بنت النور

10:19 صباحًا الأربعاء 28 نوفمبر 2012
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 تلك أم. تمسك بالمشط . تبدأبمسك خصلات شعر ابنتها . تلامسها أولا ، تمسدها بيديها ثانيا . تركز قلبها قبل عينيها على ذاك الشعر الأسود الذي ارتكز على ظهر الابنة. ينتقل دفء حنان الأم للابنة فتعاود الالتفاف ثانية ، ليتجدد هذا العناق بينهما .

شلال من الشعر الأسود ، يدان تحاولان عبر ملامسة هذا الشلال الأسود أن تمسكا باللحظة الراهنة فهي الأغلى والأصدق والأوضح …

لعل الأم تغني أغنية لتلك الابنة ، ولعلها تحكي لها حكايات الفراشات مع المصابيح ولعل ولعل …… لأن حركات الابنة في الالتفاف وركن رأسها على صدر الأم ينبئ ببعض من الشيء وليس الشيء كله .

ولربما يأتي سؤال متسائلا : وماذا عن ذاك ؟ أم تمشط شعر ابنتها !! . ان هذا يحدث كل ثانية ! . ولكن يا أصدقائي أمهلوني القليل القليل .

إن الجمال المنبثق من الأم والابنة ، وغلالات النور التي استقرت عليهما كانت في مطار دولي متسع . تزاحمت … تقاطعت …. وتأخرت مواعيد إقلاع وهبوط الطائرات …. لا أقول بفعل الأمور المناخية السيئة ، لأن تساقط الثلوج أو ارتفاع درجة الحرارة ليس له مصطلح سيء أو جيد . هي هكذا قوانين الطبيعة . لها دورات من الانقباض والانبساط .

ركب الخوف بعض الركاب ، وكانت الأصوات . من تلك الأصوات : لدي موعد مهم ، انه عقد عمل  فيه مستقبلي ….. إن الوقت ليس بصالحي أبدا . والهاتف النقال ينتقل منيده اليمنى إلى يده اليسرى وعضلات الوجه تتباعد وتتقلص بآن واحد .

والأم ما تزال تمشط شعر ابنتها !

وركب الضجر نفوس الآخرين ، فكانت عملية شراء ما لا يلزم لتبديد هذا القلق والضجر …

والأم ما تزال تمشط شعر ابنتها !

كماشة من الخوف والقلق والضجر تحيط بهم .

أمسكت الأم بشعر الابنة لتجدله جديلة سوداء وتربط في منتهى الجديلة شريطا بنفسجيا ، لكي تتعطر الأجواء كلها بأنفاس المحبة والطيب والمسك لتنام الابنة في حضن الأم. تمسك الأم بالمشط الخشبي ، تنظر إليه مليا لترى مشواره الجميل …. من جذور الأشجار …. ينابيع المياه …. دفء الشمس وحنان الهواء…. تضعه في كيس صغير أبيض ، ثم تغمض العيون …..

أمسك الوقت بوقته ، ناظرا سامعا لتلك الشكاوي …. وابتسم ابتسامة أم لطفل تأخر موعد انطلاقه لمدرسته فبكى . أمسك الوقت بوقته ، وابتسم هامسا ……. : انكم يا أصدقائي مثل الذي يعبر النهر ويظل في حالة عطش دائم …. إنني هنا معكم حاضرا. إنني الوقت الذي تقدسونه أحيانا وتنسونه أحيانا .

ولكن العيون، أغلب العيون ، ما تزال تنظر إلى شاشات المطار لكي تعرف مواعيد لا يعرف لها موعدا .

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات