إخوان أليجاتور

12:22 مساءً الأربعاء 2 أبريل 2014
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

بمصادفة علمية، يحدث أن يُلقى بمياه الصرف الصحي بيض تماسيح صغيرة، تقتات على هرمونات مُضخِّمة، وما هي إلا شهور، حتى تصبح تلك التماسيح أداة فتك، وترويع، وإرهاب، تخرج من مجاريها الملوثة لتدمر الحياة فوق الأرض.

أليجاتور، أو فيلم التمساح الرهيب كما عُرف باسمه التجاري، من الأفلام القليلة التي شاهدتها بالإسكندرية، وفي سينما مكشوفة، وكأنما أراد العرض أن يمزج الحقيقة بالخيال، فقد صعد أليجاتور إلى مشهد حفل زفاف، فإذا بالموت الذي يحمله، جاء ليقضي على الأمل الذي تكتبه  الحياة الجديدة.

حياة جديدة حلم بها كل مصري، حين قامت ثورة 25 يناير، وبعيدا عن تسميات متعددات أكرمها “ثورة لم تكتمل”، وفروعها المشوهة “مؤامرة”، أو “فورة” مثلما أطلقوا على هّبَّة أحمد عرابي “هوجة”، لأن الثوار الملايين اذين خرجوا لم يبحثوا عن مسمى، بل أراد الطامحون الحرية والخبز والعدالة الإجتماعية.

بمصادفة أخرى غير علمية، ينقض إخوان أليجاتور، القادمون من ظلام التاريخ، ومظلمة الجهل، وظلمة باطن الأرض، الذين باتوا يحلمون بأستاذية العالم عبر الهرمونات الملوثة القادمة من الشرق والغرب، ففي الشرق دول سمَّاها الرئيس الراحل محمد أنور السادات “أكشاكا”، ليس لحجمها الضئيل وحسب، لكن لأنها دورها مثل كشك مرور للمحتلين الجدد، أو كشك يبيع سلع الأفكار السياسية المهربة، خزانة من المال يثقبها المستعمرون الجدد ليتسحموا بذهبها، بينما أصحاب الكشك لاهون يظنون أن لهم مكانة في الحياة ومكانا، غير ما يراه أسيادهم في البيت الأبيض.

ها هم إخوان أليجاتور، التمساحيون، بعد أخذوا المال من الشرق، والدعم السياسي من الغرب، يحملون قناع  الإسلام، بعد أن رموا كل قيم الأديان وراءهم، لينقضوا على السلطة، ينهشونها قضمة، فأخرى، وبدلا من أن يصبروا حتى يلتهموا الكعكة موزعة على سنوات الحكم، فإذا بهم يضعون الكعكة كلها في حلقهم الذي ضاق أفقه، فلم يكن باتساع مواسير الصرف الصحي التي أتوا منها.

بدأوا يقيمون مستوطنات سرطانية، رآها القاهريون في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة، ورآها غيرهم في مدينة كرداسة، وشبه جزيرة سيناء، فهكذا يتم تفتيت الدولة التي لا يستطيعون حكمها، لأن بإمكان كل منهم أن يسيطر على بالوعة، أن يهاجم من ماسورة مضروبة، يعتقدون أنهم طالما أطلقوا صيحة الله أكبر، فإن ما يقومون بذبحه من بشر، وما يهدفون تدميره من مؤسسات، وما يستطيعون دهسه من قيم، يكون حلالا باسم الله؟

الجيش، الذي هادن مجلسه العسكري الأعلى إخوان أليجاتور، ربما حرصا على عدم استشراء العنف، وربما بإملاء من أمريكا، وربما لاقتسام المصالح، وربما ـ وهذا أسذج التحليلات ـ لظنهم أنهم إخوان مسلمون حقا، منحوا حكم مصر للإخوان؛ فإذا بأعداء الحضارة، يحكمون البلد الذي ولدت الحضارة على يديه، وإذا بأعداء الثقافة يديرون بلدا مصدرا للثقافت الإنسانية وحاضنا لها، وإذا بأعداء التاريخ يريدون تزييف التاريخ والحاضر والمستقبل، معًا.

أنظر بأسى للصور الآتية من أنصارهم في سورية، الذي يطبقون الحدود على المستضعفين وحسب، الذين يقتلون المعارضين، حتى حليفهم الأكبر، التركي الشائه، الذي أغلق بوابات التواصل الإجتماعي على الإنترنت لأنها فضحت خسته، وفساد حكومته، أقول، هؤلاء هم مثلهم العليا، ونماذجهم المقتداة، فكيف سيكون حال مصر ـ لا قدر الله ـ لو حكمها هؤلاء التمساحيون؟

الجيش، هذه المرة، ودون أن نعيد تحليل الأسباب، لأنها حسب هوى المحللين، الأشد تبسطا وتطرفا، أنقذ مصر من إخوان أليجاتور.

كان عبد الفتاح السيسي القناع الذي ارتداه الجيش، ونِعم القناع لشخصية جاءت تطبق قول عمر بن الخطاب “لستُ بالخب، ولا الخب يخدعني”،  فهو لم يخدع أحدًا، منذ خطابه  الأول، الذي وضع فيه حياته على يديه، وحتى خطاب اعتزال السلطة العسكرية، لخوض غمار السلطة السياسية، ومصر بحاجة للوفاق بينهما، وهو الأنسب لهذه المرحلة.

الذين يهاجمون الرجل اليوم، يهاجمونه بمقياس أنه لا مخاطر تحيق بهم، أننا لم نكن يومًا تحت وطأة إخوان أليجاتور ومنا ـ آنذاك ـ من كان يريد التحالف مع الشيطان ليتخلص منهم.

ذاكرة الذباب تهددنا، لأننى ننسى الأمس القريب، ونحن نحارب من يريدون جرنا للماضي السحيق، إلى حيث ينتمون. علينا أن نتطلع للأمام، ولن يكون ذلك إلا بالبناء، لا السب، والإهانة، وتسويد حوائط الشارع وجدران الإنترنت بإهانة الرجل، الذي لو لم يتقدم لكنا الآن بين مصيرين؛ داعش ومن على شاكلتها، أو أفغانستان وما شابهها، خاصة وأن هناك أجزاء أخرى من أليجاتور، تنتجها وتعلبها وتصدرها دول أعداء لنا.

هيا نبني، فهل من مشارك؟

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات