تونس وجنرالات البلاتوهات

10:37 صباحًا الأربعاء 12 نوفمبر 2014
خالد سليمان

خالد سليمان

كاتب وناقد، ،مراسل صحفي، (آجا)، تونس

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

لا ينافس جنرلات المقاهي في أوطاننا إلا جنرالات البلاتوهات بعد إندلاع الفضائيات في الجسد العربي ليسري سريان النار في الهشيم .. فما بالنا لو كان ذلك الهشيم رطبا بأموال البزنس و السياسة و الإرهاب .. و لنا أن نتخيل كم الدخان الكثيف و المضلل الذي سيعمي العقول و القلوب قبل العيون عن سوء قصد و تعمد في أغلب الأحيان و التي يغذيها جهل و جهالة من إحترفوا تحليل كل شيء و أي شيء في البلاتوهات حتى أصبح ذلك مصدر رزقهم الوحيد حتى أصبح المرء يترحم على أيام جنرالات المقاهي الذين كانوا لا يطمحون إلا إلى مجرد نجومية محلية صغيرة و محدودة .. و لكن لهذا حديث آخر.

هل تم إكتساح إخوان تونس بالفعل :

 كان لابد من التريث لوقت كاف حتى ينقشع نقع معركة الإنتخابات التشريعية في تونس و تتضح الرؤية جيدا لجميع الأطراف سواء من كان قريبا فغرق في التفاصيل على حساب الرؤية الكلية ..أو من كان بعيدا فكون رؤية إجمالية على حساب الملابسات و التفاصيل و تداعيات ما بعد الإنتخابات ..

لكن و من الغريب أن كثيرا ممن في الداخل التونسي و هم بطبيعة الحال أكثر إدراكا لحقيقة الوضع السياسي على الأرض إنساقوا وراء التفسير المشرقي لنتائج الإنتخابات في تونس و الذي تحدث عن إكتساح التيار المدني للإخوان في تونس و هو الاسم الذي يطلقونه على حركة النهضة في الخارج و يطلقه عليها خصومها في الداخل رغم إنكار حركة النهضة علاقتها بالإخوان و تنظيمهم الدولي و إن كانت الحقائق العملية تشي بعكس ذلك .. فعلاقة قيادات حركة النهضة معروفة بالتنظيم الدولي للإخوان و ممثلة فيه إلى حد المنافسة على الزعامة ؛ كذلك علاقتهم بما يسمى إتحاد علماء المسلمين الذي تقف وراءه قطر بتوجهاتها المعروفة لايمكن إنكارها حيث أن قيادات حركة النهضة ممثلة فيه أيضا .. و يمكن القول أن هذا الإتحاد هو البوتقة التي إلتقى فيها التنظيم الدولي للإخوان و التيارات السلفية المتطرفة حول هدف واحد ..

– على عكس مزاعم جنرالات البلاتوهات في المشرق و التي تبناها بعض نظرائهم في تونس .. لم يكن فوز ” حزب حركة نداء تونس ” في الإنتخابات ساحقا أو محققا له أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة دون الحاجة إلى الإئتلاف مع أحزاب أخرى قد تكلفه الكثير ؛ و مجلس الشعب التونسي الذي يتكون من 217 مقعدا ضمنها ستة مقاعد عن دوائر خارج تونس مثل إيطاليا و فرنسا و أمريكا و الدول العربية .. لم يحصل حزب ” حركة نداء تونس ” من مقاعده إلا على 86 مقعدا مقابل 69 للحزب الذي يليه و هو” حزب حركة النهضة ” مع ملاحظة أن المقعد السادس و الثمانين الذي حصل عليه ” حزب حركة نداء تونس “بحكم قضائي غير بات قد يكون معرضا للضياع في الدور الثاني من التقاضي و مع ذلك و بإفتراض أن الفارق سيظل كما هو بين ” حزب حركة نداء تونس ” و ” حزب حركة النهضة ” فإن ” نداء تونس ” لم يحقق الأغلبية التي تمكنه وحده من تشكيل الحكومة و هي ” 117 ” مقعد .. لكن حديث الإكتساح في الخارج الذي تبناه في الداخل من سكروا بنشوة النصر المبدئي أعماهم عن إدراك الحقيقة و هي فرصة لم تفلتها جماعات الإسلام السياسي داخل و خارج تونس فدارت الماكينة الإعلامية للإسلام السياسي بسرعة فيما عمل مطبخ ” حركة النهضة ” لتدارك الأوضاع في الداخل ..

 – مزاعم التغول .. و عبثية المقترح :

 في تزامن و توافق دقيق كانت منصات الإطلاق الإعلامية للإسلام السياسي في الداخل و الخارج تتحدث عن تغول لحزب ” حركة نداء تونس ” في حالة فوز رئيسه ” الباجي قائد السبسي ” بالإنتخابات الرئاسية رغم أن “حزب حركة نداء تونس ” مازال لم يمارس الحكم حتى الآن و لا ينتظر منه ذلك إلا خلال عدة شهور فضلا عن أن ذلك كله مرهون بنجاحه في تحقيق إئتلاف مناسب مع أحزاب أخرى ؛ إلا أن الآلة الإعلامية لجماعات الإسلام السياسي نجحت إلى حد ما في ترويج هذه المزاعم إلى حد أن بعضها بات يقترح تعديل الدستور بحيث ينص على ” عدم السماح للحزب الذي يحصل على أغلبية بأن يتقدم من أعضائه مرشح رئاسي ” ؟! في سابقة ليس لها نظير في العالم على حد علمنا .. و وصل حديث التغول إلى أقصى حدود المبالغة ربما لأن الجميع يدركون أن ” الباجي قائد السبسي ” الذي يحلو لأبناء الشعب تدليله بكنية ” البجبوج ” هو الأقرب لكرسي الرئاسة ؛ و أن قطاع عريض ممن صوتوا لنداء تونس كانوا يصوتون في حقيقة الأمر ” للباجي ” الذي يرون فيه إستئنافا للمشروع ” البورقيبي الحداثي ” الذي تنحاز اليه الغالبية العظمى من الشعب التونسي ؛ فضلا عن أن قطاع لا بأس به من المراقبين لا يرى في مرشحي الرئاسة من ينطبق عليه صفة ” رجل الدولة ” سوى إثنان أولهما ” الباجي قائد السبسي ” و الثاني هو ” كمال مرجان ” حيث أنهما مارسا السياسة الداخلية و الخارجية بالفعل من خلال توليهما مناصب رفيعة في الدولة و عرف عنهما الكفاءة و إن تميز الأول عن الثاني بشعبيته الكبيرة .. ؛ كما أن هناك عامل نفسي لا يمكن تجاهله لدى شعوب المنطقة التي تفضل زعيما له نفوذ أبوي يجمع فيه بين حزم الأب و سطوته ترافقه مشاعر المحبة و المودة و القرب و هو ما لا يتوافر لمرشح آخر سوى ” السبسي في أوقات الجد .. و البجبوج عند إجتماع العائلة التونسية ” ..

– و لهذه الأسباب التي ذكرناها آنفا قامت حركة النهضة بمناورة بارعة أعتمدت على ثلاث محاور :

– كان المحور الأول فيها طرح فكرة مرشح رئاسي توافقي : لكن تلك الفكرة فشلت فشلا ذريعا لسببين .. أولهما : رد الفعل الشعبي و السياسي من القوى الليبرالية التي فندت ذلك المقترح بوصفه سطوا و إفتئاتا على حق الشعب في إختيار ديموقراطي حر ؛ و الثاني : هو عدم التوصل لهذا المرشح في الإجتماع الذي وقفت ورائه ” حركة النهضة ” بعد أن تحول منافسوا ” حزب نداء تونس ” إلى فرقاء كل منهم يرى في نفسه أنه الأحق بالرئاسة من الأخرين ..

– فكان المحور الثاني : الذي أعتمد في الأساس على فكرة تغول الحزب الذي يجمع بين الأغلبية التشريعية و كرسي الرئاسة ؛ مصحوبا بأطروحات تحمل فكرة عودة النظام القديم و وئد مكتسبات الثورة و الإنتقام من الثوار خاصة فصائل الإسلام السياسي التي فرضت على الثورة شكل من أشكال الوصاية مع حلفائها ..

– أما المحور الثالث : و هو في تقديرنا الأكثر ذكاء و مخاتلة و الذي تمثل في إعلان ” حركة النهضة ” عدم وقوفها وراء مرشح بعينه و ترك حرية إختيار الرئيس لقواعدها و هم بطبيعة الحال أبعد ما يكونون عن ” الباجي قائد السبسي ” .. و هو أمر فيه قولان .. أن هناك مرشح سري ” لحركة النهضة   ” ستوصي به كتلتها التصويتية في الأميال الأخيرة و يرجح البعض أنه        ” الدكتور المنصف المرزوقي ” أو السيد ” أحمد نجيب الشابي ” ؛ أو أن      ” حركة النهضة ” ستسبح مع التيار الذي سيطفو معه المرشح الأقوى في مواجهة ” السبسي ” لترجح كفته عن طريق كتلتها التصويتية التي ستشكل الكتلة الحرجة عندئذ و هو ما يحاول ” الباجي قائد السبسي ” تفاديه من خلال الفوز بنسبة معتبرة من الدور الأول إعتمادا على كتلة أكثر حرجا و التي أصبحت تعرف سياسيا بالأغلبية الصامتة التي لا تذهب في العادة إلى صناديق الإقتراع و هو ما جرب جزئيا من قبل ” حزب حركة نداء تونس ” و إتضح من خلال الإقبال المذهل على صناديق الإقتراع في الإنتخابات التشريعية و يحسب له نجاحه في تحريكها ؛ لكن ” حركة النهضة ” التي حرصت على ترك خط للرجعة مع السبسي من خلال موقفها المعلن ربما كانت تناور من أجل موطئ قدم لها في الحكومة المقبلة إذا آتت الرياح بما لا تشتهيه ؛ كما أنها تضمن لنفسها مظهرا محايدا في حالة نجاح مرشح آخر ربما رأى أن لها أياد بيضاء عليه ..

 – رهانات حركة النهضة و لعبة الثلث المعطل و الإنتخابات البلدية  :

     لدى حركة النهضة خيارات و رهانات متعددة تعتمد عليها إعتمادا رئيسا في مستقبلها السياسي منها ما عرف في ” لبنان ” بالثلث المعطل في البرلمان و الذي يمكن أن يكون عقبة في وجه الحكومة و الرئاسة المقبلة في حالة الفوز المتوقع لمنافسيها من التيار الليبرالي المدني ؛ كما أنها تعول كثيرا على الفوز بأغلبية في الإنتخابات البلدية التي تمس مصالح المواطنين بشكل مباشر يضمن لها العودة إلى سدة الحكم في إنتخابات تشريعية مقبلة .. و هو الشباك الذي عاد منه ” رجب طيب أردوغان ” مع حزب ” العدالة و التنمية ” في ” تركيا ” بعد سقوط ” حزب الرفاه ” بقيادة أستاذه ” نجم الدين أربكان ” بسنوات .. ؛ و هو ما يرجح إستماع ” حركة النهضة ” لنصائح نظرائها و حلفائها في الخارج إذ أنه في حال إنهيارها سيكون ذلك الأمر بمثابة إستئصال شأفة الإسلام السياسي من المنطقة تماما بعد الثورة الشعبية التي قضت على حكم الإخوان في مصر و تصنيفها هي و نظرائها كحركات إرهابية ..

من قتل شكري بلعيد؟

خطر السيناريوهات الموازية و الإغتيال الجديد لشكري بلعيد :

 لكن و على صعيد أخر لا يمكن تجاهل جناح متشدد في حركة النهضة لا يعجبه سير الأمور على هذا المنوال و الذي يكبح جماحه حتى اليوم شخصية بدهاء ” راشد الغنوشي ” التكتيكي و لا نقول الإستراتيجي ؛ كما لا يمكن تجاهل حركات الإسلام السياسي الأكثر تشددا مثل السلفيين و حزب التحرير الذي لم يشارك في الإنتخابات أصلا .. فضلا عن قوى سياسية أخرى ترتدي رداء مدنيا فيما تقوم بممارسات تزايد فيها على التيارات المتشددة لتثبت لحلفائها في الخارج أنها الأكثر إخلاصا لمشروعهم لكي تضمن بقائها على الساحة السياسية ؛ و ليس سرا إرتباط تلك الأطراف بالأجندة ” التركية القطرية ” التي هي في الأساس خطة الإدارة الأمريكية الحالية و حلفائها في الإتحاد الأوروبي لإعادة رسم خريطة المنطقة ..

– لهذا تجد بين هذه القوى من يعلو صوته في المزايدة ليصبح كمن يغرد خارج السرب فيكون صوته نشاز يضر أكثر مما ينفع .. و من أكثر تلك الإجتهادات حماقة من وجهة نظرنا هو ذلك الفيلم الرديء المتهافت وثائقيا .. التافه سياسيا و فنيا .. الساقط أخلاقيا .. الذي أذاعته تلك القناة المشبوهة التي تدعى           ” الجزيرة ” حول ” من قتل شكري بلعيد ” و الذي كان مقررا عرضه في الليلة السابقة على الإنتخابات التشريعية ثم تم تأجيله للأسبوع الذي يليها .. و لو كان عرض ليلة الإنتخابات التشريعية لخسرت ” حركة النهضة ” مقاعد أكثر مما خسرته في تلك الإنتخابات نظرا لإرتباط العديد ممن شاركوا في الفيلم بها فضلا عن علاقتها ” بقطر ” و قناة ” الجزيرة ” ؛ كان أغتيالا جديدا للشهيد ” شكري بلعيد ” الذي اغتيل عدة مرات و إن كان إغتياله المادي محل تحقيق قضائي فقد كان إغتياله المعنوي على يد فصائل الإسلام السياسي عدة مرات بالإفتئات عليه بما ليس فيه و التعرض لأسرته إلى حد الخوض في الأعراض .. و هو ما أستنكره و أدانه غالبية الشعب التونسي .. و كأن فصائل الإسلام السياسي لم تعي الدرس أو تستوعبه ؛ و كأن ” حركة النهضة ” على سبيل المثال لم تصلها رسالة أهالي ” سيدي بوزيد ” عندما إنتخبوا السيدة      ” مباركة البراهمي ” أرملة الشهيد ” محمد البراهمي ” في الإنتخابات التي جرت مؤخرا بإكتساح رغم كل نفوذ الحركة التي أتهمتها السيدة ” مباركة البراهمي ” و أتهمت قادتها بأغتيال زوجها الشهيد ؛ و من ثم فإن السيناريوهات الموازية التي تتبناها بعض فصائل الإسلام السياسي أو أجنحة داخلها تلوح بالعنف المادي أو المعنوي لن تزيدهم إلا خسارة بعد خسارة و مع ذلك ترى ذلك النهج مستمر و بإضطراد فقد شاهد الجميع في حملة الإنتخابات الرئاسية من يهدد ” بسحل ” من أسماهم بالعلمانيين في الشوارع و آخر يهدد  ” ببحور من الدماء ” .. و هنا يقفز السؤال المر ليفرض نفسه .. ماذا لو ربح  ” الباجي قائد السبسي ” إنتخابات الرئاسة و ربح التيار المدني الإنتخابات البلدية ؟ و كيف سيتصرف هؤلاء ؟ .. ؛ في ظل إرهاب لم يتوقف في جبال   ” الشعانبي ” و ” السلوم ” في الوسط الغربي و جبال ” ورغة ” في الشمال الغربي و ولايات ” توزر ” و ” قبلي ” في الجنوب الشرقي .. و وصل إلى   ” شباو ” بمنطقة ” وادي الليل ” على تخوم العاصمة التونسية .. و الأوضاع المضطربة على الحدود الليبية هل يمكن ضمان إستقرار الأوضاع التونسية و تصدير الصورة التي تريدها الإدارة الأمريكية و حلفائها الغربيين ؟ .. نشك كثيرا في ذلك على الرغم من إيماننا إلى حد اليقين أن مفاتيح الإرهاب تملكها الإدارة الأمريكية و حلفائها في ” تل أبيب ” و ” الغرب ” .. فعفريت الإرهاب يسهل تحضيره و يصعب صرفه أو التحكم فيه بشكل كامل خاصة عندما يبدأ في التغريد خارج السرب ليلتهم في النهاية من تبناه و رباه في حجره ..

 – الفخ الأمريكي .. النموذج التونسي مقابل مزاعم الإنقلاب في مصر :

 – ” إذا رأيتم أمريكا راضية عني فإعلموا أنني أسير في الطريق الخطأ ” هكذا تحدث خالد الذكر الزعيم ” جمال عبد الناصر ” و لم يقل غير الحق .. بعد الطعنة النجلاء أو الضربة القاضية التي وجهها الشعب المصري لجماعة الإخوان الإرهابية عندما قام بثورته الشعبية على حكم الإخوان في 30 يونيو عندما نزل إلى الشارع ما يربو على 35 مليون مصري لإقتلاع حكم الإخوان و فكرهم الإجرامي إلى غير رجعة .. تحطمت على صخرة ثورته التي حماها جيشه الوطني كل خطط الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها لإعادة رسم خريطة المنطقة و قد سارعت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من تواجد لتيار الإسلام السياسي على خريطة المنطقة قبل أن يستأصل إلى غير رجعة من خلال تقديم النصح له بقبول الحوار الوطني في تونس و التخلي عن الحكم و تحديد موعد الإنتخابات بعد أن كان يرفض كل هذه المطالب جملة و تفصيلا ؛ لم تكن النصيحة أو قبولها من أجل المصلحة الوطنية أو عيون الشعب التونسي كما يزعم البعض .. لكن الطوفان كان كاسحا و الحسابات ثقيلة .. و لم تكن أموال التعويضات الطائلة التي تقاضها المنتمين لتيار الإسلام السياسي دون غيرهم عن سنوات الجمر هي الأمر الوحيد الذي إستفز التونسيين الذين ردوا بأن     ” أحدا لم يطلب منهم النضال حتى يتقاضوا ثمنه ” !! ؛ لكن حساب الإغتيالات السياسية و في مقدمتها اغتيال الشهيدين ” شكري بلعيد ” و” محمد البراهمي”  كانت أفدح ؛ و كانت حسابات ما إشتهر ” بأحداث الرش و فقأ العيون ” في  ” سليانة ” أكبر ؛ أما الطامة الكبرى فقد كانت في إرسال زهرة شباب تونس من رجال و نساء إلى المحرقة في ” سوريا ” باسم الجهاد لينضموا إلى إرهابيي “جبهة النصرة ” و ” داعش ” .. ؛ لذا تم إستئناف ما يسمى بالمسار الديموقراطي قبل أن تقع مقارنة أو محاكاة لما وقع في مصر .. و كان ذلك هو الحل الوحيد لبقاء تيار الإسلام السياسي على الساحة و إيجاد موطئ قدم من جديد له .. و لا بأس من تصعيد الإرهاب في مصر عن طريق جماعة الإخوان الإرهابية و حلفائها الدواعش في غزة و سيناء ليبدو المشهد دمويا و تطرح من جديد مقاربة ما يسمى بالمسار الديموقراطي في تونس و مزاعم الإنقلاب في مصر ..

– و على الفور إلتقطت دكاكين حقوق الإنسان و ما يسمى بالمنظمات الحقوقية و منظمات المجتمع المدني الممولة خارجيا في كل مكان الخيط لتبدأ سيمفونية لعق الحذاء الأمريكي و حلفائها الغربيين في زمن الربيع ” العبري ” .. لنسمع أقوال على شاكلة ” ماذا لو أنتظرنا حتى نهاية ولاية مرسي ” و ” ماذا لو حاولنا في الحوار الوطني مرة تلو الأخرى حتى يقبل مرسي الإنتخابات المبكرة ” و تناسى هؤلاء تآمر ذلك الجاسوس المجرم على بيع سيناء و حلايب و شلاتين ؛ و تناسوا حنثه بالقسم الدستوري و خيانته له بإعلانه الدستوري ” المكبل ” ؛ و حصار جماعته الإرهابية ” للمحكمة الدستورية العليا ” و عبثه بها كما حدث في ليبيا مؤخرا ؛ و المجزرة التي إرتكبتها جماعته العميلة داخل قصر الإتحادية ..

تماما مثلما نسي هؤلاء المتآمرون ما حدث في ليبيا و اليمن على يد الولايات المتحدة و حلفائها الغربيين و تركيا و قطر و ما إرتكب و يرتكب هناك .. تناسوا تماما قصف الناتو في ليبيا التي تحولت إلى قنبلة تهدد كل جيرانها بعد أن ضاعت الدولة ؛ تناسوا ما فعلوه و يفعلوه في سورية و إمتدت آثاره إلى لبنان ؛ و لابد عندما نتحدث عن المسارات الديموقراطية التي تحشر أمريكا فيها أنفها أن نضع نصب أعيننا ” العراق ” المقسم عمليا و عاصمة الرشيد التي هتك عرض حضارتها جنود الكاوبوي الذين لم يربحوا حربا أبدا بمفردهم ..

– خلاصة القول : أن الحالة التونسية التي نسأل الله مخلصين أن تنجح بعيدا عن الأمريكان و حلفائهم حالة خاصة لا يجوز مقارنتها بالحالة المصرية مطلقا إذا أن الأوضاع تختلف تماما على كافة الصعد ؛ كما أنها مازالت تخطو خطواتها الأولى حيث أن طريقها مازال طويلا حتى تبلغ مرحلة الإستقرار و من ثم يمكن الحكم عليها مع مراعاة خصوصيتها .. لكننا نعتقد أيضا أن الشخص الوحيد المؤهل للعبور بتونس بسلام في هذه المرحلة الحرجة التي تحتاج إلى من يملك قدرا كبيرا من الحنكة و الدهاء السياسي لكي يحافظ على تونس قوية محايدة متوازنة في إلتزاماتها عربيا و دوليا سيأتي إذا تحركت الأغلبية الصامتة و هو ما نتمناه لبلد كان و مازال بوابة من المشرق إلى المغرب و العكس .. بلد غال و عزيز على قلب كل عربي يتمنى وحدة على غرار الإتحاد الأوروبي أو أفضل .. أدعوا لتونس بالتوفيق بعيدا عن تحليلات جنرالات البلاتوهات الذين جعلونا نترحم على جنرالات المقاهي الظرفاء ..

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات