سوق الهال وجدتي

11:20 مساءً الخميس 22 مايو 2014
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

كان لنا بيت , وكانت لنا حارة , وكان لنا سوق الهال القديم المجاور لبيتنا.
عندما كنت أرافق جدتي “رحمها الله” في مشوار شراء الخضار والفواكه في سوق الهال تقول : أسرعي واحضري “الطربة” والطربة عبارة عن كيس من مادة بلاستيكية سميكة (على ما أظن) ومن الداخل له بطانة بيضاء من قماش قطني , في بعض المرات كنا نمسك بالسلال لنضع فيها الفاكهة رغبة منا في المحافظة على شكلها الجميل , لكن أين مني جدتي لأفهم معنى كلمة “الطُرْبَة”؟
استعادتني تلك الصورة بكل تفاصيلها … البائعون في سوق الهال يرحبون بجدتي , يعرفونها وتعرفهم , يُمسك البائع بتفاحتين ويقسم أن لا يأخذ الثمن , تفاحة لك يا أم صبري وتفاحة لنجوى.
أما أبو مصطفى , ذاك البائع ذو الاهتمام بالنباتات الخضراء يضعها أمامه بقدونس , كزبرة , ملوخية , نعنع , يمسك بإبريق صغير , يسكب الماء على يديه ثم يبدأ برش النباتات الخضراء , يبتسم عندما يرانا ويسأل عما سوف نطبخ اليوم وإن كنا بحاجة للبقدونس ام الكزبرة … يحاول أن يجعل الحديث مع جدتي متواصلا ولكنها تقطع أحبال أفكاره بصوتها الجميل “كفى كلاما يا أخي نريد إكمال مشوارنا”
آه من الكلمات وآه من المعاني عندما تتداخل في ثنايا الذاكرة لكي تبدأ بعزف موسيقاها في أرواحنا.
كل هذا وأكثر من هذا , فعندما كنت في زيارة لمدينة فانكوفر / كندا شدتني ثقافة الكيس لديهم , كيف يتعاملون مع الطبيعة , سمعت أصواتا في روحي وعقلي “كان لنا كيس جميل” كانت لنا طربة , وكان لنا كيس من قماش الخام الابيض للخبز نُحافظ عليه.
لماذا فارقنا أكياسنا الجميلة , كيف استطعنا التعامل مع تلك الاكياس البلاستيكية السوداء , تلك الاكياس تنتشر أيضا في ربوع مروجنا , على الاسلاك الكهربائية , كم أود لو كان باستطاعتي أن أهمس بآذان قطعان الغنم أن لا تقترب منها.
أكياس وأكياس سوداء


كم أتمنى أن نوثق بذرة الجمال في بلادنا ,
لكي يعرف أطفالنا, شبابنا ماذا كنا؟ في مدينة دمشق كان هنالك “الترامواي الكهربائي” للمواصلات , كانت أيضا سكة حديد الحجاز التي تصل ما بين بلاد الشام والاردن .
أواه يا بلادي .. يمسكون بأكياسهم في فانكوفر , أكياس ملونة ناعمة .. إذا ما نسيت أن تحضر الكيس الخاص بك عليك دفع ثمن الكيس الذي استعملته , هنالك بعض المحلات التي يطلقون عليها “سوبر ماركت” لا يوجد أكياس , إنما عليك ان تفكر بإحضار الكيس الخاص بك , أو بوضعها في العربة المخصصة ثم نقلها لسيارتك.
في مدينة دمشق كان من غير مسموح وضع النفايات أمام البيت نهارا , إنما هنالك ساعة مخصصة ليلا لوضع النفايات.
النظافة .. النظافة في مرافقنا العامة , أتراها هي أيضا من نظريات المؤامرة ؟ كيف أفرغ الزمان من جعبتنا كل مفردات الجمال , وكيف استطعنا أن نحافظ على نظافة منازلنا وفي نفس الوقت نرمي النفايات من الشبابيك , من السيارات , على ابواب العمارات , كيف استطعنا التعامل مع كل هذا.
من يرشدنا الآن الى الاهتمام بالأشياء الصغيرة جدا , فذرات التراب المتناهية في الصغر هي التي تصنع جبلا.
كان لغاندي الايمان الحقيقي بأن الاهتمام بالأشياء الصغيرة التي تبدو غير ذات أهمية للعين غير المتمرسة , كان نضاله مع الشعب الهندي في الاعتماد على نفسه في انتاج قمحه وحياكة ثيابه.


إنه منطق أزلي بأن الابسط هو الأجمل , ماذا لو استطعنا عبر هذا النداء بالترتيب لمشروع الكيس الجميل , نبدأ بخياطته , نكتب عليه بعضا من أقوالنا , نستعيد فيه زمن “الطربة” الجميل فلقد آن الاوان.
“وقطر إلى قطر إذا اتفقت نهر , ونهر الى نهر اذا اجتمعت بحر” السعدي الشيرازي
جنة الورد

22-5-2014

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات