قراءات عمرو خيري … وترجماته

08:22 صباحًا الأحد 28 ديسمبر 2014
أشرف أبو اليزيد

أشرف أبو اليزيد

رئيس جمعية الصحفيين الآسيويين

  • Facebook
  • Twitter
  • Rss
  • Mail
  • Print
AMRO

عمرو خيري، الكاتب والمترجم، وخطوط لا نهائية تقدم صورة عن رأس يمور بأفكار التنوير

ها هو، بوجهه الهاديء ونظارته المميزة، يظهر على شاشة التلفزيون، في خضم ما أثير عن رواية جورج أورويل (1984) مؤخرا، يحاول أن يختار الكلمات التي تنتقل من رأسه التي تمور بأكثر من عالم، ليبسطها لجمهور يعرفه من خلال رحلة ترجماته، ليس آخرها أو أشهرها تلك الرواية المثيرة للجدل.

عمرو خيري، لم يتغير كثيرا، منذ المرة الأخيرة التي رأيته فيها، قبل سنوات، تلك الشخصية الحكيمة التي لا تنتظر حقول السنين لتنبت ثمرة موعظتها الحسنة، أتابعه في نهجه، وعمله، لأراه نموذجا لشخصيات يمكنها أن تغير الوعي في محيطها، وفي ما هو أكثر، لو أتيح لها ذلك.

كمترجم كفؤ، اتصلت به ليعد ترجمة لنا في مجلة (العربي). كانت صفحات نوعية لمصور وكاتب إسباني، فأردت نصا يليق بالصور. لبى طلبي، لكنه أبى أن يُدرج اسمه في كشوف المكافآت، لأن عمله ـ آنذاك ـ في Human Rights Watch كان يُحتم عليه ألا يتقاضى أجرا من خارج عمله. أسأل نفسي “كم من الذين قابلتهم يمكنهم أن يفعلوا ذلك؟”.

لقد لبى عمرو خيري النداء على الرغم من أن له تجربة ترجمة سابقة لكتاب موسوعي أوزبكي عن المنمنمات، أبى رئيس التحرير ـ آنذاك أيضا ـ أن يدون أسماء المحرر والمترجم والمراجع والمخرج ـ وكأن الكتب تطبع نفسها بعد أن تترجم أحوالها!

أعتقد أن عمله في تلك المنصة الحقوقية الدولية ساهمت في اتساع مداركه وتعزيز أفكاره حول حقوق الإنسان؛ تلك الحقوق المجردة من التعصب والتطرف، مثلما ساهم تكوينه المعرفي في انخراطه في ثقافة التنوير.

وثقافة التنوير ليست كلمة يقولها وزير على منبر متلفز، ويعمل ضدها في الكواليس، وإنما هي عمل دؤوب، توجزه سيرة عمرو خيري ـ القصيرة والثرية في آن ـ ففي صفحته على Soundcloud سيختار أن يثقف وعيك بكل ما هو مصري، موسيقيا، خاصة الفنون الصوفية والشعبية، وفي صفحته الجديدة  “قراءات”على wordpress سيقدم خطوة نوعية بالقفز ترجمة، هو وكتيبة معه، نحو مناطق جديدة في التفكير يمكن أن نقرأ مفاتيحها على يسار الصورة الأساسية في هذا المقال.

وفي ترجماته يختار روايات تؤسس للتحول وتوثق للتاريخ وتتنبأ بالمستقبل، وهو الذي بدأ مع سلسلة هاري بوتر الشهيرة، كتمارين جدية، قبل أن يكرس حياته للترجمة، وصولا إلى “التصحيحات” لجوناثان فرانزن، و”البينيلوبية” لمارجريت اتوود.

أما في صفحته على Facebook   فأنت تتابع ناشطا إنسانا بامتياز، فهو مصري في سخريته المقطبة الجبين، وهو مُعولمٌ في إشاراته وتلميحاته المفتوحة على اتساعها. يقول “حاول تبص لـ “حقوق الإنسان” بصفتها الحاجة الوحيدة اللي بتمنع من دخولك دايرة استباحتك ككائن أقل من إنسان، حيوان ما مثلا.. مش بصفتها هي الضد من مجرد معايير وقوانين تانية. وأظن الحسبة واضحة: دعاة وضع قيود على حرية التعبير واقفين في صف اللي بيشتموا في بتوع حقوق الإنسان وفي صف دعاة القبضة الحديدية واللي واكلة دماغهم نظرية المؤامرة واللي هم في نفس الوقت فاسدين ومستفيدين من الدولة على حالها، وفي صفهم برضه القاضي اللي طلع مسدسه وضرب محاسب في راسه رصاصة موته لما اتخانقوا مين يعدي بعربيته الأول.. بما إن القاضي بيعتبر نفسه إنسان والمحاسب مش إنسان، يقدر يموته عادي ميجراش حاجة. في نفس المعسكر ده اللي ضد حقوق الإنسان كل الناس اللي مش من مصلحتهم البلد دي يسكنها بشر بأهلية إنسانية كاملة.”

ويقول أيضا:

“رئيس وزراء بلجيكا لما صاحبة قضية معينة هزقته قدام الناس ورمت عليه مايونيز ووسخت له هدومه ووشه، ابتسم ومعملش حاجة.. عشان هو كرئيس وزراء موظف عام يملك الشعب انه يبهدله ويشتمه زي ما هو عايز، بمجرد دخوله هذا المنصب العام اصبح واجب عليه، مش بمزاجه، يتحمل قدر اكبر بكتير من التهزيق والشتيمة وقلة القيمة، عن اي مواطن عادي. المنصب العام ملوش هيبة والدولة ملهاش هيبة.. دول ناس ودي حاجات بتخدم البشر ..لكن هنا محاسب اختلف مع قاضي ع مين يعدي بعربيته الاول طلع القاضي مسدسه وضربه رصاصة في راسه.. ليه؟ عشان القاضي بني ادم بس المحاسب من حيث التعريف مش بني ادم اوي بما انه مش داخل في حسبة الدولة ام هيبة.”

 

كتب عمرو خيري هذه السطور على صفحته: بالليل في تشيلي، للروائي التشيلي في المنفى، الراحل، روبرتو بولانيو. رواية من فقرة واحدة، 130 صفحة، الراوي (وليس الروائي) ناقد وقس وشاعر غير موهوب، يتحدث عن حياته وهو يحتضر، عن بابلو نيرودا غير المنحاز ايديولوجيا، على موائد اليمين ونقاده ومثقفيه. وسط المثقفين في الخمسينيات، الناقد التنويري، أستاذ الراوي ومن عرّفه على نيرودا، قابله في عزبته في الأرياف. دروس في الماركسية اعطاها الراوي لبينوشيه ورجاله بعد أن تخلصوا من الرئيس الماركسي الليندي، دروس سرية في الليل. حفلات ليلية حتى الصباح، للالتفاف على ساعات حظر التجول الليلية، في بيت كاتبة مغمورة، زوجها ضابط يعذب ضحاياه من أجل الوطن في البدروم دون أن يعرف الضيوف، تنقطع الكهرباء لثواني او ترتعش ولا يعرفون السبب. بينوشيه يحكي عما كتبه بقلمه من كتب ومقالات بعد أن تبسط مع الراوي، عن جهل خصومه من اليسار: "أتعرف يا ابانا ماذا كانوا يقرآون؟ فلان كان يقرأ روايات رومانسية، وفلان لم يقرأ في حياته كتاباً، كما أخبرتني أجهزتي الأمنية، الليندي نفسه كان يقرأ قصاصات من صحف ومجلات يجمعها له مؤيدوه، هاه، ماركسي! انا كتبت كتبا متخصصة للعسكريين، أنا أتعب في تعلم شيء جديد كل يوم، وهم يحلمون، هولاء الأعداء للوطن". بعد سنوات، في صفحات الرواية الاخيرة، يتغير الحال، تأتي الزلازل للراوي، ينتهي استقرار حظر التجول والتعذيب في البدرومات، تواطؤ المثقفين مع العار، تواطؤ أخرس، يهرب الضابط، تبقى الكاتبة المغمورة يكرهها ابنها الهزيل، يموت الناقد التنويري صديق نيرودا، ويحتضر تلميذه الراوي، كان الراوي قد حكى للتنويري عن دروس الماركسية التي أعطاها لبينوشيه، وفضح التنويري العجوز سره، فتملقه الجميع وخافوه في زمن "الصمت والحديد"، ولمّع الكثيرون بقلمه المتواضع الساذج. الست اللي كانت بتحب الكتابة، بيتها عمران ليلاً بالمعرضين، زوجة ربيب النظام وجلاده: "تحب تتفرج على البدروم يا أبونا؟ - لأ شكراً. - أصلي بيجيلي صحفيين، أغلبهم أمريكان، عايزين يكلموني في السياسة، وأنا عايزة أتكلم في الأدب، بقيت آخد منهم فلوس عشان اتكلم، جوزي طفش من بعد السقوط، وعيالي بيكرهوني والناس بتنكرني. - ...." وبعد أن انتهت الرواية ومات الروائي، حاكمت تشيلي بينوشيه ورجاله، وذكرى ليالي حظر التجول في تشيلي باقية يصحبها إحساس بالذنب في قلوب الجميع.

كتب عمرو خيري هذه السطور على صفحته: بالليل في تشيلي، للروائي التشيلي في المنفى، الراحل، روبرتو بولانيو. رواية من فقرة واحدة، 130 صفحة، الراوي (وليس الروائي) ناقد وقس وشاعر غير موهوب، يتحدث عن حياته وهو يحتضر، عن بابلو نيرودا غير المنحاز ايديولوجيا، على موائد اليمين ونقاده ومثقفيه. وسط المثقفين في الخمسينيات، الناقد التنويري، أستاذ الراوي ومن عرّفه على نيرودا، قابله في عزبته في الأرياف. دروس في الماركسية اعطاها الراوي لبينوشيه ورجاله بعد أن تخلصوا من الرئيس الماركسي الليندي، دروس سرية في الليل. حفلات ليلية حتى الصباح، للالتفاف على ساعات حظر التجول الليلية، في بيت كاتبة مغمورة، زوجها ضابط يعذب ضحاياه من أجل الوطن في البدروم دون أن يعرف الضيوف، تنقطع الكهرباء لثواني او ترتعش ولا يعرفون السبب. بينوشيه يحكي عما كتبه بقلمه من كتب ومقالات بعد أن تبسط مع الراوي، عن جهل خصومه من اليسار: “أتعرف يا ابانا ماذا كانوا يقرآون؟ فلان كان يقرأ روايات رومانسية، وفلان لم يقرأ في حياته كتاباً، كما أخبرتني أجهزتي الأمنية، الليندي نفسه كان يقرأ قصاصات من صحف ومجلات يجمعها له مؤيدوه، هاه، ماركسي! انا كتبت كتبا متخصصة للعسكريين، أنا أتعب في تعلم شيء جديد كل يوم، وهم يحلمون، هولاء الأعداء للوطن”. بعد سنوات، في صفحات الرواية الاخيرة، يتغير الحال، تأتي الزلازل للراوي، ينتهي استقرار حظر التجول والتعذيب في البدرومات، تواطؤ المثقفين مع العار، تواطؤ أخرس، يهرب الضابط، تبقى الكاتبة المغمورة يكرهها ابنها الهزيل، يموت الناقد التنويري صديق نيرودا، ويحتضر تلميذه الراوي، كان الراوي قد حكى للتنويري عن دروس الماركسية التي أعطاها لبينوشيه، وفضح التنويري العجوز سره، فتملقه الجميع وخافوه في زمن “الصمت والحديد”، ولمّع الكثيرون بقلمه المتواضع الساذج.
الست اللي كانت بتحب الكتابة، بيتها عمران ليلاً بالمعرضين، زوجة ربيب النظام وجلاده: “تحب تتفرج على البدروم يا أبونا؟ – لأ شكراً. – أصلي بيجيلي صحفيين، أغلبهم أمريكان، عايزين يكلموني في السياسة، وأنا عايزة أتكلم في الأدب، بقيت آخد منهم فلوس عشان اتكلم، جوزي طفش من بعد السقوط، وعيالي بيكرهوني والناس بتنكرني. – ….”
وبعد أن انتهت الرواية ومات الروائي، حاكمت تشيلي بينوشيه ورجاله، وذكرى ليالي حظر التجول في تشيلي باقية يصحبها إحساس بالذنب في قلوب الجميع.

من مدونة كارل ريماركس، لمدونها كارل شارو، يترجم عمرو خيري في http://qira2at.wordpress.com/ (وهي كما يعرفها قراءات نقدية معاصرة.. المعرفة والأفكار للجميع)، يترجم بورتريها بعنوان بروفايل عذب لصحفي غربي، لا شك أنه يقدم درسًا للصحافيين في الشرق:

“لماذا يتمتع الصحفي الغربي بكل هذه الخصوصية؟ المسألة أكثر من مجرد جواز سفر دولة معينة ومكان ولادة معين. الصحفي الغربي هو الصوت الذي لا ينطق عن الهوى، على العكس من أي صحفي آخر. الصحفي الغربي حنون، وحساس، وعليم، وهو، وهذا الأهم: غربي. الصحفي الغربي هو حسام الحقيقة الممشوق يشع ضياءً على أماكن مظلمة لا نفهمها. ولكن، هناك بروفايلات عذبة قليلة للغاية عن الصحفي الغربي والدور الذي يلعبه/تلعبه في ري ظمأنا للصحافة المليئة بالإحساس ووهج السعي المستنير للحقيقة. وتحديداً الصحفي الغربي الجريء الذي لا يخشى أو يتردد أن يجعل نفسه مركز اهتمام أي كان ما يغطيه من أحداث. لا تكتسب القصة الصحفية معنى إلا عندما تصلنا من منظور شخصية الصحفي الغربي المعقدة.

الصحفي الغربي الذي اخترنا كتابة بروفايل عنه يتخصص في الشرق الأوسط، مثلما فعل الكثير من عظماء الصحفيين الغربيين. اتفقنا على الاجتماع في مقهى، حتى يُتاح لنا أن “نتهطل” عليه في مكان عام. إنه منطلق دون أن يوحي بأي تهديد جنسي، وسيم دون أن يكون “كيوت”، عليم بالأمور دون أن يظهر بمظهر “أبو العريف”. هو مهضوم حقه بشكل أنيق ألق، يسير هنا وهناك وكأنه رجل يعرف ما يريده ويعرف الفيكسر (المُساعد من السكان المحليين) الذي يمكن أن يساعده في الحصول على ما يريده هذا.

يرحب بنا بعربية كسيحة، لكنها مُحببة للنفس. بعد أن يستنفد الكلمات الأربع الأساسية التي يعرفها في اللغة العربية والتي تكفي وتزيد لكي يفهم بها المنطقة، ينتقل إلى الإنجليزية. أخبرنا، أخبرنا بكل شيء، هكذا نرجوه. لماذا أنت عظيم جداً هكذا؟ ماذا نفعل لنصبح مثلك؟ كيف نكتسب ذلك المزيج غير المزعج بالمرة من “الحنية” والسطوة الأخلاقية؟ من أين تشتري ملابسك؟

ساعته السويسرية الكبيرة الثمينة دليل على هوس الصحفي الغربي العظيم المألوف بالدقة والانضباط. ننظر إلى ساعاتنا الصينية الصنع بقرف. كراسته التي يرميها بإهمال على المائدة يبدو وكأن طائفة من الجن صنعتها يدوياً لأجل ملك، مجلدة بالجلد الطبيعي ويبدو عليها الأهمية التامة. نحن ندون ملاحظاتنا في كراريس مدرسية رخيصة بأقلام “بين”. لا عجب أن لا أحد يعاملنا بجدية، نحن الصحفيين غير الغربيين”.

وأختتم بفقرة أخرى من ترجمة عنوانها الطويل “النصف الآخر: لإنهاء انعدام المساواة.. علينا إدراك أن الأمر لا يتعلق بالأثرياء إنما بالفقراء.. ونحن نكاد لا نعرف شيئاً عنهم” بقلم – كلير ميلاميد لموقع مجلة أيون:

“الحق أن الدخول الرهيبة لكبار الأغنياء لها علاقة بالفقر. حيث انعدام المساواة موجود بمعدلات عالية والحكومات مضغوطة لتقليص الضرائب على الأثرياء، ودخل الحكومات يتناقص ولا توجد نقود كافية للإنفاق على المشروعات العامة الكفيلة بتقليص الفقر. هذه الاعتبارات تؤدي بشكل طبيعي إلى اقتراح مفهوم، هو: لم لا نصلح الحال بأخذ النقود من الأثرياء؟ يمكننا أن نقلص من إمكانات التهرب من الضرائب على سبيل المثال، أو فرض حد أقصى للأجور، أو فرض ضريبة على رأس المال. هل سيجدي هذا؟ قد يكون مجدياً. ولكن، قد لا يكون مفيداً. إذا دفعت الحكومات أثرى الأثرياء لفقدان هامش أكبر قليلاً من ثرواتهم بطريق فرض ضرائب أو قواعد ضريبية للتوريث، ألا يمكن أن تُنفق هذه النقود الجديدة على الصواريخ أو مشروعات البنية التحتية الفخيمة أو أمور أخرى لا يريدها الناس حقاً وبالقطع لن تساعد في التصدي للفقر المدقع؟ هذه حكاية ورائها أسئلة كثيرة بلا إجابات. للبدء في سد الفجوات، علينا أن ننظر إلى القاع وليس إلى قمة توزيع الثروة، ليس إلى انعدام المساواة الذي يجعل الناس أثرياء، وإنما إلى انعدام المساواة الذي يبقي على فقر الفقراء”.

 

أيها “القراء” تابعوا عمرو خيري!

 

اترك رد

كوريا الشمالية: الأسرة والزواج وأشياء أخرى!

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov

كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.

أحدث التغريدات