كلما ظننت أنك اكتشفت الصين، وتعرفت عليها بما فيه الكفاية، ظهرت إليك أمور جديدة تشاهدها لأول مرة. هذا ما حدث لى في زياتى الثالثة إلى الصين وتحديدًا مدينة بكين، لم أرى فقط بكين تلك المدينة سريعة التطور، بل رأيت بكين المدينة الشاملة، التي تجمع بين الشىء ونقيضه بشكل متناغم متداخل وجميل، شكل يرسم ملامح فريدة لمدينة قديمة وحديثة في آن واحد، مدينة بها ناطحات سحاب وشوارع شاسعة، وأيضًا بها حواري ضيقة وبيوت تقليدية، بها آناس يواكبون أحدث خطوط الموضة، وآخرون محتفظين بارتداء الزي الصينى التقليدي، بها أحدث وسائل للمواصلات، وفي نفس الوقت بها العجل وبعض وسائل المواصلات التقليدية.
كانت زيارتي للصين هذا العام، مختلفة وفريدة؛ جائت عن طريق ترشيح المركز الثقافي الصيني بالقاهرة لي، للمشاركة في المنحة السنوية التى يقدمها “CCC AWARD TOUR GROUP “، والتى شارك فيها هذا العام 14 دولة من جميع أنحاء العالم.
يضم برنامج المنحة أنشطة ثقافية عديدة، كلها تهدف إلى التعرف على حضارة الصين والثقافة الصينية، تشمل هذه الأنشطة: زيارة المتاحف، الأماكن الأثرية، والعروض الموسيقية، بالإضافة إلى دروس سريعة للغة الصينية، وورش عمل للتعلم الفنون الصينية التقليدية. ومن حسن الحظ أنه تزامن مع وقت المنحة هذا العام، المهرجان الدولي للأغنية الجماعية في بكين، فُأضيف إلى برنامج المنحة المشاركة في فعليات المهرجان، وخصصت لنا حصص متخصصة في الموسيقى، للتدريب على الأغاني التى سوف نشارك بغنائها.
بالنسبة إلي تعتبر هذه الرحلة من أهم التجارب التى مريت بها، فقد زرت الصين مرتين من قبل، ولكن هذه المرة كانت مختلفة وغنية جدًا، أدركت فيها أنه إذا أردت أن تقترب من ثقافة ما، فعليك أن تأخذها بشكل شامل وكُلي؛ وتعتبر الموسيقى جزء من الثقافة الصينية. فالشعب الصينى محب للفنون بشتى أنواعها؛ ويمكنك أن تلمس ذلك لمس اليد، إذا مررت بإحدى الحدائق أو الميادين العامة، فستجد الصينيون بمختلف الأعمار يرقصون على أنغام الموسيقى، يمارسون الرياضات المختلفة، أو يقيمون العروض الموسيقية المبهجة. يمكنك أن تتوقف للحظات لمشاهدتهم أو حتى لمشاركتهم.
بعد الانتهاء من التدريب للمهرجان، و الذي استغرق أسبوع من الحصص والمحاضرات الموسيقية على يد أستاذ موسيقى متخصص في إحدى المعاهد الموسيقية الكبرى ببكين، حان وقت افتتاح المهرجان، والذى أقيم في قاعة الشعب الكبرى، والتى تعد من أكبر وأشهر القاعات المسرحية في بكين. والجدير بالذكر أن هذا المهرجان يقام سنويًا في بكين ويشارك فيه عدد كبير من الدول، وكانت هذه دورته الثانية عشر. لا تقتصر فعليات المهرجان على قاعة الشعب الكبرى فحسب، بل أيضًا تقام العروض المختلفة والمتنوعة للصين والدول المختلفة المشاركة في أماكن متعددة، منها الميادين والحدائق العامة.
لن أنسى أبدًا الدقة والنظام التى رأيتهما في تنظيم الحدث، من أول الدخول إلى المسرح مرورًا بالتدريبات ما قبل العرض، وتنظيم العروض المقدمة. كل شىء كان يتم وفقًا لترتيب زمني محدد ودقيق، لا يتأخر ثانية واحدة. كل شخص يقوم بدور معين وجزئية محددة، ليخرج في النهاية المهرجان بصورة مبهرة يشاهدها العالم بأسره.
شارك في المهرجان هذا العام مايقرب من 200 فرقة للغناء الجماعي من 43 دولة مختلفة. في حفل الافتتاح اشتركت جميع الفرق واشتركنا نحن أيضًا، ولكن على أننا طلاب مشاركين من قبل المراكز الثقافية الصينية في 14 دولة، كانت اللغة الصينية هي الجسر الذي إلتقت عليه كل الدول في حفل افتتاح المهرجان، فقد غنى الجميع باللغة الصينية، أغنية “معًا للأبد”، كأغنية الافتتاح، و” زهرة الياسمين”.
كان كل من دخولي إلى قاعة الشعب الكبرى، والوقوف على خشبة المسرح، أمام عدد غفير من المشاهدين بمثابة تجربة فريدة لا تُنسى، تجربة مهمة جدًا ومفيدة لتخصصي كمترجمة ودارسة للثقافة والأدب الصينى، فسأتذكر دائمًا أنني يوم ما كنت جزء من عمل جماعي كبير.
مؤسس جمعية الصحفيين الآسيويين، ناشر (آسيا إن)، كوريا الجنوبية
الرئيس الشرفي لجمعية الصحفيين الآسيويين، صحفي مخضرم من سنغافورة
روائية وقاصة من الكويت، فازت بجائزة الدولة التشجيعية، لها عمود أسبوعي في جريدة (الراي) الكويتية.
آندريه نيكولايفيتش لانكوف Andrei Nikolaevich Lankov
كاتب روسي حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة الدولة في ليننجراد ، درس في جامعة كيم إل ـ سونج، أستاذ في الجامعة الأسترالية الوطنية وجامعة كوكمين.