لي في جمهورية تتارستان جولاتٌ حرة مع الفن، ولذلك أكتب هذه السطور من زاوية المطلع، والمراقب، أكثر من كوني متبحرا، متجذرًا، لأرسم ملامح أولية عن هذا الفن. أكتب وفي ذهني عناصر مشتركة تكاد تجمع المنتمين لمجال التشكيل، وهي، على اختلاف مدارس الفنانين ظاهرة للعيان.
العنصر الأول هو ذلك الحس الشرقي ذو الصبغة الإسلامية، فهو مستلهم من تراث المنمنمات، وتاريخ الأيقونات، ورحلة الزخارف التي عرفت طريقها إلى النسيج والخشب والحجر والمعادن، قبل أن تجد نفسها داخل إطار اللوحة، بل وأحيانا من الخط العربي الذي يظهر في الشمائل، وهي لوحات تعلق في كل بيت تتري تجمع بين الخط العربي والرسم، وربما الصورة.
ويأتي العنصر الثاني في ألوان البهجة، التي لا تقتصر على باليتة اللون وحسب، وإنما تمتد لتشكيل فراغ اللوحة بمحددات راقصة سابحة متأرجحة، وكأنها تعزف وتهتز طربا، وهو ما يعكس بالفعل كمرآة تقاليد الشعب التتري الذي تزين الموسيقى حياته، على اختلاف ضروبها.
أما العنصر الثالث، فهو التوثيق المكاني، الجغرافي والتاريخي، فيندر أن تجد لوحة سابحة في اللامكان، وإنما هناك معلم تاريخي كائن، فإن لم تجده تحت سماء اللوحة، فستجد إشارة إليه ورمزا عنه في ثوب أو كتاب أو سجادة أو ما شابه ذلك كله.
ثم نتحدث عن عنصر رابع يستلهم الحكي الشعبي، وخاصة أشهر ما في هذا التراث، متعددة الأوجه، حيث تبرز حكايات أعاد صياغتها شعر عبد الله طوقاي، شاعر التتار القومي، ليحفظ تراثا أدبيا فريدًا.
هذه العناصر جميعا تجتمع لدى فنانتنا ساجدة سيرازييفا Sagida Sirazieva التي تجمع تلك التقاليد الغنية لوطنها وقوميتها ومدينتها قازان، عاصمة جمهورية تتارستان.
وإذا كنت أستحضر اللوحات الملونة للفنانة، فهذه العناصر أيضا توجد في رسومها باللونين الأسود والأبيض، وهو ما يعني أن روح تلك العناصر في تحليق دائما مهما اختلفت الوسيلة. إنها ببساطة ترسم هويتها وثقافتها، المكونة للعناصر التي بدأت مقالي بها.
خط ساجدة سيرازييفا الفني يتمتع بثراء الحكي وعمقه، فلا تخلو لوحة مما يقال عن التراث والحكايات الشعبية والفضاء الأنثروبولوجي للمكان، والتاريخ والبشر، وهي تشبه ذلك النقش القيق للمنمنمات، حتى وهي ترسم المشهد في أكثر من لوحة، تكمله، كما تكمل شهرزاد حكايات ألف ليلة وليلة.
وعي جديد تتأثر به وأنت ترى تلك الفنانة التترية المعاصرة، (مواليد 1959) تستخدم تقنيات مجايلة لتبعث الروح في صور قديمة، تكتشفها عبر التفسير الرمزي حينا، أو الوحي الصوفي حينا آخر، حين تنقلك بشخصياتها السابحة في الفضاء إلى مدارج الرغبة في الاتحاد مع الخالق، والتوحد معه. إن مجمل سعينا في الحياة يأتي تفسيرا لماهية الوجود، هذا ما تشعر به أمام لوحات ساجدة.
تمنحك رسوم الفنانة دفعة روحية، مفعمة بالأمل، دافعة للحركة بحرية، ساعية لإنشاء حوار، ليس مع الإنسان وحسب، بل مع الكائنات حوله، والأشياء أمامه، فضلا عن الحوار مع الذات، بلغة أبجديتها البهجة، وألفبائها الحب.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.