بين دعم “السلعة” ودعم “الفقراء”

12:10 مساءً الأحد 6 يوليو 2014
أمير الغندور

أمير الغندور

كاتب من مصر

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

في خضم الضجة حوالين إلغاء “الدعم” .. ممكن تكتشف كل شوية حقائق تغير وجهة نظرك .. من النقيض للنقيض ..

منها مثلا .. إن فيه أنواع مختلفة من الدعم .. وإن مش كلها كويسة .. لكن فعلا فيه أنواع دعم لها تأثير سلبي ..

مثلا فيه فرق بين دعم “السلعة” وبين دعم “الفقراء” ..

دعم السلعة .. مش بيؤدي لدعم الفقراء بالضرورة .. لكنه بيصب في صالح دعم “كل” الناس اللي بتستخدم السلعة دي بكميات أكتر .. ودول مش بالضرورة بيكونوا فقراء .. بل بالعكس ..

فمثلا لو دعمت الأسمنت والحديد .. فده حيصب في صالح شركات البناء والمقاولين .. مش في صالح الطبقات الفقيرة .. اللي أغلبها بتسكن إيجار ..

العيش والدعم

وحتى لو دعمت “سلعة” العيش .. فده مش بالضرورة حيصب في صالح الفقراء اللي بياكلوا عيش حاف .. لأنهم مش حيقدروا ياكلوا في اليوم أكتر من عشر أرغفة مثلا ..

لكن دعم الرغيف .. حيصب أكثر في صالح المطاعم اللي بتستهلك مئات وآلاف الأرغفة يوميا ..

ولو دعمت الكهرباء .. فده زي ما حيصب في دعم البيوت اللي بتستهلك كميات كهرباء قليلة .. حيصب برضه في صالح المصانع والنوادي الليلية السياحية اللي بتستهلك كهرباء بكميات فلكية ..

كمان دعم “السولار والبنزين” .. حيصب بنسب قليلة في صالح الفقراء اللي كل واحد منهم بيستهلك كميات بسيطة جدا منه .. لكنه حيصب بنسب أكبر بكتير في صالح شركات النقل الضخمة والمصانع .. اللي بيستخدموا كميات هائلة من الوقود ..

معنى كده إن دعم “السلعة” ممكن يكون غطاء لدعم الاستهلاك المفرط .. قبل ما يكون دعم استهلاك الفقراء اللي هو أساسا استهلاك بسيط .. وربما مش محتاج دعم .. إلا لكميات قليلة جدا .. لا تبرر دعم “السلعة” كلها ..

بالتالي ممكن نقول إن دعم “السلعة” ماكانش بيصب في صالح دعم الفقراء بالضرورة .. لكن بيصب في صالح الشركات الكبيرة والاستهلاك المفرط من السلعة نفسها .. بغض النظر عن “طبقة” المستهلك ..

بالتالي .. ممكن نقول إن نظام دعم “السلعة” بيؤدي إلى دعم الاستهلاك المفرط .. مش بيؤدي لدعم الفقراء ..

طب ليه عندنا من الأساس دعم “للسلعة” مش دعم “للفقراء”؟؟

أظن إن سياسات دعم “السلعة” دي كانت اتطبقت من أيام عبد الناصر مثلا .. لما كان “كل” الناس فقراء .. بحيث إن وجود نسبة بسيطة من الأغنياء في المجتمع ماكانتش مشكلة .. وكمان احتمال الأغنياء دول كانوا بيتعففوا إنهم يستهلكوا السلع بتاعت الفقراء بالأسعار بتاعت الفقراء .. يعني أغنياء زمان كانوا أغنياء ارستقراطيين عندهم دم ..

لكن الأغنياء اليومين دول أصبح مفيش عندهم دم .. لأن أغلبهم طبقة وسطى .. اللي أصلها من الأساس هو الفقر .. وبالتالي .. مفيش عندهم مشكلة خالص إنهم يزاحموا الفقراء على السلع بتاعتهم ويشتروها بالأسعار المدعومة .. عادي جدا ..

تروح كارفور مثلا .. تلاقي ناس بيكدسوا كرتونات الرز والمكرونة المدعومة بتاعت رمضان في عربيات أحدث موديل .. بدون أي حياء ..

كمان احتمال إن عبدالناصر كان قصده من الدعم .. مش بس مساعدة الفقراء .. لكن كمان مساعدة الشركات والمصانع (اللي أغلبها كان قطاع عام متأمم) إنها تنافس الشركات والمصانع الأجنبية ..

وبكده .. فأظن فكرة عبدالناصر كانت إنه يدعم “كل” الطبقات .. إنها تستهلك أكتر .. سواء في الأكل .. أو في الإنتاج .. وده كان تفكير سليم .. وماشي مع أحدث المنظومات الاقتصادية .. وبالذات أفكار الاقتصادي الإنجليزي مينارد كينز ..

بالتالي .. فزمان ماكانش فيه مشكلة كبيرة في دعم “السلعة” .. لأنه كان بيصب في صالح دعم الاقتصاد ككل ..

وبالفعل أدى دعم “السلعة” إلى دعم الاستهلاك .. اللي أدى إلى زيادة الإنتاج .. لأن استهلاك السلعة كان بيدخل في الإنتاج .. بتحويل السلعة من صورة (زراعية أو تعدينية مثلا) إلى صورة أرقى صناعيا (معلبات للتصدير أو حديد وصلب) .. وبالتالي حصل تقدم في الاقتصاد .. والتقدم ده مكن الاقتصاد إنه يستمر في الدعم .. لأن الدعم كان بيساعد على التقدم الاقتصادي برضه ..

لكن دلوقت الأوضاع اتغيرت .. وبدأ الاقتصاد يتحول من اقتصاد “صناعة” إلى اقتصاد “خدمات” ..

وبالتالي .. أصبح جزء كبير من استهلاك “السلعة” بيتم في مجال “خدمي” .. مش مجال “صناعي” ..

حل المشكلة دي هو إن الدولة تطبق سياسات تصاعدية في تعريفة البيع .. وفق تمييزات محددة ..

يعني يحصل تمييز بين “فئات” المستهلكين .. بحيث يكون فيه فرق بين البيع للبيوت وبين البيع للمصانع والنوادي الليلية السياحية ..

ويحصل تمييز بين “كميات” الاستهلاك .. لأنه فيه فرق واضح بين الكميات اللي بيستهلكها الفرد أو الأسرة .. وبين الكميات اللي بتستهلكها الشركات والمصانع ..

إنما “إلغاء” الدعم عن “السلعة” .. معناه إلغاء الدعم عن جميع مستهلكي السلعة .. بدون تمييز بين فقير وغني ..

الإلغاء ده على الكل .. وبالتالي أكيد حيؤثر على الاقتصاد ككل .. رغم إنه مش بالضرورة حيؤثر على الفقراء مباشرة .. لكنه حيؤثر على الاقتصاد ككل .. وبالتحديد على الكيانات الاقتصادية اللي كانت بتستهلك كميات كبيرة من السلعة المدعومة .. وبالتالي حيقلل إنتاج الكيانات دي وحيقلل أرباحها .. وده مؤكد إنه حيؤثر على حجم الإنتاج في الاقتصاد ككل .. وبالتالي محتاجين نقيس أثر الإنكماش ده على الاقتصاد ككل ..

لكن صعب نتنبأ بتأثير ده على الاقتصاد .. في أوضاع التضخم الحالي ..
لكن ممكن – لو عندك اقتصاديين كويسين – إنك تعمل دراسة كويسة عن الآثار المحتملة لإلغاء الدعم بالطريقة دي ..

وكمان الأفضل إنك تطرح الموضوع للنقاش المجتمعي .. في الميديا .. زي ما بيحصل في الدول المحترمة .. وتحاول تقنع الناس بيه .. وتستفيد من أرائهم!

هل ده حصل؟

الغريبة بقا إن ده محصلش!

لأن ما يقال عن إزاي حصل إلغاء للدعم .. بيقول إن العملية حصلت بسرعة كده .. لأن الرئيس رفض الموزانة اللي الحكومة قدمتها له.

الكلام ده معناه إن الموازنة اللي رفضها كان على قديمه .. وبالتالي طلب موازنة جديدة .. وبالتالي الموضوع أخد ثلاثة أيام تقريبا وطلعوا له موازنة جديدة ما تزعلوش ..

الوضع ده بيقول إنه مفيش دراسات حصلت .. ولا مناقشة كافية حصلت .. لأننا بنتكلم عن ثلاثة أيام بس .. وإن نفس الوزراء دول كانوا مقدمين موازنة فيها الدعم القديم .. لكنهم اضطروا لتغييرها في ثلاثة أيام ..

ده معناه إن الموضوع مغامرة .. مش دراسة ..

وبالتالي ممكن ينجح جدا .. وممكن يفشل جدا ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات