أهل الجنة … أهل النار

09:42 مساءً الإثنين 9 يونيو 2014
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

١-

العصا

تحكي الحكاية حكايتها , ولعل سحابة ما كانت قد زامنتها , ولربما لامست تلك السحابة اجنحة نجمة الصباح , هي التي تقف ما بين صباح متوهج بالبياض , وما بين ليل متمسك بالسواد.

فكان أن كانت تلك الحكاية , ثم صادفت من عشق معانيها وأدق تفاصيلها , فكان أن كانت لا تذوب في حياة الايام ولا يُغرقها بحر النسيان .. تهمس بها الامهات في الليالي الطويلة لكي ينام الاطفال .

تحكي الحكاية حكايتها , كان يا ما كان . وما سوف يكون . أنه هنالك في ذاك الزمن , كان عابد زاهد ومستنير  , سكناه في أعالي الجبال أحيانا , وفي بطن الصحراء أحيانا أخرى . يُمسك عصاه ثم يغمض العيون فتتحرك بوصلة قلبه الى كل مكان , زمن استقراره قليل قليل . فهو في شوق الى لقاء كل زهرة آن أوانها , لكل حديث يدور ما بين من يصادفهم , يملأ جوفه فيما يَسمع , كأنه البحر في مده وجزره فيحضر ذاك السؤال الذي لازمه منذ أن عرف ذاته :

ماذا يدور في أعالي الأعالي ؟

إلى أن سمع همسا كلاما . وهو ما بين الصحو والنوم . يخبره بأنه قد آن الاوان له ليحصل على الجواب , أكثر من صلاته , فشعر بالأجنحة تدق على كتفيه , لامسها , فشعر بنعومة ريشها , انتشر عبيرها في خلاياه , الى أن اقتربت منه يد حنونة , مرت على أجنحته . فكان له الانتقال الى الأعالي .

توقف عند الباب الأول : باب جهنم , دخل مضطربا مرتجفا , ولكن ما زاد ضياعه وحيرته أنه رأى أهل جهنم يجلسون في انتظام . وأمامهم مائدة طويلة , عليها كل أنواع الطعام والشراب والحلويات, ولكن كان كل منهم يمسك بعصا طويلة جدا ,لكي يكون باستطاعته التقاط الطعام , ولكن أنّ لعصا طويلة جدا ذلك؟

ترك أهل جهنم وتوجه مسرعا متلهفا الى باب الجنة , فتحت له الابواب , ليرى مائدة مماثلة تماما للمائدة التي رآها عند أهل جهنم , ولكن الفرق الوحيد أن أهل الجنة كانوا يمسكون بعصاهم لكي يطعموا من حولهم , وهذا مغاير تماما لأهل جهنم الذين أمسكوا بعصاهم الطويلة لكي يطعموا أنفسهم.

فرق بسيط جدا في شكله ولكنه عميق في معناه , نحن جميعا في مشوارنا الحياتي لا بد أننا عشنا هذا الفرق , في استعمال العصا , لا بد أننا قد اختبرناه عبر لحظات جميلة كانت هنالك عصا تمتد في اتجاهنا , ربما تتجلى في ابتسامة دقت على بوابات عيوننا , ربما عبر تواصل يسألنا عن أحوالنا , وإن كنا بحاجة لأي مساعدة , ربما عبر كتاب قرأناه أو بيت شعر جميل رددناه . فكان أن لامست معانيه أرواحنا .

إن مشوار العطاء الانساني يتلخص في عبارة واحدة , أنه هنالك من حاولوا واجتهدوا في سبيل أن يجعلوا الحياة أجمل , عبر شمعة عطائهم واخلاصهم , هؤلاء الذين امسكوا بالحياة بكل تفاصيلها وحاولوا أن يجعلوها أجمل وأفضل اشتركوا في صفة واحدة أن انجازاتهم قد هربت من مناخ الذات الضيقة للتمازج مع ما يحيط بها.

كانت وما زالت خميرة الحب التي امتلكوها تمتزج بأعمالهم , بأقوالهم , وبسلوكهم أيضا , هؤلاء هم الذين لا يزالون إلى الآن في ذاكرة قلوبنا.

واليوم ماذا لو كان كل منا , أمسك قلمه ودفاتره لكي يُسطر ذكرياته , تجاربه وموقفه مع الذين كان لهم عصا الجنة مع الذين حركوا أيامه الى الأجمل .

ماذا لو قمنا بتوثيق كل كلمة كل تجربة . استطاعت أن تنقلنا الى شواطئ السكينة والرضا ولا اعني بهذا الزمن الحاضر فقط .

وإنما العودة الى كل من أمسك بعصا الجنة , العودة الى الاشياء الصغيرةالصغيرة جدا التي لونت حياتنا عبر عطاء من حولنا .

لنقول لهم شكرًا

One Response to أهل الجنة … أهل النار

  1. Zahia abu alsameed رد

    14 يونيو, 2014 at 3:06 م

    نعم أن تلتفت إلى من حولك تشاركهم أي شيء تشعر بأنهم بحاجة له فأنك تصل إلى المتعة الحقيقية تعيش في الجنة وتنشر خيراتها على محيطك
    أبدعت سيدة نجوى بطرحك والمثال الذي اخترته فها أنت تمارسين سلوك أهل الجنة وتثري حكمتك ومعرفته على من حولك
    شكرًا لك لقدرتك عل التواصل بطريقة مفيدة مع الآخرين شكرًا لك لأنك لا تحتفظ سن بجواهرك لنفسك
    أبدعت وأمتعتنا

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات