دراما “أغرب من الخيال”

09:37 مساءً الإثنين 31 مارس 2014
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

ماذا كنت لتفعل إن أدركت أن حياتك ومصيرك متعلق بخط سير أحداث رواية تقوم بكتابتها روائية تقوم بقتل أبطالها في أخر المطاف؟ بالتأكيد ما فعله هارولد كريك، البحث عنها وإقناعها بعدم قتله. في فيلم “أغرب من الخيال” أو “Stranger than Fiction” للمخرج مارك فوستر، يحرضنا على التفكير في إمكانية أن تكون هناك شخصية ما، واقعية حية، وخيالية في رواية ما، في آن واحد؟

في دوره الدرامي، يبتعد ويل فيريل عن أدواره الكوميدية المعتادة، ليقدم فيلماً يجمع ما بين الخيال، الكوميديا، والدراما. يقوم فيريل بتقديم دور هارولد كريك ببراعة، هارولد هو موظف يقوم بجمع الضرائب، هو عبقري في الرياضيات، لا يهتم بشئ سوى عمله، حياته روتينية إلى أقصى الحدود، ولكن في أحد الأيام تقرر ساعة يده أن تغير من ذلك، لتتغير حياته في يوم أربعاء.

يستيقظ اليوم التالي ليبدأ بسماع صوت امرأة، تقوم بما يشبه التعليق على ما يفعله، فهي لا تتنبأ بما سوف يحدث أو تعلق على ما حدث في الماضي، هي فقط تقوم بسرد ما يقوم بفعله في التو واللحظة. يبدأ صوت المرأة بسرد طريقته في غسل أسنانه، محاولته للحاق بالحافلة وقدرته الرياضية الخارقة. يعتقد هارولد في بدء الأمر أن هنالك من يتبعه ويعتقد الأخرون بأنه مجنون. ولكن هارولد يقرر أخذ الأمر على محمل الجد عندما يقوم الصوت بإخباره بأنه موته قادم.

يذهب هارولد إلى طبيبة نفسية التي تخبره بأنه يعاني من إنفصام الشخصية ولكن بعد إصراره بأن الأمر ليس كذلك تنصحه بأن يقوم بزيارة شخص ما متخصص في الأدب، إن كان ما يسمعه أشبه برواية. وبالفعل يذهب هارولد لرؤية البروفيسور جولز هيربرت والذي يقوم بدوره داستن هوفمان، ويبدأ بمساعدته بأن يختبر نوع الرواية التي قد يكون هارولد جزء منها، إن كانت مأساة أم كوميديا؟ فهذا قد يحدد مصيره في النهاية.

ولكن ما لا يعرفانه، بعد أن يقررا أن حياة هارولد قد تكون كوميديا، أن ذلك الصوت هو صوت الرواية كارين أيفل، والتي تقوم بدورها إيما تومسون، وهي روائية تقوم بقتل كل أبطالها في نهاية المطاف، فرواياتها جميعاً مأساوية. وما لا تعرفه أيفل نفسها أن بطل روايتها شخص حقيقي، وأن ذلك الشخص الذي تنوي قتله في النهاية لا يرغب بالموت، حتى وإن كان موته سيحول تلك الرواية إلى أعظم عمل قد كتب خلال أعوام  طويلة.

ويحدث شئ أغرب، يقع هارولد في الحب. أثناء ممارسة مهمته الوظيفية يقابل تلك الخبازة ذات الذراع الملئ بالوشوم والتي تكره كونه موظف ضرائب، أنا باسكال والتي تقوم بدورها ماجي جالينهايل. ويبدأ ذلك الصراع الخفي حتى الأن بين هارولد الذي يرغب بالعيش أكثر من أي وقت مضى، وأيفل التي ترى أن قتله سيكون النهاية الملائمة لعملها.

يذكرنا ذلك بموقف حدث في يوم الأربعاء ذاك، حيث توقفت ساعته عن العمل وإضطر إلى إعادة ضبطها بعد أن سأل زملائه عن الوقت مرة أخرى، مالم يعرفه أنذاك أن الوقت الذي ضبطه كان متأخراً ثلاث دقائق عن الوقت الأصلي وذلك هو الأمر الذي كما أخبره الصوت “سيقوده إلى موته”. يحاول البروفيسور جولز أن ينصحه بعدة نصائح أولها أن يمكث في بيته ليوم واحد أملاً في أن يوقف ذلك خط سير الأحداث. عندما تفشل تلك الخطة ينصحه بأن يعيش حياته ويحقق ما كان يرغب به، لأن يبدو أن موته قادم لا محالة، ويتبع هارولد تلك النصيحة. يأخذ أجازة من عمله، يوطد علاقته بصديقه ديف، يبدأ في تعلم الجيتار، ويبدأ علاقة رومانسية مع أنا. بمعنى أصح، يبدأ في عيش حياته، متكيفاً مع الصوت الأنثوي الرخيم الذي أصبح يظهر بين الحين والأخر.

في تلك الأثناء تمر أيفل بعقبة في كتابة روايتها تلك المسماء بـ “الموت والضرائب” والتي أمضت عشر سنوات في كتابتها، وتبقت أمامها عقبة واحدة وهي كيف تقتل هارولد. يقوم ناشريها بتعيين مساعدة لها لمساعدتها في ذلك وهي بيني إيشر والتي تقوم بدورها كوين لاتيفا، ولكنها تجد نفسها ترافق أيفل في رحلتها المليئة بالتدخين والتفكير في طرق مختلفة للموت والانتحار، أحدها في يوم ممطر أمام أحد الجسور، ويوم أخر في غرفة الطوارئ بالمستشفى.

يتمكن المخرج فورستر من توظيف أداء الممثلين في أدوارهم وإستغلال طاقتهم ومواهبهم، ولكن للأسف كانت شخصية بيني التي قامت كوين لاتيفها بأداء دورها غير ضرورية ولم تكن ذات دور مؤثر في سير الأحداث، لم نشعر حتى بوجودها في الفيلم.

تبدأ الأحداث في التطور عندما تكتشف أيفل أن شخصية روايتها حقيقية، وتبدأ بالتفكير في كل رواياتها السابقة وإمكانية أنهم كانوا أشخاص حقيقيين أيضاً ولكنها قامت بقتلهم، ثمان أشخاص لطفاء قامت بقتلهم. في النهاية تعطي أيفل النسخة المبدأية للرواية والنهاية التي إعتزمتها لهارولد، والتي تنتهي بموته بالطبع. وتترك له بذلك حرية الإختيار في أن يقابل موته وهو يعرف كيف ومتى وأين سيموت أم يرفض الموت من أجل رواية ما؟

يعد فيلم “أغرب من الخيال” أحد تلك الأفلام التي تتعمق في عدد من الأشياء في آن واحد، فتجدها تتعمق في فن كتابة الروايات والأدب، في العلاقات العاطفية، في الحياة الروتينية وفي الحياة بشكل عام.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات