سحابة الحيرة

05:13 مساءً الثلاثاء 1 يوليو 2014
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

صباح الخير يا أصدقائي

انني أحاول

لا أستطيع

أنا في حيرة من أمري

من يساعدني ؟ من يرشدني ؟  فالأمر حيره

سأروي حكايتي

أنا بين حمامات صافات جميلات يملأن شرفة منزلي

أصحو مبكرة

مبكرة جدا

لكي لا يتأخر اللقاء بيننا

اذا ما تأخر النوم في عيوني

أسمع أصواتهن

أشعر بدورانهن

فأفهم الرسالة .

طال مشواري معهن

هن لي

ملاذا ورحمة

حالي كحال من يقرأني الآن

أو بعد

بعد

بعد الآن

لي سهول وهضاب في مشاعري

لي مياه تتعكر

ومياه تصفو

أنا بين هذا وذاك

يتركني النظر

مسرعا متلهفا لعناق الحمامات

عندئذ تستعيد روحي عافيتها .

حكاية وحكايات معهن

يوما ما اختارت

هذه الحمامة أن تتخذ من وعاء نحاسي

كنت قد وضعت فيه الخبز ليتخذ صفة اليبوسة

اختارته أن يكونا عشا لها

بالرغم

من هذا الكم من الخبز اليابس

أصبح هذا الحدث

عنوان لحديثي

وشرح لتفاصيله

هكذا كنا

أراقب

أنتشي

أشدو بترنيماتهن

ألامس قوى الحياة

تلتصق بجدار بيض الحمام

لكي يرق الجدار

رويدا

رويدا

في لحظة ما

يطل الحمام الصغير

الصغير جدا ليعانق الصباح

ليغفو تحت جناح الأم

التي تتناوب على حراسته مع الأب

نحن عائلة روحية

حمامات تحلق

عصفور يزورهن للمشاركة

مناجاة لا تنتهي

يعرفها الأثير

يلفنا بأجنحته غير المرئية

هذا الطريق الذي جمعنا

توهمت وتوهمت

ثم توهمت

أن يسير كجدول صغير ،تنمو على ضفافه أعشاب الرضا والسكينة .

حتى في أيام الشتاء الماطرة

ذات الرياح الراقصة

كن دائما في زيارتي

فما أن

تزيح الغيوم بيوتها عن السماء

حتى يأتين متلهفات لوعد اللقاء .

هي شرفة عالية

أقف أحيانا لأنظر

أرى بعض القطط في المكان

أطفال يحملون حقائبهم المدرسية

عمال مهمتهم تنظيف الطرقات

ثم يجمعون الأكياس المبعثرة التي اختار أصحابها أن يرموها بعيدا عن الحاويات  المخصصة لهذا الغرض .

 

اليوم الجميل

اليوم الجميل

بدأت فيه أوراق الشجر

تسلم على بعضها البعض

استعدادا لرحلة الرحيل

أوراق

تبدأ بالذبول

لكي تأخذ من الشمس أشعتها

تتراكض على انفراد

على شكل اسراب متلاصقة

أوراق الخريف هذه

أنظر اليها بخشوع

هي تؤدي التحية

للأغصان التي تركتها

مع الوعد لها بالرجوع .

الخريف ذلك الذي يمتلك سحرا

يخفي متاعه عن الشتاء

يحتفظ بأشواقه للصيف

يرتب مفرداته

للتفاهم مع الربيع

أراه

يستند على الشتاء الآتي

يلتفت للصيف مودعا

انه يمتلك دائرته .

استطاعت

استطاعت

أوراق الخريف

أن تزور شرفتي

أمسكت بها

تأملت سحرها

شعرت برقتها

أدهشتني تعرجاتها

طلبت الاذن منها

لوضعها

في كتابي بجانب ريشة بيضاء تركتها حمامة ما .

كان

ان كان

شيء ما

احساس ما

أكون

غير صادقة لو قلت انني اختبرته من قبل

ذاك الشعور

ذاك الدافع

ولكم أن تسموه ما شئتم

حالي كحالكم في حيرة

ذاك الذي استقر في عالمي

دفعني لأن أنهض من فراشي

الشمس لم تشرب قهوتها بعد

أسرعت

أسرعت لأرى

ماذا أرى ؟!

قطا كبيرا في زاوية الشرفة

في مكان وعاء القمح

وللأمانة

دقات قلبي

التي

تدق جدراني

الاهتزازات

في يدي الممسكة بحبات القمح

جعلت صورته غير واضحة

ألوانه غير محددة

ذاك الانفعال

دفعني لأن

أصرخ

ثم أطرده

الأسئلة تتوالى عندي

كيف

استطاع الوصول الى شرفتي ؟

لم أشعر به الا قاطعا للعلاقة التي تربطني بالحمام .

نظر بعيوني

أدار ظهره

قفز قفزة عالية

عالية جدا

غادرني

هو

وفرحت أنا

أمسكت بحبات القمح

وضعتها في مكانها

مع الخوف المتنامي من عودته

شعرت بتلك الأجواء

فتأخرت بالقدوم

بدأت

تضاريس القلق تتشكل في داخلي

ابتدأ الشوق يمارس لعبته

بدأ البكاء

أتراني

لن أراهن مرة ثانية ؟

ماذا لو جاء القط على غفلة مني ؟

ماذا

لو صحوت لأجد دماء في شرفتي

ماذا ؟

ماذا ؟

الى أن جاءت الحمامة الأولى

ذات الهلال الأبيض على الجناح

ثم توالت

باقي الحمامات كقصيدة شعر

 

صباح جديد

لأجده في نفس الزاوية

صرخت

بصوت لم أتمكن من معرفة مصدر قوته

طريقة انتشاره

شعرت

به

صرخة ملأت

المكان

الزمان

أدار ظهره متمهلا

تلاقت نظراته مع نظراتي

فأغمضت عيوني

حاولت أن أبدد الجفاف الذي غمرني

فتحت عيوني

لكي لا أجده .

انتظرت قدومهن

أكلن

شربن الماء

رفرفن بالأجنحة

أما أنا

فعدت الى ما يشبه عالمي قبل زيارة القط .

 

مع الصباح

وقفت على الشرفة من جديد

نظرت الى كل ما يدول حولي

أتراني

قد رأيته

شاهدته

عرفته

من قبل

 

العصافير التي تتقافز بين غصن وغصن

هل باستطاعتها أن تساعدني

لأفهم ماذا يدور من أحاديث كونية

الشمس التي تحاول أن تتمركز على مرآة ملقاه

أتراها

تخبرها كيف يكون سحر الانعكاسات

كأن

يدا هاربة

من منطق

الزمان والمكان

أمسكت برأسي

لكي يطل على أسفل البستان

وجدته

هناك

تمعنت به

بروية

بدون احكام

لأرى جماله

له ألوان ما بين الأبيض والأسود . أما ذيله فهو مخطط بعناية كبيرة .

 

وكان

القط : هل أنت بخير الآن بعد أن طردتني عدة مرات ؟ .

وماذا علي أن أفعل ؟

القط : انني جائع جائع .

يا صديقي لو أطعمتك مرة فلسوف تتمركز على شرفتي . هكذا يقولون عن القطط . وأنا كما تعرف أخاف أخاف على الحمامات ,

القط : ألا يوجد في قلبك متسعا لقط جائع . أود أن أسأسلك هذا السؤال فاسمعيني : هل تعتقدين أنه بحوزتك

معاني الرحمة والعطف الشاملة ؟ .

” لأنني لا أملك جوابا واضحا ، أو بالأحرى لأني شعرت أنه على صواب فيما يقول لقد أثار في داخلي مفهوم العدل مجددا ” ، أجبته على الفور : أيها القط !

باستطاعتك أن تحصل على طعامك من مصادر شتى ! .

القط : مصادر شتى ! ، هل تعرفين شيئا عنا نحن معشر القطط ؟ أين أبدأ؟ من الشوارع ؟ من المنازل ؟ . فعندما نكون في المنازل التي لديها الوفرة في الطعام

ركزي جيدا

الوفرة في الطعام  فقط

تكون حياتنا لا بأس بها

الى أن يأتي قرار ما من أصحاب البيت بأن الاحتفاظ بنا يجب أن يترافق مع عملية مؤلمة لنا  – القط  القطة –حتى لا نستطيع الاحتفاظ بنعمة الأمومة والأبوة ، لي صديقة ربما سوف أعرفك عليها ، ما أن تبدا بولادة أطفالها حتى تسمع الكلام الذي يدور ” لا نستطيع الاحتفاظ بهن ” . ” اسألي الجيران ان كانوا يريدون قطة” لا ! هذه القطة جميلة جدا سوف نحتفظ بها . هل تعرفين أننا الذين يطلق علينا بالحيوانات نتعرف على أطفالنا منذ لحظة الولادة ، فماذا عنكم يا بنو الانسان ؟ هل لديكم هذه النعمة ؟ .

يا أيها القط هنالك الكثير الكثير من الطعام في الأكياس الملقاة ، أنت تعرف هذا .

القط : ربما في ما مضى .أما الآن لا نجد شيئا ربما .حتى العظام ان وجدناها تكون خالية من أي بقايا من اللحم أو الدجاج .

ماذا ؟ هل امتدت نتائج الفقر والغلاء الى دنياكم ؟ .

القط : من أين لك أن تعرفي

أنت في مكانك تطعمين الحمام لكي تشعري بالرضا والسلام ؟ لماذا لا تنزلين من شرفتك هذه

عندئذ سوف تفهمين أكثر .

لكنك أنت أيضا قفزت من أسفل الشرفة الى أعلاها لكي تتعدى على عالمي ، وايضا تتحداني .

القط : أتحدى ! أتعدى ! من أين لك هذه المفاهيم ؟. انني جائع وكفى . ان للجياع حق بأن يدافعوا عن لقمتهم .

” العدل ، العدل . العدل ذاك الأكسير السحري لكل همومنا . كل شيء في الكون قابل لأن يتجزأ الا العدل . اما أن يكون أو لا يكون .

هربت من كلام القط الى عالم الخليفة عمر بن الخطاب ، ذاك العادل . جاء الكثيرون وذهب الكثيرون الا كلمات عمر بن الخطاب بقيت ترتدي ثوب الخلود : ” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ” ؟ .

استعدت صورة ذاك المعلم الانسان في مدرستي الابتدائية

هو المولع بالصحابي أبي ذر الغفاري الذي كان مدافعا عن حقوق الفقراء ها هو يمسك بالطبشورة البيضاء يكتب على اللوح الأسود :

” عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج شاهرا سيفه ” ؟ !

نظرت اليه بعيون أزاح عنها كل غلاله

استمعت اليه بقلب غسله بماء حكمته

الى أن جاء صوته ثانية :

القط : أريد أن أبوح لك بهمومنا .

أي هموم يا صديقي ؟

القط : انكم بنو الانسان تطلقون علينا وصف حيوانات أليفة ، هل هنالك معنى للألفة غير المحبة والتقارب ؟ ! .

نعم نعم نعم ان الكثير من الناس يحبون القطط ويشاركونهم حياتهم .

القط : نعم ، أنا لا أنكر هذا

لكن لو لم يكن من نصيبنا أن يجرنا الانسان الى عالمه

لكنا ما نزال في الغابة نتقاسم حياتنا الحقيقية

ان الشعور بالحرية قد افتقدناه

اننا في عالمنا لا نقتل الا بدافع الجوع القوي

أما أنتم بنو الانسان

فالقتل لديكم

له دوافع

مبررات لا تنتهي

أنتم تعيشون في أقفاصكم

ها نحن محكومون بأن نشارككم هذا القفص

آه يا أيها القط ! ، هديرا من الأسئلة الكونية المقلقة تلقيها

ها أنا أنتقل من مركب الى مركب آخر

أنظر بمرآتك

فأشعر بك جائعا خائفا

لا استطيع مساعدتك أنظر بمرآتي

فأشاهد ذاتي

قد اتخذت من صحبة الحمام في البداية

ملاذا وعونا

الى أن أصبحت

لاحقا هروبا

من عالم

لا أستطيع الاستمرار في التحديق بظلمه

جوعه

لعلي قد تحايلت على ذاتي

أغمضت عيوني

وسكرت مسامعي

الى أن جاورتني يا أيها القط

فانكشف سري

وبان

ها أنا أقف في أعلى الشرفة

وأنت تقف في أسفل الشرفة

ووعاء فيه الكثير الكثير من حبات القمح

التي ما زالت تتنفس أشعة الشمس

لحمام

ربما يأتي

ولحمام

ربما لن يأتي

 

” أهدى أن تهتدي الى الحيرة

 

لأن الأمر حيرة

 

 

والحيرة حركة

 

والحركة حياة ”

( محي الدين بن عربي ) .

 

27/10/2013

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات