المرآة

10:18 صباحًا الأربعاء 28 نوفمبر 2012
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

يمشي بين السيارات ، عند انطفاء الاشارة الضوئية يتخذ ركنا ما … وأحيانا زاوية ما . لديه مواقيت محددة… أبحث عنه أياما ليكون اعتقادي خاطئا ، فأنا التي لم تتعرف على جدول مواعيده بعناية .

عندما أراه تتوالد الصور في ذهني ، وتتعارك المشاعر في قلبي .

يرتدي بذلة بنية ، ربطة عنق خضراء … حذاء أسود ما من بقايا غبار عليه  .

تلك البذلة البنية، حاولت خيوطها أن تحتفظ بصلة القرابة للون البني على قدر استطاعتها ، ولكن ! .

ربطة العنق الخضراء ، اشعر بها ،  أراها مثل عشب أخضر شق رمال الصحراء ليرتدي ثوب الحضور الراهن .

( نطق ما . رغبة ما . اختلاف ما )

في وجوده هنا ، في تحركه ما بين صفوف السيارات ، يمتلك خطا مستقيما ، لا ينظر الى سائقي وسائقات السيارات ، انما يدرس خطواته التي تتناسب مع مواعيد الاشارة الضوئية . حمراء يمشي، صفراء يبتعد قليلا ، خضراء يركن الى مكانه .

بضاعته التي يحملها لها مواسم. في الشتاء هنالك الدفاتر والأقلام . في الصيف هنالك قصص الأطفال . في الأعياد هنالك المراوح المتلونة والطائرات الورقية . واذا ما امتد النظر اليه ، يشعر به فيمد يده بالبضاعة الى شباك السيارة .  يعطي أولا بيد ثم يستلم باليد الأخرى . لا ينظر بتاتا الى النقود التي استلمها ، انما يضعها بأناه في جيبه .

كأن هذا ا لمكان هو مكتبته الخاصة به … ولكن تلك الخطوط التي يرتديها وجهه ، هي كحزوز برتقالة قشرت على مهل . تلك الخطوط هي التي أشعلت نيران الأسئلة في قلبي .

هل له بيت ؟ هل له أبناء ؟ هل يعاني من عقوق الأبناء ؟ أهي الحاجة الملحة ؟ من تركه هكذا ؟ . مشاعري نحوه تتجه أحيانا الى خطواته . ان كان سيره منتظما وكانت أكتافه منبسطة أشعر أنه بخير. وان تراخت يوما ما خطواته أشعر بأن أموره قد ساءت .

أهي مهنة التسول ؟  ولكن ليس لديه أي صفة منها . ان امتدت يد اليه ، يمدها بالبضاعة ، وان لم تمتد  فهو في مكانه ، ما من امتداد لنظراته ولا تتحرك أي دعوة منه للشراء .

هذا الحوار ما بين قلبه وقلبي كان لا بد له من ايضاح وتفسير ! .

كانت الابتسامة هي المفتاح . وكان السلام هو الباب .

–        كيف الحال ؟

–        – الحمد لله

–        الجو حار جدا .

–        – الحمد لله

–        الأمطار غزيرة .

–        – الحمد لله خير وبركة .

احترامي لطريقة تحركه ، لأسلوبه ، يزداد يوما بعد يوم .

ذاك الوجه المشع  الذي نمت وما زالت خلايا الكبرياء دفعتني للاقتراب منه .

لوضع تساؤلي وحيرتي بين يديه . ولكن قبل أن تطفو الأسئلة من أعماقي ، كان هو المبادر لكل ذلك .

–        هنالك استغراب وتعجب يطفو على وجهك ، بل هو أكثر من هذا ! .

–        ماذا ؟

–        بل هو التقدير والاعجاب لطريقتك ، لخطواتك .

–        ابتسم

–        ابتسمت

أي جواب باستطاعته أن يبني جسورا ما بين تلك الأيام المتباعدة وهذه اللحظة الراهنة .

لقد كان لي وضعا ما ليس باستطاعتي أن أشرحه لنفسي أولا ، فكيف لي بالمقابل أن أشرحه لك .

لا تراودك الظنون أو الشكوك . فأنا انسان عاشق للمعاني …كان العطاء هو الهواء الذي أتنفسه ولكن !! .

هذه ال لكن ! دعينا لا ندخل في تفاصيلها . انني انسان محب ، محب لرغيف الخبز المعجون  بالشمس والمطر .

أفهم . أعرف . واسمع . ان ما أقوم به يطلق عليه مهنة التسول .. ولكن مرآتي التي أرى روحي فيها تقول لي كلاما غير هذا الكلام .

ان التسول الحقيقي هو أن تمتد يداي الى رزق من حولي  وهما ما تزالان في بستان العطاء ، وقدماي تعرفان الطريق الى دكاني عند الاشارة الضوئية .

شعرت به يهز شجرة العطاء بيد ، وباليد الأخرى يحمل قصصا مصورة للأطفال .

رجعت الى ذاتي ،لأستعيد ما رأيت ، وما سمعت ، ولكن عدت للحقيقة الواضحة . فنحن  لا نرى الا أطياف من الضوء ولا نفهم الا جزءا قليلا مما نسمع .

وآه يا مرايا الروح

يا مرايا

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات