ديانات عفا عليها الزمن (2)

06:21 صباحًا الخميس 5 يونيو 2014
رضوى أشرف

رضوى أشرف

كاتبة ومترجمة من مصر، مدير تحرير (آسيا إن) العربية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

 

في الجزء الأول  “ديانات عفا عليها الزمن (1) ” تحدثنا عن حضارات مختلفة مثل الكنعانيين والأولمك، وديانات مثل المانوية والأشورية والأتونية وغيرهم. في هذا الجزء نحاول معرفة المزيد عن هذه الديانات المنقرضة التي لم تصبح أكثر من بعض التماثيل والألواح المهترئة، وقد تلاشت بمرور الوقت ولم تستطع مقاومة تأثير ديانات أقوى. وقد قام موقع ليستفيرس بتعديد بعض هذه الديانات المنسية.

 

ديانة بلاد الرافدين القديمة”

يُعتقد أن اللغة المسمارية السومرية هي أول أشكال الكتابة، وديانة بلاد ما بين النهرين هي أقدم ما تم تسجيله في تاريخ الكتابة. كانت تجسد أكثر من 2000 إله يأكلون ويشربون – وفي بعض الأحيان كانوا يشربون أكثر من اللازم. كانت تقام موائد إلهية وكانوا يعتقد أن الملوك والألهة يتفاعلون خلالها. أثناء أحد تلك الموائد، التي نظمها الإله إل، يقال أن الإله الأكبر شرب لدرجة كبيرة من السُكر، وقم تم تأنيبه من قبل بعضهم وأصابه إسهال وتبول لا إرادي. هذا بالإضافة إلى حادث أخر حيث قام إله أخر بالغضب من السلوك الفاسق لأحد الخادمات خلال أحد تلك الموائد.

في بابل، أكثر الأحداث إثارة للإنتباه كانت دعارة المعابد. رغم انه هنالك بعض الإختلاف حول التفاصيل، إلا أن بعض الباحثين يعتقدون، في بلاد الرافدين القديمة، الدعارة كانت مقدسة والجنس كان عبارة عن طاقة طبيعية مفيدة للبشر. أتباع عشتار، أحد آلهة بلاد الرافدين، اعترفوا بالجنس كرمز لقوة إلهتهم ومن أجل ذلك كانوا يقومون بتقديم الكثير منه في معابدها.

 

“ديانة العرب ما قبل الإسلام”

كان العرب الأصليون قبل مجئ الإسلام يعبدون عدد من الألهة الذين يتزعمهم اله واحد يدعي هبل، وكان الإله الأكبر. وقبل أن يأت سيدنا محمد ليعلنها تابعة للإسلام، كانت الكعبة في مكة المكرمة (مكان حج المسلمين بعد ذلك) بها العديد من الصور لمئات الألهة. وكانت الكعبة قد بنى أساساتها سيدنا إبراهيم، ولكن هؤلاء ممن إحتفظوا بها بعد ذلك بدأوا بوضع تماثيل ألهتهم بداخلها. وقد بدا أنهم انشغلوا بعبادة هبل بشكل خاص، حيث كان يُعتقد أن من ضمن شعائرهم تصويب السهام أعلى تمثاله ذا اليد الذهبية. وبعد دخول الإسلام، تم التخلص من كل هذه التماثيل.

الديانة الأصلية للعرب تلك كانت تقدر الشعر والقصص. كانوا يحترمون الشعراء لأنهم يعتقدون أن أعمالهم تلك جراء وحي إلهي. وطبقاً لإعتقداتهم، فأن قصائدهم كانوا يستوحونها من الجن، أو مخلوقات روحية أخرى، ممن كانت قواهم السحرية تسري في فم الشاعر. حب الكلمات لا يزال بادياً حتى اليوم في الكتابة العربية، والتي تم تطويرها بحرص مع الإحتفاظ بطرق النطق الأصلية للكلمات.

 

“الميثولوجيا السلتية”

معظم تفاصيل الديانات السلتية فقدت على مر الزمان، ومعظم ما نعرفه عنهم الأن تمت معرفته وتجميعه من مصادر مسيحية أو رومانية. هنالك الكثير من التعدد في الممارسات الدينية لمختلف القبائل السلتية، ومن الصعب جمعها جميعاً في صورة واحدة واضحة. ولكننا نعرف أنهم كانوا يقدسون المستنقعات، وكانوا غالباً ما يقومون بالتضحية بمقتنياتهم الثمينة في المياه الضحلة. وكان الكهنة يشرفون على مناسبات كهذه، ولكن لا نعرف عنهم الكثير سوى تأثيرهم الطاغي على الحضارة السلتية في فترة العصر الحديدي. نفس هذا التأثير هو ما قاد إلى قلة معرفتنا الحديثة بهم، حتى حاول الرومان إخراجهم بعد إعلان سيطرتهم على الجزيرة.

ولكن مازالت هناك بعض المصادر القليلة، من خلالها نستطيع معرفة بعض الألهة التي عبدوها. الإله الأعلى كان داجدا، وكان أكثر ما يشتهر به هو قدرته الجنسية. وقد صوروه على أنه إله قاس وسئ الخلق، فقد كان يترك أعضاؤه التناسلية بادية للعيان عن قصد، فقد تزاوج مع عدد من الألهة الإناث، حتى أنه ضمن الإنتصار لشعبه مرة بمغامراته الجنسية.

 

“الديانة السلافية القديمة”

الديانة السلافية الأصلية كانت تتميز بعبادتها لألهة متعددة الأوجه وشعائرهم المرتبطة بالطبيعة. كان هنالك الكثير من الألهة ذات أوجه كثيرة، كل وجه منها يمثل جانباً مختلفاً من قوى الإله. أحد الألهة الكبرى، سفانتوفيت، الذي من المرجح أن يكون هو الإله الأعلى، كان إله الحرب والخصوبة في أن واحد، وهناك بعض الأقوال بأن كان لديه رأس ذكر ورأس أنثى.

وكمثل معظم الديانات القديمة، معظم المعلومات عن ألهة السلافية القديمة اختفت مع دخول المسيحية – على الرغم من أن المسيحية قدمت الكتابة إلى تلك الشعوب الشفهية، وهذا ما ساعدنا في معرفة معتقداتهم الأن. عبادة آلهة السلافية استمرت حتى بعد دخول المسيحية، ولكن بمرور الوقت بدأ الألهة المحليين بإتخاذ هيئة القديسين المسيحيين. وأخيراً، كل تلك المعتقدات الأصلية تلاشت مع ازدياد تأثير الكنيسة ليتم نسيانها.

ولكن بعض تأثيرات الديانة السلافية القديمة تركت علامتها على تقاليد الأعياد المسيحية. فالديانة تم نسيانها تحت عباءة المسيحية، ولكن بعض عاداتهم لم تتغير تماماً. تلوين البيض في عيد الفصح، على سبيل المثال، يُعتقد انه يشابه ذلك في احد إحتفالات السلافية لتشريف جاريلو، الإله السلافي للنباتات والخصوبة.

 

الأورفية

يرجع سبب تسمية الأورفية بهذا الاسم، إلى القصائد الدينية التي اشتملت على عقيدتهم والتي لحنها الموسيقي أورفيوس، في الميثولوجيا اليونانية. تمحورت حول نسخة بديلة لخلق البشر، فيها يقوم زيوس بإنجاب طفل من ابنته بيرسيفوني. كان اسم الطفل زانجريوس، وينوي زيوس أن يجعله يحكم الألهة الأخرى. ولكن الجبابرة شعروا بالغيرة من قائدهم المستقبلي ليقضوا عليه قبل أن يتمكن من التحكم بالألهة. غضب زيوس فضربهم بصاعقة، ومن رمادهم ولد أوائل البشر. وطبقاً لعقيدتهم فأن البشر ورثوا روح زانجريوس الإلهية، ولكن تدمير الإله شبيه للغاية بالمعصية الأولى. وعلى البشر أن يحيوا عدة دورات من حياتهم من البعث قبل أن يتم تطهيرهم ويولدوا في عالم أخر من النعيم.

أتباع الأورفية كانت لهم العديد من المحرمات، معظمها نشأ من إيمانهم بالبعث. أكل اللحم، على سبيل المثال، تم منعه لأنه يعني أكل مخلوق أخر. إرتداء الصوف كان ممنوعاً كذلك، ولكن ذلك كان جزءاً من نظام عقائدي أكبر كانت تتشاركه العديد من الديانات. وكانوا غير مشجعين على الحمل كذلك، حيث أنهم كانوا يعتبرونه سجن للروح في جسم بشري. تحريمات الأورفية الكثيرة جعلت من الصعب الإقتناع بها لدى الكثيرين، مما كان له دور كبير في إختفائها.

 

“الأفلاطونية الحديثة”

إستناداً على أعمال أفلاطون، نشأت الأفلاطونية الحديثة على يد الباحث أفلوطين، الذي كان يسعى لإعادة تقديم كتابات الحكيم القديمة بشكل صحيح. أتباع الأفلاطونية الحديثة كانوا يؤمنون بفكرة “الواحد” مصدر كل الحياة. لم يكن ذلك الواحد مخلوقاً بل بمعنى أصح وجود يفوق فهمنا. كانوا يؤمنون بأن العالم الحقيقي كان يفصلنا عن الواحد وبالتالي فهو شر، ولكن بشكل تجريدي حيث أن في النهاية هذا العالم الحقيقي من صنع الواحد، مصدر كل شئ.

أتباع الأفلاطونية الجديدة كانوا يؤمنون كذلك في العالم/الروح، بوجود إتصال جوهري بين كل مخلوقات الكوكب. كل البشر، وحتى النباتات، بداخلهم أرواح، ولكن تلك الأرواح ليست محبوسة بالكامل في جسدها الفيزيائي.  فكانوا يؤمنون بان جزء من الروح يستقر في الجسد بينما الجزء الأخر يعمق من صلاته وإتصاله بالعالم/الروح الأكبر الذي يجمع بين كل المخلوقات. وكانوا يؤكدون على ضرورة التأمل في الإرتفاع، وألا ننشغل بالعالم الحقيقي الذي تهبط فيه بعض الأرواح.

 

“آلهة الحثيين”

ديانة الحثيين كانت تدعى “ديانة الألف إله” بسبب عدد آلهتها الكبير، وكان كثير منهم لا يعبدهم سوى قرى منفردة. كان هناك المئات من الألهة المحلية، وقد فقدت معظم أسمائهم والأن لا نعرف سوى أشكالهم من الصور المحفوظة. كان الحثيين منفتحين فيما يخص ألهتهم، فقد إعترفوا وحتى تقبلوا وضموا بعض الألهة الأجنبية. وعلى الرغم من عدد الألهة الكبير إلا أنه يتضح أن بعضهم تمكن من حيازة القيادة. الألهة الرئيسية كانا إله السماء ذو الصواعق، الذي كان يشبه زيوس إلى حد ما، وزوجته، الإلهة الأم التي كانت على نفس مستواه. ويتضح أن الحثيين لم يقوموا بالتفريق بين الجنسين في ديانتهم.

أحد أساطيرها هي أسطورة إله الزراعة “المختفي” الذي يترك الأرض لفترة من الزمن ليسبب فترة إحتياج، مشابه في ذلك لقصص بيرسيفوني، ديميتير، وهاديز. ولأن النصوص غير مكتملة، فسبب رحيل الإله غير معروف عدا أنه ربما يكون قد تم إغصابه بطريقة ما. بعد محاولات الألهة العديدة لإيجاده، تنجح الإلهة الأم بإرسال نحلة إلى الحقول. تجده النحلة وتقرصه لتوقظه، ومن ثم يسترضيه الألهة الأخرون بالهدايا ليعيدوا العالم إلى حالته السابقة.

 

الديانة المجرية القديمة”

لا نعرف الكثير عن الديانة المجرية القديمة. ولكننا نعرف بعض المعلومات من التراث الشعبي المجري الموجود، مثل إيمانهم بوجود عالم أعلى وأوسط وسفلي يجملهم جميعاً “شجرة بحجم السماء”. كان هنالك العديد من الألهة، من ضمنهم الشرير أوردوج، وبولدوجسزوني، التي كانت في الأصل إلهة مجرية ولكن تحول اسمها لاحقاً إلى ماري العذراء تطبيقاً لنصيحة أحد المبشرين المسيحيين في المجر.

ما نعرفه كذلك عن ديانتهم، هو أهمية الكهنة الشامان خاصتهم “التالتوس”. حيث كانوا يتسلقون شجرة السماء ويتصرفون بإعتبارهم ممراً أو بوابة للألهة. كانوا يختارون الشامان على حسب العيوب الخلقية – فكانوا يختارون هؤلاء الذين يعانون من بعض المشاكل مثل مشاكل في الأسنان أو الأعضاء حيث كانوا يعتقدون أنهم جزء من الترتيب الإلهي. كان الشامان يتملكون مجموعة قوى كبيرة، من التواصل مع الحيوانات وصولاً إلى القوى الجسدية الخارقة. ما هو مثير للإهتمام، أنه على الرغم من فقدان الديانة التي نشأت منها هذه القصص على مر الوقت، إلا أنه هنالك بعض التالتوس الذين يمارسون نشاطاتهم حتى اليوم ويجمعون بين التراث الشعبي والعادات القديمة، حتى أن بعضهم بدأوا يتبنون عادات الشامان والكهنة الخاصة بالثقافات الأخرى.

 

ديانة ما قبل الشينتو اليابانية”

قبل تأسيس الشينتو في اليابان، بدا أن الديانة اليابانية كانت مرتبطة بالكهنة والشامان. هنالك العديد من التسجيلات والقصص عن إمبراطورة نصف أسطورية، هيميكو (أو بيميكو)، وهي شامان قمت بسحر شعبها وكانت تمارس التنبؤ عن طريق حرق العظام. في ذلك الوقت لم تكن اليابان قد أسست نظام كتابة بعد، لذلك ما نعرفه عن اليابان قديماً يأتينا من مصادر صينية وأدلة وحفريات تاريخية.

تم العثور على الكثير من تلال الدفن التي تعود إلى الأغنياء. غطت تلك التلال منحوتات تدعى هانيوا، والتي يعتقد علماء الأثار أنها تمثل خدم ومتعلقات المتوفي – أو ربما أرواحهم الحارسة. بدون أي تسجيلات مكتوبة لسنا متأكدين بالفعل. تقليد وضع منحوتات لتمثل الممتلكات يقال أنه تم أخذه من الصين، فيما يشبه جيش الفخار الطيني الشهير. على الرغم من ذلك، فأن حقوق الموت وشعائر الدفن التي سجلها الصينيين تظهر الإهتمام الكبير بالحياة بعد الموت في اليابان ما قبل الشينتو.

تظهر التسجيلات فيما بعد أن ديانة اليابان القديمة تلك بدأت بالتحول إلى الشينتو، أو بمعنى أصح إدعاء العائلة الملكية بنسبهم الإلهي. وعلى الرغم من ضعف الدلائل، إلا أن ملك اليابان أنذاك كان يعد نفسه أحد أقرباء الألهة. أحد الوثائق الصينية تظهر إدعاؤه بأنه يهتم كل الأعمال الرسمية قبل الفجر، ومن ثم يقوم بتحويل شئون الدولة إلى أخيه الأصغر، الشمس، بمجرد صعوده إلى السماء، ليبرر عدم قيامه بأي عمل طوال اليوم.

 

“الديانة الباسكية القديمة”

الديانة الباسكية القديمة كانت تضم عدداً من الألهة، ولكنها كانت ترتكز على  “إلهة عظمى” تدعى ماري. كانوا يرونها كألهة طيبة عطوفة وشريرة مدمرة في آن واحد. يمكنها بكل سهولة أن تطلق أحكامها على الأشرار وأن تسبب عواصف ثلجية عنيفة بلا سبب. كانت إلهة تسكن تحت الأرض، وكان شعبها يعتقدون أن عالمها تحت الأرض كان نوعاً من النعيم والذي يصل تأثيره إلى العالم من خلال الكهوف والحفر.

هي ومخلقوات أخرى تدعى لاميناك، كانوا يؤثرون على العلاقات البشرية من خلال مبدأ المعاملة بالمثل. الثقافة الباسكية كانت تهتم بشكل عام بالعلاقات التعاونية الصادقة ، وكانت ماري واللاميناك يتدخلون للقضاء على أي كذب. أحد القصص تقول أنه إذا حاول مزارع إخفاء بعض محاصيله عن هؤلاء الذين في حاجة إليها عن طريق الكذب وإخبارهم بأنه ليس لديه كمية كافية، فان ماري أو اللاميناك كانوا يأخذون محاصيله ويتركون لديه ما قال أنه لديه فحسب. وكان الباقي يتم نقله إلى عالم ماري السفلي لتعزيز ثروتها الهائلة.

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات