمتذوقين ، فتجربة اللباد بمثابة قنديل من الإصرار والرؤية الفلسفية البسيطة والعميقة للحياة تمنحنا هذا الأمل وهذه الحماسة التي طالما افتقدناها في رحلة الحياة دون قصد أحيانا ،وبقصد غالبا.

البداية :
يحكي الفنان الجميل محيي الدين اللباد عن بداية إدراكه لموهبته الفنية الأصيلة ضمن ألبوم (نظر) وكيف سحرته كتب رائد أدب الأطفال (كامل الكيلاني) والتي كان يرسمها الفنان الكبير (بيكار) قائلا: “عندما صدرت مجلة (سندباد) أول عام 1952برئاسة تحرير سعيد العريان وبرسوم بيكار،حُسم الأمر،واخترت مهنتي كرسام وصانع كتب ، وكان ذلك بعد حصولي على الشهادة الإبتدائية بعام واحد “.
“رسمت أول كتابٍ لدار المعارف وكتبته وصممته (ملكة الجزر) ضمن سلسلة صندوق الدنيا عام 1961 بناء على دعوة لي من أستاذي (بيكار)-الذي دخلت كلية الفنون الجميلة عام 1957 للدراسة على يديه -ولم أكن وقتها قد تخرجت من الكلية بعد”.
تشكيل الوجدان بالرسم والقلم :
في رحلته الفنية قدم اللباد للأطفال أعمالا جميلة مقروءة ومرسومة تُعتبر من المدارس العملية لخلق الحس الجمالي والتخيلي لديهم وتنمية إدراكهم البصري إيمانا منه أن هذه الأجيال الناشئة إن تم إعدادها بشكل سليم ستكون السبيل الوحيد لرفعة شأن الوطن وتحقيق آماله في التقدم والتنمية،فقد قدم لمجلة الأطفال العريقة (سمير)عام 1958 لمساته الفنية المميزة وأضاف شخصيات كرتونية مصرية أصيلة مثل ( زغلول افندي ، وأدهم ..) فشارك مشاركة تأسيسية في خلق صحافة الطفل العربي ، ومع الشاعر المصري الكبير فؤاد حداد قدم اللباد رسومه الرائعة في كتاب(من القلب للقلب).
شارك اللباد عام 1964 في تأسيس مجلة (كروان) وعمل مديرا لتحريرها، وهي مجلة أطفال رفعت شعار(مجلة أطفال مصرية 100%).
عام 1974شارك في تأسيس دار الفتى العربي وكانت واحدة من أهم دور النشر وقدم من خلالها تجارب فنية فريدة في مجال الرسم والكتابة مثل كتاب (البيت) عن نص قصير وعذب للكاتب السوري (زكريا تامر) وهو كتاب في حجم مفكرة الجيب ، وهو يحكي عن فكرة البيت والوطن وفقدان المواطن الفلسطيني لبيته ووطنه ومحاولته تحرير أرضه.
حصل اللباد على جائزة الثقافة الذهبية عام 1989من بينالي براتسلافا لكتب الأطفال في سلوفاكيا عن كتابه الشهير (كشكول الرسام) والذي تُرجم إلى لغات عدة ، كما قدم للنشء كتب: (لغة بدون كلمات ) (ملاحظات) وكتاب (تي شيرت) الذي تناول الشعارات والمطبوعات التي تُرسم على التي شيرتات الشبابية وما يمكن أن تحمله من توجهات فكرية وأيديولوجية بعيدة كما تحمل الطرافة والبهجة أيضاً، كما قدم كتاب (لغة بدون كلمات)

خزانة الذاكرة المصرية، لدى اللباد، تكشف ذاتها في كل صفحات كتبه

سلسلة نَظَر ذاكرة الوطن البصرية:
اختار اللباد لهذا الكتاب وصف (الألبوم) لأنه ليس كتابًا بالمعنى الحرفي فهو كشكول عن الأعمال والنشاطات التي تتوجه إلى العين سواء كانت محلية أو أجنبية ويحمل آرائه النقدية الساخرة في الفن والحياة ، “الاهتمام أساسا بلغة البصر” كما قدم اللباد لهذا الباب الذي كان إطلالته الأسبوعية في مجلة (صباح الخير) المصرية العريقة منذ عام1985
وقد جمع محتوياته بعد عامين في الألبوم الأول من سلسلة (نَظَر1) ، أما الألبوم الثاني (نظَر2) فقد أصدره اللباد عام 1991،ثم مرت 12 سنةً حتى صدر المجلد الثالث من هذه السلسلة الفريدة في محتواها إخراجاً ورسماً وكتابة (نَظَر 3) ولم يكن هذا الألبوم حصراً على إبداعاته في مجلة صباح الخير بل امتد ليشمل عدة مطبوعات ثقافية مصرية أخرى.
وكان (نَظَر 4) هو الألبوم الأخير والذي صدر دون نشر صحفي مُسبق لمحتواه.
ومن أمتع الموضوعات التي شملها كتاب (نَظَر) مشتملا الألبومات الأربعة حديثه عن المهرج الفرنسي (كوليش) الذي ترشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية 1981منافسًا متيران وديستان، واستمرت الحملة إلى ماقبل الاقتراع بشهرين ثم انسحب من المعركة الإنتخابية،وقد أيد رسامو الكاريكاتير في فرنسا انتخاب المهرج رئيسًا فرسموا له ملصقات الدعاية والشعارات التي تدعو له وتضحك عليه أيضًا.
وطاف بنا اللباد بين أساطين الكاريكاتير المصريين والعرب والعالميين : شافال، صاروخان ، عبد السميع ، برهان كركوتلي، ناجي العلي، جورج البهجوري، صلاح جاهين .
الفنان العالمي بيكاسو والنحات المصري محمودمختار ، والأسطى المكسيكي (بوسادا) أحد أهم وأشهر فناني أمريكا اللاتينية .
وقد شمل هذا الألبوم الجرافيكي المُصور مايمكن أن نصفه بالموسوعة البصرية الجامعة المانعة لهذه المرحلة الزمنية الممتدة والثرية من تاريخ الفن .

من صفحات حواديت الخطاطين

حواديت الخطاطين وتأصيل الهوية العربية:
في سعينا الدائم نحو التأكيد على هويتنا العربية في مقابل تيارات التغريب والعولمة يُمكننا أن نُصنف كتاب (حواديت الخطاطين) للفنان محيي الدين اللباد كواحد من الإسهامات الخلاقة في غرس قيمة اللغة العربية وجماليالتها وفنونها لدى النشء من أبنائنا وبناتنا حتى يعرفوا قيمة لغتهم وعمقها ورسوخها وتكون مصدرا لفخرهم واعتزازهم بهويتهم .
فيصحبنا في كتابه حواديت الخطاطين في رحلة عبر التاريخ لنتعرف على مراحل تطور اللغة العربية حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن .
فقد كانت اللغة العربية بدون نقاط حتى عندما تم تجميع القرآن الكريم في عهد الخليفة عثمان بن عفان بين عامي 23-35 هجرية إلى أن وضع أبو الأسود الدؤلي فكرة النقط على الحروف وبدأ في تأسيس قواعد اللغة .
ويتنقل بنا اللباد بين أعلام الخطاطين ويعرض لأدوارهم المتعابقة في تطوير اللغة العربية وفنونها مثل :إبن مقلة ،ابن البواب وغيرهم .
تم تدوين القرآن الكريم بأسلوب للكتابة اُطلق عليه (الخط الكوفي) ، ثم ظهر( خط النسخ )، (خط الثلث)، (الخط الفارسي)، (الخط الديواني)، والخ المغربي الأندلسي.

جمال الخط .. بديع الإخراج الصحفي .. مدرسة اللباد

ثم يحكي لنا اللباد كيف كان الملك فؤاد الأول يحلم بأن يأخذ مكان السلطان العثماني المخلوع لذا رحب بأساتذة الخط العربي الأتراك عند قدومهم إلى مصر ، وقد وصل عدد مدارس الخط العربي في مصر وقتئذ حوالي 300 مدرسة موزعة بين البلدان.
كانت هذه بعض محطات كتاب (حواديت الخطاطين) للفنان محيي الدين اللباد والذي يُعتبر مرجعًا مصورًا للخط العربي والخطاطين ، تحيةً مُستحقة للمبدع الفنان محيي الدين اللباد أو الشيخشاب . 

One Response to محيي الدين اللباد: الشيخ … شاب

  1. ezzarab رد

    3 أبريل, 2014 at 8:05 ص

    تحياتى الى الكاتبة فقليلون من يدركون قيمة اللباد وأثره وهو واحد من الأسطوات العظام بمصر وقليلون أيضا من يكتبون بموضوعية وتجرد

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات