تحكي الأسطورة الفرعونية القديمة قصة الحب الخالدة بين إيزيس وأوزوريس وكيف أن دموع إيزيس التي ذرفتها حزنًا على مقتل زوجها أوزوريس بيد شقيقه ست؛ تلك الدموع المنهمرة، هي التي فاض بها الوادي بمياهه العذبة الطاهرة.
قتل ست أخاه أوزوريس طمعًا في عرش مصر ولما وجدت إيزيس جثمان زوجها بعد رحلة بحث طويلة تمكّن ست من سرقته مرة أخرى وقًّطعه إلى إثنين وأربعين جزءا وزعها على أقاليم مصر, إلا أن إيزيس لم تيأس وتمكّنت من جمع أشلاء زوجها أوزوريس والذي صار إلهًا في مملكة الموتى..
ولما كبر ولدهما الإله حورس أدرك مافعله عمه بوالده فقرر الإنتقام وانتهى الصراع بينهما بانتصار حورس وعودة مصر الى النظام والاستقرار اللذين غابا في فترة حكم الإله ست الظالم ..
ونجد هذا الحوار الأسطوري بين الإله حورس الابن والإله أوزوريس الأب في كتاب الموتى :
حورس: انهض يا أوزوريس
أنا ولدك حورس
جئت أعيد إليك الحياة..
أنا لك دائما قلبك الحقيقي
قلبك الماضي !!
أوزوريس الميت: إني حي , إني حي.
تلك الأسطورة الاستثنائية بكل ما تحمله من معاني التضحية والاصرار والوفاء والخلود مبعث الالهام لآلاف من الكتّاب والفنانين والمبدعين هي معين لا ينضب ودليل عظيم على عمق وأصالة الحضارة الفرعونية المصرية القديمة.
فيلم لا يحمل من الأسطورة إلا اسمها:
أليكس بروياس مخرج أمريكي متواضع نسبيًا في مجال السينما العالمية, قرر تقديم فيلم عن (آلهة مصر) ويحمل الفيلم ذات الاسم وقد أطلقت ماكينة الدعاية الأمريكيةعلى الفيلم مصطلح (ملحمة)!! وتم رصد ميزانية تصل إلى 150 مليون دولار. لكن المخرج لم يصور أحداث الفيلم في مصر ـ رغم أن الاحداث جميعها تدور في أرض المحروسة ـ واختار أن يصور الفيلم كاملا في استراليا ,كما سيتم تصوير مشاهد الفيلم الداخلية في ستوديوهات شركة فوكس الأمريكية!!
استعان المخرج، والذي يُشارك في كتابة سيناريو الفيلم أيضا، بأبطال ليسوا نجوما في عالم السينما بالمعنى الواسع مثل: برنتون توتيس, نيكولاي كوستروالذي يقوم بدور الإله حورس, راشيل بليك, جيفري راش الذي يجسد دور الإله رع إله الشمس, جيرارد باتلر النجم الإسكتلندي يقوم بدور إله الشر ست , وهم جميعًا من أصحاب البشرة البيضاء وهو ما يخالف طبيعة الوجوه المصرية عامة؛ لاسيما الفرعونية منها.
ولما قدم موقع صحيفة (ديلي ميل)البريطانية مشاهد من الفيلم فإذا بجيرارد باتلر والذي يقوم بدور الإله ست إله الشر يرتدي ملابس شبيهة بالأزياء الرومانية القديمة ويضع ماكياجا برونزياعلى وجهه!! فثارت حملة كبيرة مضادة لهذا الفيلم والذي من المنتظر أن يُعرض في دور السينما العالمية في شهر فبراير 2016القادم.
هذا المخرج قدم من قبل أفلامًا مثل THE ROBOT ، THE CROW, بالإضافة إلى بعض المسلسلات التلفزيونية .
لذا فإن تقديم أفلام حول الحضارة المصرية القديمة مهما حملت من مغالطات لا تشكّل قيمة حقيقية قدر ما هي دليل حي إما على تحيّز وعنصرية أو جهل بالتاريخ ومفرداته وكلاهما عار كبير , أما الأصل والحقيقة فهي منقوشة على جدران المعابد وفي الغرف السرية والمراكب الشمسية والتي سّطرها قدماء المصريون منذ آلآف السنين.
الإلهة ماعت : الريشة والقلب في محكمة الآخرة
إنها إلهة النظام الكوني والخلق الطيب والعدل في الكون عند قدماء المصريين وهي تُمثّل على هيئة سيدة تعلو رأسها ريشة نعام وتُمسك في يدها مفتاح الحياة والمعروف في اللغة الهيروغليفية باسم (عنخ) بينما تمسك في يدها الأخرى صولجان الحكم.
والمثير للدهشة الإعجاب والإحترام لهذه الحضارة العظيمة هو أنهم توصلوا إلى حقيقة الحساب بعد الموت وأن القلب هو معيار التقييم وذلك إعمالا اقوله تعالى في كتابه الكريم “إلا من أتى الله بقلب سليم” صدق الله العظيم .
فيتم وضع قلب الميت في الميزان في كفة وفي الكفة الأخرى ريشة الإلهة ماعت , فإذا رجحت كفة قلب المتوفي فإنه يدخل الفردوس, أما إذا رجحت كفة الريشة فإن مصيره الجحيم وهو الوحش التخيلي عند الفراعنة والذي يُعرف باسم (عمعوت) رأسه رأس تمساح وجسمه جسم أسد والجزء الخلفي له جسم فرس النهر.. وكانت الهيئة التي تتولى المحاكمة تتكون من 42 قاضيا بعدد أقاليم مصر وقتئذ.
ونجد هذا المعنى كذلك متجسدا بعيدا عن التفاصيل في فكرة الميزان يوم الحساب في قوله تعالى في سورة القارعة “فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية , وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهي , نار حامية” صدق الله العظيم.
حضارة المصريين القدماء الضاربة بشموخها وقيمها النبيلة هي طاقة الأمل والفخر ومعابدها الشامخة في أرض مصر من أقصاها إلى أدناها وآثارها العظيمة خالدة خلود الدهر .. فقد ترك لنا أجدادنا الفراعنة موسوعة في الأخلاق والفن والفكر والسياسة ومنهجا للحياة والعمل ..ونحن دائما وأبدا ومهما تفرقت بنا السبل وساد الظلام في فترات من التاريخ إلا أن حوريس يبعث في وطننا الروح ويعيد إليه العدل والنظام ويمنح اهلها الصابرين الأمل في الغد الأفضل لان الغلبة دائما للأصلح وللقلوب المخلصة التي تدرك أن قيمة الوفاء والتضحية من أجل الله والوطن من قبل ومن بعد وحتى تكون كفة القلب هي الغالبة يوم الحساب.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.