لغة الأشياء / كوخ بمحاذاة البحر

07:23 صباحًا الإثنين 21 أبريل 2014
باسمة العنزي

باسمة العنزي

روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الكاتبة بشرى خلفان

منذ أول اصدار لها (رفرفة) عام 2004 والقاصة العمانية بشرى خلفان تحافظ باقتدارعلى مكانتها المهمة في المشهد القصصي العربي. بعد اصدارها الأخير (حبيب رمان) لا يمكن للقارئ سوى الاطمئنان أن فن القصة القصيرة بخير طالما شغف به أصحاب الموهبة الحقيقية والحضور المتأني والنظرة العميقة للحياة.
تأتي بشرى محتفية بالقص بطريقة مدهشة عبر شكل جديد، مجموعتها بدت وكأنها محاولة مكتملة للتجريب.

تخففت من لغتها ولم يتأثر نصها، تخلت عن الثيمة الواحدة فبدا عملها أكثر تشويقا، انحازت للسرد العصري برتم سريع، للنهايات المباغتة، لرسم فضاء النص بحرية وادخال القارئ معها في أكثر من لعبة!
أبطال بشرى اما عالقون ببراءة في منطقة الوسط بانتظار تخليصهم عبر نهاية مباغتة. ففي قصة (الأخوان غريم وفساتين الأميرة) تكتشف الطفلة مها أن المؤلف لم يحْبك قصة الأميرة جيدا فتقرر أن تنهيها بعد سنوات بطريقتها المتمردة، وفي (سقوط) يتحول تلاميذ ورشة كتابة لأبطال قصة ساخرة بشكل فانتازي، أما في (قض الملح) فالحكاية تنتهي بخيانة غير متوقعة! أو متصلون بطفولة غائمة كما في نص (أرنب العتمة) عن طفل يتعرض للاعتداء الجنسي فيمارسه لاحقا، ونص (ريشة الطاووس) حيث الطفلة تعاني من طبقية كريهة تمتد حتى للوعد بالجنة، وفي (الكرسي) حادثة منسية بين طفلتين على مقاعد الدراسة تؤجج دافع الانتقام لاحقا عبر وشاية مدمرة، وفي (سراج الأعمى) حكاية طفل فقد بصره يراوغ الراوي في كشف الحقيقة للقراء تاركا سراجا من التمويه، أما في (الديناصور) فطفل ميت تزور والدته قبره مصطحبة معها البالونات وحيوانات بلاستيكية وعلبة سكاكر وشعورا بالذنب. نادرة الأعمال القصصية التي جاء أبطالها من الأطفال، منها على سبيل المثال مجموعة القاصة منى الشمري (يسقط المطر تموت الأميرة)، أيضا في (حبيب رمان) أتت نصف النصوص منحازة لعوالم الطفولة مع براعة التعبيرعن مشاعر الطفل وسلوكه وهو ما يحسب للعمل.

غلاف المجموعة

«تحب لون بيجامتها الأزرق، لون أرنبها الأبيض ولون الجزرة البرتقالي، لكنها لم تكن تحب كثيرا امتلاءها المباغت تحت الجلابية الواسعة»*.

كقارئة استحوذت على قصة (كوخ بمحاذاة البحر) المشغولة بعاطفة جميلة تجبرك على الجلوس في شرفة البطلة واستنشاق رائحة البحر، وتأثرت بمأزق الراوي في (سراج الأعمى) الواقع في ورطة تقديم ما يجهله للقراء، وتعاطفت مع فايزة في (قض الملح) التي تحب مطبخها بكل تفاصيله.

«نعم، أخطط لقضاء ما تبقى من العمر في ذلك الكوخ، مع كتبي وطاولة الكتابة والبحر وحديقتي الصغيرة»*.

المتابع لأعمال بشرى السابقة (رفرفة)… (غبار)… (صائد الفراشات)… يظن انه بات يعلم ما الحكايات التي تروق لها، اهتمامها بالموروث العماني، ملامح أبطالها المغمورين بالهدوء والتأمل، شغفها باللغة الباذخة، المفاجأة أن بشرى في (حبيب رمان) غيرت شيئا من مزاجها الحكائي وتفوقت على نفسها!

*من مجموعة (حبيب رمان) لبشرى خلفان، دار الانتشار العربي 2014

فتيات آفينون ، للفنان بابلو بيكاسو

  • من قصص مجموعة (حبيب رمان) للكاتبة : بشرى خلفان ” سراج الأعمى”

 

بإمكان الراوي أن يصف سالم بن حمد بأنه شاب طويل نحيل البنية، وبإمكان الراوي أن يصف مسقط في ذلك الوقت من أواخر الستينات بأنها أكواخ وعشش وبعض بيوت من الطين متفرقة وقليلة.

بإمكان الراوي أن يضيف إلى وصف سالم بن حمد بأنه كان شابا أعمى وأن له حكاية، وبإمكانه أيضا – أي الراوي- أن يصف مسقط بأنها مقسومة بسور يحفظ حكومتها وميناءها وقلاعها الشهيرة خلف بوابات ثلاث.

وبإمكان الراوي أن يقول وهو يخبرنا بحكاية سالم إنه ولد أعمى، وبإمكانه أيضا أن يقول إنه فقد بصره قبل بلوغه الثالثة عشرة نتيجة إصابته بالتراخوما، وبإمكان الراوي أن يقول أشياء كثيرة عن مسقط أيضا لكنه لن يفعل، لأنها ليست حكاية مسقط هذه التي يحاول سردها.

بإمكان الراوي أن يخبرنا عن طفولة سالم العادية في حارته على ضفة الوادي الصغير، وحفظه للقرآن الكريم على يد المعلم سعود وعصاه، لكنه لن يكون بإمكانه أن يخبرنا بأمانة – التي كان حريصا عليها- عن الأشياء التي كان يراها في تلك الظلمة، والتي جعلته يحمل سراجا غير مشتعل الفتيل طوال الوقت.

بإمكان الراوي أن يخبرنا بالحكاية التي تبتدئ قبل أن يفقد سالم بصره بقليل، عندما تلصص على الفتيات المستحمات عند طوي التل، وليته لم يفعل.

يحب الراوي أن يستخدم ذلك التعبير جداً، فليته لم يفعل فهو يزيد من توتر الحدث، وهو على حق، فلقد تلصص سالم على حوض استحمام الفتيات، ومن الثقب الذي أحدثه في طين الجدار رأى جسد فتاة أسمر باستداراته الكاملة يستحم، وعيناه تتبعتا ذلك الهطول العجيب لقطرات الماء من شعرها الكثيف على ظهرها العاري، طبعا لا أحد يعرف هذه التفصيلة الدقيقة إلا سالم والراوي الذي سرقها من ذاكرته.

يقول الرواي، إن أحداً لم يطلع على فعلة سالم بن حمد تلك، وحتى الفتاة المبللة الشعر لم تنتبه لوجود عين تراقبها- ما يعرض مصداقية الراوي للخطر هنا، لكنه أمر يمكننا تجاوزه إذا ما تذكرنا ولع الراوي كلي المعرفة بلعب دور الإله – مع ذلك نبت في عين سالم جسم غريب أزعجه جداً، والجسم الغريب كبر في عينيه خلال الليل، وتركهما شديدتي الاحمرار دامعتين طوال الوقت، وصارت الشمس تؤذيه جدا، ثم فقد بصره.

سيقول قارئ ما هنا: إن ذلك كان عقاباً إلهياً وسيظن البعض بأنها صدفة مبالغ فيها، والحقيقة لا يعرفها أحد ولا سالم نفسه. مع ذلك فقد بصره، لكن صورة ذلك الانهمار المدهش على ظهر الفتاة العاري التي كان يتلصص على خلوتها لم تتلاشي.

لم يعرف سالم تلك الفتاة؛ لأنه ببساطة لم ير وجهها، ولهذا السبب تحديداً ظلت الفتاة تزوره في ظلمته، وظل هو يطالبها بالاستدارة نحوه، وعندما فعلت كانت الظلمة كثيفة جداً فلم يرَ وجهها ولهذا السبب ربما… يقول الراوي ربما… ظل سالم بن حمد يحمل سراجه

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات