لون من الحياة (قصة)

10:21 صباحًا الأحد 1 يونيو 2014
شمس علي

شمس علي

كاتبة من السعودية

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

الأرففُ شبه الفارغة من البضائعِ، أثارتْ استغرابي في المحلِ الذي دخلته للتو.

ناديتُ البائعةَ الصغيرة، طلبت منها مناولتي سلعةً شدتني، من أجل أن اتفحصها عن قرب، لكنها لم تلتفت لطلبي.
طلبتُ منها أن تساعدني في نقل أمتعتي إلى القارب، أخبرتها أنه يرسو على شاطئ البحر، وأن لديّ حقيبةً ثقيلةً، وأن عليها أن تطلبَ مساعدة أطفالٍ آخرين.
أذعنتْ لرغبتي، سارتْ معي نحو الشاطئ، يرافقها صغارٌ ملابسهم بالية.
جر الأطفالُ الحقيبةَ، أعانوني على رفعها إلى سطح القارب، ومضوا.
عدتُ للتجول من جديد في السوق، توقفتُ أمام محلٍ لبيعٍ الإكسسواراتِ الذهبية، سألتُ البائعةَ العجوز، عن سعر قطعة إكسسواراتٍ أعجبتني، كانتْ القطعةُ مشغولةً على شكلِ دراهم، تشبه حلي النساءِ الغجريات، بيد أنها لم تتعرف على القطعةِ التي كنتُ أشيرُ إليها بإصبعي.
عندما يأستُ منها، انتبهتُ إلى وجود نفس القطعة، في المحل المجاور لمحلها.
انصرفتُ إليه، كانت تقف فيه عدة صبايا بائعات، سألتُ إحداهن وأنا أشير للقطعة عن سعرها، لكنها أيضا كانت تخطئ في تحديد مكان ما أشير إليه!
بعد أن كررتُ طلبي غير مرة دون جدوى، صاحت البائعةُ بتبرم: عودي في وقت لاحق، في تلك اللحظة ادركتُ أنني في مكان أراه للمرة الأولى في حياتي، وأن احتمالية عودتي إليه شبه مستحيلة. فأوضحت لها أنني غريبة، وتتعذر عودتي.
انتبهتُ إلى أن المرأةَ العجوزَ في المحل المجاور تناديني، ساعدتني على تخطي الجدار القصير الذي يفصل محلها عن محل الفتيات، عندما غدوتُ برفقتها، تذكرتُ حقيبتي، وصعوبة إنزالها من أعلى القارب دون مساعدة، انشغلت بذلك.
تلفتُ أبحثُ عن الأطفالِ الذين ساعدوني في حملها، عدتُ من جديدٍ إلى محل الطفلةِ الذي كان أولَ محلٍ أصادفهُ في بدء جولتي، ادعيتُ أنني أجريتُ عمليةً جراحية، لذا أحتاج لمن يساعدني في حمل الحقيبة.
بحثتْ الطفلةُ عن بقيةِ الأطفالِ لمساعدتي، لكنها لم تعثر لهم على أثر.
نادتني البائعةُ العجوزُ مجددا، ذهبتُ برفقتها، عبرتُ معها حارةً ضيقة، كانت بعض أبواب بيوتها المصطفة على الجانبين مشرعة، أخذتْ تحدثني عن نساء هذه الدور، وكيف غادرنها، وعن بقاء الذكور يقطنونها برفقة أطفالهم.
قالت: إن اليأس من حصولهم على ما مكثوا من أجله، بدأ يتسلل إليهم، وأن بعضهم أخذ في هجرها.
فاجأتني وهي تصيح: انظري ها قد بدأتْ عملية الهدم، وإعادة إعمار بعض البيوت، وبعد فترة، لن تجدي إحداها على وجه الأرض.
تفحصتُ الحارةَ الضيقة، بدتْ البيوت المتراصة على الجانبين، خليطاً من الطين، والطوب الأحمر الجديد.
أشارتْ إلى بيتٍ طيني، مشرع الباب، دهليزه غائرٌ قليلا تحت مستوى سطح الأرض، دنوتُ منه، مددتُ عنقي داخله، اصطدم نظري ببابٍ حديديٍ صغير، في نهاية  الدهليز، مطلي بلون برتقالي فاقع.
صرختْ العجوز فيّ: ابتعدي سريعا، ألا ترين أنه يشبه ثكنة عسكرية، وأن كاميرات للمراقبةِ قد زرعت فيه؟ لا شك أن الكاميرات التقطت لك صورا، وربما اعتبروكِ جاسوسة خطيرة، وأظنهم  سيبدأون في مطاردتكِ قريبا.
دققتُ النظر، لم أرَ شيئا مما قالت، استحوذت عليّ فكرة الفرار، بيد أن ذهني انصرف حالا لحقيبتي الثقيلة، ومن سيساعدني في حملها.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات