مكانٌ على الشرفة

08:09 مساءً الإثنين 1 ديسمبر 2014
نجوى الزهار

نجوى الزهار

كاتبة من الأردن، ناشطة في العمل التطوعي

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print

تزامن                    

التزامن ثم التلاقي 

هي بضعة كسرات من الخبز . شقت طريقها من الطراوة الى القليل من اليبوسة . أمسكت بها ، وضعتها في صينية نحاسية كبيرة ، نشرتها على مكان مرتفع في شرفة منزلي  لكي تأخذ من الشمس والريح حاجتها من الدفء والنشفان ، فيكون بمقدوري أن أدقها قليلا فتغدو طعاما ملائما للطيور .

كل يوم أقترب من الصينية النحاسية لأختبر مدى ملاءمة  الخبز لغايتي ولكن !!.

جاءت الأمطار ، هبت الرياح ، أسرعت الى تلك الصينية على عجل ، أمسكت بها خوفا من أن تبتل ثانية ، ثم دعوتها للداخل .

مرت أيام والشمس تغازلنا عن بعد ، والرياح تدق على شبابيكنا الى أن تحولت تلك السحب الرمادية فأشرقت الشمس من جديد .

استعادت الصينية مكانها على الشرفة ، انتظرت بعضا من زمن . أمسكت بكسرات الخبز ، ولكن ! بعض الأغصان الخضراء قد استقرت بين زوايا هذا الخبز اليابس .

احتار قلبي من أين هذه الأغصان ؟ . نظرت الى الأشجار المقابلة لشرفة منزلي ، رأيت الحمام ناظرا الي . وضعت الصينية مجددا في مكانها ، وكان وكان وكان ، أن زحفت بيضتان جميلتان من رحم هذه الحمامة واستقرتا على الخبز. الخبز اليابس ! يا الهي  ساعدني ! . هل من امكانية لهذا ؟ . تركت التساؤل في مكانه الى أن رأيت رفيقها يمسك بمنقاره غصنا أخضر فتتناوله هي بمنقارها ، ثم تعيد ترتيب العش من جديد .

عاودت الرياح هبوبها  من جديد ، وشقت الأمطار ثنايا السحاب ، ليعاودني الخوف مجددا . ماذا أفعل ؟ . اقتربت قليلا . تلاقت العيون الى أن سرى ما بيننا دفء دافئ. انه دفء السلام والاستسلام .

تراجعتْ   بكيتْ  تقدمتْ  حاولتْ  الى أن فهمتْ هي في روحي وعقلي …….

تركت منزلي للاحتفال بعيد الأم . ابتدأت الكلمات والأناشيد وكلها تردد كلمات التضحية  التضحية . ولكي أكون واضحة مفهومة كل الفهم ، أريد لمن يقرأنيأن يتمهل قليلا في حكمه على ما أكتب .

فأنا يا صديقاتي ويا أصدقائي أم عرفت أمومتي منذ أن تعرفت على ذاتي. كانت الأمومة عندي مثلما هي عند جدتي    أمي   خالتي  أخوالي    أبي  الجيران   المدرسة . هي أمومة تمشي  تتحدث  تضحك  تبكي . لها مشوارها ما بين كل القلوب  التي عرفتها . هي تعطي وتأخذ . هي أمومة البساتين في شتائها وخريفها. في ربيعها وصيفها . هي مشوار ليس له من وصف ، ليس له علامة ولا يخضع لأية مقادير  .

ولكن أن تتصدر العناوين والكلمات كلمة التضحية .  الأم ضحت    الأم سهرت الليالي ………  هذا المفهوم هو لا يمت للأمومة الحقة بأية قرابة . الأم أيا كانت اما على صعيد بيولوجي أو على صعيد عطاء وتفان   على صعيد الأب الذي يكافح  على صعيد الكتاب والشعراء   على صعيد عمال النظافة   على بائع الخبز  على الأيدي التي تزرع.  ما من تضحية . فهو العطاء الذي خلقنا جميعا من أجله . وهي غاية الانسان سواء أكان على وعي أو على غير وعي . الأمومة نسجت خيوط خيمتها من كل الذين أمسكوا بماء الحكمة وسقوها لنا .من الذين نعرفهم عن قرب ومن الذين نتواصل معهم عن بعد .

ولكن أن يلعب الاعلام لعبته ، وأن تبدأ النزعة الاستهلاكية  بالدوران حولنا ، تحثنا على الشراء وتستعمل مفهوم التضحية .

” خاتم هدية لست الحبايب ”  ” هدية سعرها يناسبك ويناسبها ” . . هذا الطوق المصطنع علينا جميعا أن نكسره وأن تعود احتفالاتنا لبساطتها  بالكلمة الحلوة ، بالبسمة الحلوة . هذه المناسبات يجب أن تضيء لمبات الوعي في أعماقنا .

الكلمة لها سحرها وقوتها. والعقل قادر على خلق صور متلاحقة بمجرد أن نعطيه الفكرة . فمفهوم التضحية هو أبعد من البعد عن مفهوم العطاء بمعناه الواسع . فلا أجد للتضحية الا مثالا واحدا . هم الرجال والنساء الذين حملوا أرواحهم على راحتهم في سبيل الكرامة والوطن. تركوا احبابهم في سبيل غد مشرق لهم . عند تلك الدرجة من درجات الفهم . لن يكون هنالك  من خيبة أمل ولن تسحقنا التوقعات تحت عجلات سلبياتها . فنحن بالعمق الانساني ما من غاية لوجودنا الا الاستجابة للهدية التي أنعم الله تعالى علينا بها بأن نعطي ونعطي ونعطي .

عدت لمنزلي . أسرعت اليها . نظرتْ الي بعيون صابره . فتمهل قلبي في دقاته . وغدا سوف تتفتح ورود البيض … ولسوف يكسر الجدار . ولسوف تظل تحميه بجناحيها . فهي لا تريد له أو لها الا حرية السحاب .

وأنا واقفة في انتظار . أنظر في عين الى مشوار الانسانية ، وأنظر بالعين الأخرى لمشوارها فلا أجد الا مشوارا واحدا.

                              —————————

يا قماري

ابني عشك يا قماري قشة قشة

علمينا يا قماري سر المحبة

وكيف تبني يا قماري من قشه جنه ؟

وكيف تخلي الحب دوام فوق المظنة ؟ .

نجوى الزهار

1-12-2014

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات