يوميات متلصص

09:16 صباحًا الإثنين 3 نوفمبر 2014
باسمة العنزي

باسمة العنزي

روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

«هل هناك سجين واحد في كل العالم، في كل الأزمان، في كل السجون، قضى في السجن عاما واحدا أو أكثر، ثم عندما يخرج، يكون هو..هو؟!»*

***

رواية بحثت عنها طويلا، قرأت الكثير عنها، وعندما حصلت عليها، هربت منها شهورا كي لا اقرأها!

وفي يوم كنت فيه مصابة بنوبة قراءة حادة، مددت يدي لداخل الدرج، وانا أقنع نفسي أن (القوقعة) لن تكون أكثر حزنا من كتاب ياسين الحاج صالح (بالخلاص يا شباب)، ولن تكون أكثر قسوة من رواية الطاهر بن جلون (تلك العتمة الباهرة) ولا صادمة أكثر من كل ما كتب في أدب السجون.

رواية مصطفى خليفة الوحيدة، التي اهداها لشباب العالم ولسجناء الرأي في كل مكان، كتب فيها سيرته الذاتية في سجون النظام القمعي في سورية فترة الثمانينات، تجربة انسانية غير مألوفة من شدة قسوتها عن ثلاث عشرة سنة في معتقل (تدمر) بسبب خطأ صغير!

مصطفى خليفة أو بطل العمل مخرج سينمائي شاب درس في باريس وهو سوري مسيحي، يتم اعتقاله في المطار بعد عودته لوطنه، بتهمة الانضمام لحزب الاخوان المسلمين. ليدخل نفقا مظلما يكلفه أجمل سنوات عمره.

« كنت طوال هذه السنوات بلا فم وبعشرات الآذان. فمي مقفل، أحن إلى الكلام، أشتاق إلى أن أسمع صوتي أنا»*.

سجن بالخطأ، تم تعذيبه بكل الوسائل، ومورست ضده عنصرية مقيتة من زملاء السجن عندما علموا أنه مسيحي. ابتعد الغالبية عنه، فانزوى وحيدا في مهجع يضم المئات، يتلصص على تفاصيلهم، ومن ثقب في الحائط قرب فراشه يتلصص على ساحة السجن حيث يجرى التعذيب وتنفذ الاعدامات بضحايا جدد كل يوم.

(القوقعة) كتبت كحال أغلب ما كتب من أدب السجون برؤية عميقة تحاول تفسير ما لا يفسر، وحشية الانسان ودمويته، ظلمه وجبروته، الذل المجاني، وانكسار الكرامة. سرد خليفة جاء بعين مخرج سينمائي مرهف الحس، التقط صورا فاقعة الأسى، مليئة بالمفارقات، ليمررها لقارئ سيشعر بالخزي والحزن مما حدث ويحدث في عالم لا عدالة فيه.

«..أحمل مقبرة كبيرة داخلي، تفتح هذه القبور أبوابها ليلا..ينظر إلي نزلاؤها..يحادثونني ويعاتبونني»*.

كتبت له أكثر من حياة، نجا من الكسور والجوع والجرب والبرد والعزلة ومحاولة قتله، نجا في النهاية بعد أن فقد نسيم صاحب السجن الذي انتحر، نجا ليعيش حياة الميت في مدينة يغمرها الخوف من الرئيس والحزب والمخابرات.

« هل سأحمل سجني معي إلى القبر؟»* بطل العمل لم يحتمل ضجيج العالم الخارجي من حوله، انزوى لقوقعته ثانية حتى في عالم الحرية، تجربة السجن أخذت شبابه ومعه رغبته في الحياة.

(القوقعة) رواية استثنائية العمق، هي سيرة كاتبها، تبقى شخصياتها في الذاكرة، رواية تستحق أن تبحث عنها طويلا وتخشى صحبتها، كتبت بعمر صاحبها، دون فيها تجربته مغامرا قبل أن ينهار جدار الرعب. الغريب أنها أدبيا لم تحظَ بالاهتمام وتسليط الضوء عليها رغم صدورها عام 2008 وانتشارها واعجاب القراء بها، هل كان الخوف هو السبب من تناول عمل عرى النظام الدموي قبل الثورات العربية؟ّ!

السؤال الباقي بعد قراءة العمل، أين مصطفى خليفة ولم كانت (القوقعة) روايته الوحيدة ومثله قادرعلى سرد ما هو مغاير وعميق؟!

_

*رواية (القوقعة.. يوميات متلصص) مصطفى خليفة، دار الآداب 2008

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات